الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية -ما هو التطفيف؟

مواعظ قرآنية -ما هو التطفيف؟

إنّ المصداق الأوضح للتطفيف هو أن يُعطي المطفِّف للطرف الآخر أقل ممّا اتفقا عليه وزناً أو كيلاً، كما إذا اتّفقا على عشرة “كلغ” فأعطاه تسعة ونصف الكيلوغرام.

 

التطفيف الحكميّ

 

وهو أن يُعطي عشرة ولكن يجعل فيها مقدار كيلوغرام من غير المتّفق عليه ممّا لا قيمة له، فهنا في الواقع بخس الميزان لأنّه بحكم من أعطى تسعة “كلغ” لا عشرة، كما لو خلط الحنطة بالتراب، أو اللبن بالماء.

 

وكذلك يلحق بالتطفيف حكماً نقصان المبيع عدّاً أو قياساً ومساحة، كما لو اشترى عشر بيضات فأقبضه تسعاً، أو عشرة أذرع من القماش فأعطاه تسعة ونصفاً فإنّ هذا وأمثاله ملحق بالتطفيف المحرّم.

 

  -التطفيف في العلاقات

 

صحيح أنّ حرمة التطفيف والبخس في الميزان كحكم شرعيّ فقهيّ يتعلّق بمعاملة البيع والشراء، إلا أنّ روح الآيات تستدعي من الإنسان أن لا يُطفِّف في جميع معاملاته وأحكامه بشأن الآخرين.

 

فحقيقة التطفيف هو أن تستوفي حقّك كاملاً من الآخرين، وأمّا إذا أردت أن تُعطي فإنّك تُعطي ناقصاً وأقلّ ممّا يستحقّ!

 

 

9- سورة هود، الآية: 85.

10- انظر: جامع أحاديث الشيعة، السيّد البروجردي، ج16، ص 724.

 

إذا كان هذا هو ملاك وحقيقة التطفيف فانظر إلى علاقاتك ومعاملاتك فإنّك قد يصدق عليك مفهوم المطفِّف.

 

 -التطفيف في العلاقة بالله تعالى

 

مثلاً انظر إلى علاقتك بربِّك تبارك وتعالى فأنت تطلب من الله تعالى أن يهبك كلّ ما تبتغيه وتُريده وترى أنّ من حقِّك ذلك، بحيث إذا قتّر عليك من رزقك حصل في نفسك  اعتراض، وكذلك إذا مرضت، أو دعوت الله تعالى في أمر ولم يُستجب لك…إلخ.

 

فإنّك تُريد استيفاء تمام النعم، وبالفعل نعم الله علينا لا يحصى عددها، ولكن في المقابل، أنت ماذا أعطيت لدينك ولشريعة الله تعالى؟!

 

أنت تُعطي القليل وتطلب من الله الكثير، تُقصِّر ولا تفي بواجب شكر النعم ومع ذلك تطلب الاستزادة منها، ألست تبخس حقّ الله تعالى بالتفريط بالكثير ممّا يطلبه منك؟!

 

فإنّ مناط التطفيف متحقِّق إذاً في علاقاتنا بالخالق عزّ شأنه وجلّ ثناؤه.

 

وقد ورد التعبير عن هذا في بعض الأدعية كما في دعاء السحر للإمام السجّاد عليه السلام: “الحمد لله الّذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئاً حين يدعوني..”.

 

بل بعض الناس ليس بطيئاً فحسب بل أصلاً لا يُجيب داعي الله تعالى، ومع ذلك يطلب منه تعالى كلّ شيء ويجد في نفسه أنّ له الحقّ على الله بذلك.

 

“والحمد لله الّذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني..”

 

وهنا إشارة لطيفة في المقابلة بين ما أطلب من الله تعالى وما يطلبه تعالى منّي، فأنا أطلب حينما أطلب أن يُعطيني، بينما هو تعالى يطلب أن يستقرضني أي يطلب قرضاً، والقرض يتضمّن استعادة الشيء المقترض، فالله تعالى جواد في العطاء بلا طلب استرداد، بينما العبد حتّى في الشيء الّذي وعد الله تعالى بإعادته

 

إليه وبالأضعاف المضاعفة هو بخيل ببذله ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾11.

 

أليست هذه المعاملة مع الخالق عزّ شأنه وجلّ ثناؤه معاملة تطفيف؟

 

نسأل الله تعالى أن يتجاوز عنّا ويرحمنا ويتلطّف بنا ويترحّم على عجزنا وضعفنا إنّه أرحم الراحمين.

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...