جدد السيد علي فضل الله”الدعوة إلى استراتيجية عربية وإسلامية لمواجهة الارهاب في كل الاتجاهات، بعد أن بات واضحا أن التحالف الدولي ليس جادا في إنهاء هذا التحدي،ما دام يستنزف المنطقة، أو فاقدا للمصداقية في ما يتصل بالتمييز بين إرهاب وآخر”.
ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:”عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، وبما أوصانا الله به عندما قال:
{واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا* المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا* ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا* وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا*
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}. أيها الأحبة، بين الله من خلال هذه الآيات حقيقة الحياة وما يجري بعدها، حين يقف الناس جميعا بين يدي ربهم، ليواجهوا الحقيقة التي غفلوا عنها، وليجدوا ما عملوه حاضرا ومسجلا ومكتوبا في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. ويبقى السؤال: ترى أي كتاب كتبناه ونكتبه؟! والكتابة ليست بالحبر، بل بالأقوال والأفعال، ومتى وعينا الجواب، سنحسن الاختيار، وسنستطيع أن نواجه مسؤولية الحياة”.
واضاف: “انتهى الأسبوع الفائت على نقاط عدة سنشير إليها: النقطة الأولى هي الحوار الجاري بين حزب الله وتيار المستقبل، حيث أظهرت الأيام السابقة صلابته، ورغبة قيادات الطرفين في متابعته واستمراره، رغم التباينات التي عبرت عنها هذه القيادات في العديد من القضايا”.
وثمن “عاليا هذا الحرص على الحوار، نظرا إلى دوره في تجنيب لبنان تداعيات ما يجري من حوله، والذي يحمل أبعادا مذهبية وطائفية وقومية، ويعد صراع محاور إقليمية ودولية، رغم بقاء هذا الحوار عند حدود معينة لا يتجاوزها، كما رسم له، ونعيد الدعوة إلى تعزيزه، بضبط الخطاب، حيث نجد، وتحت عنوان شد عصب الجمهور، أن الأسقف ترفع، وأن الحساسيات والغرائز والعصبيات التي تنتج التشنج، تثار.. وهناك في الداخل والخارج من هو جاهز لإشعال فتيل الفتنة مجددا”.
ورأى “اننا أحوج ما نكون إلى من يعقلن الجمهور ويستميله بخطابه المقنع والهادئ، لا الموتر، لأننا إذا عودنا جمهورنا على التوتر، فلن يستجيب لنا عندما نريده هادئا، بل سيذهب إلى آخرين يستفيدون من تشنجه وتوتره. كما أننا بحاجة في هذا البلد إلى العقلانيين، وإلى من يصغي إلى هواجس الآخر أو ما يطرحه، وأن لا نتسرع في اتهام الآخر، ولا يكون همنا تسجيل النقاط ضد بعضنا البعض”.
وقال: “على مستوى الحوار، فإننا نريد له أن يتوسع ليشمل مواقع أخرى في هذا البلد، ونريد حوارا يساهم في حل الملفات العالقة، بدءا من موقع رئاسة الجمهورية، وتحريك عجلة المؤسسات الدستورية، إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء، وملء الشغور في المواقع الأمنية، فلا يمكن أن نواجه التحديات التي تحيط بنا، سواء على حدودنا الجنوبية أو الشرقية، بالترهل، بل بتضافر الجهود والتعاون”.
وتابع: “أما النقطة الثانية التي نحب أن نشير إليها، فهي الدعوة التي أطلقت إلى إنشاء استراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب. ونحن هنا، نضم صوتنا إلى كل الأصوات الداعمة لها، في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد لبنان، سواء في الداخل أو على حدوده الشرقية في هذه المرحلة، حيث تستمر الاعتداءات على الجيش اللبناني، وتجري الاستعدادات لتصعيدها مع بداية الربيع، ما يجعلنا نخشى تطور الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك”.
وشدد على ان “التوافق حول هذه الاستراتيجية ضرورة وطنية، فلا يمكن أن يواجه هذا الإرهاب بتلاوينه المختلفة، بفريق واحد، أو بمذهب واحد، أو بطائفة واحدة، بل المطلوب تضافر جهود كل الطوائف والمذاهب والمواقع السياسية، والمجتمع الأهلي، وتكاتفهم مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللذين يبقى لهما الدور الأساس في هذه المواجهة”.
وقال: “نحن في الوقت الذي نثمن جهود هذه القوى، نرى أن المطلوب هو الإسراع في إقرار هذه الاستراتيجية، والمبادرة إلى تنفيذها، حتى لا تضيع في ظل التجاذبات والصراعات والحساسيات، بعدما بات واضحا أن الحلول في المنطقة بعيدة المنال، وأن التخلص من الإرهاب يحتاج إلى سنوات وسنوات”.
وتابع: “أما النقطة الثالثة، فهي تتعلق بالآثار السلبية التي يتركها المناخ البارد في المواطنين، ولا سيما في المناطق الداخلية، حيث تزداد الحاجة إلى المازوت، والتي تضاف إلى الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها إنسان هذا البلد، ما يستدعي تدخل الدولة لتأمين المازوت الذي يسعى البعض إلى احتكاره، أو تهريبه خارج الحدود، مع دعوتنا إلى تعزيز التكافل الاجتماعي بين الناس، لأن المؤسسات الاجتماعية تنوء بحمل هذا العبء، إضافة إلى مد الميسورين يد العون إلى الفقراء. وهنا، لا بد من أن نلفت إلى معاناة النازحين السوريين، الذين يعانون أكثر من غيرهم في هذه الظروف المناخية الصعبة”.
واضاف: “النقطة الرابعة، تتعلق بالإرهاب التكفيري الذي بات يتهدد أمن المنطقة العربية والإسلامية واستقرارها، وهذا ما يحصل في لبنان وسوريا والعراق وليبيا ومصر، والذي كان آخر جرائمه قتل عمال مستضعفين، جاؤوا إلى ليبيا لتحصيل لقمة عيش كريم، ولا ذنب لهم سوى كونهم مصريين، ومن دين معين، وفي الوقت الذي ندين هذه الجريمة بوحشيتها ودمويتها، فإننا نعتبر أنها بعيدة كل البعد عن أي منطق ديني أو إنساني، ولا نراها إلا تشويها لصورة الإسلام، وزيادة في الانقسام الطائفي والمذهبي، واستدراجا جديدا للتدخل الأجنبي، ولا تخدم سوى الكيان الصهيوني”.
وجدد “الدعوة إلى استراتيجية عربية وإسلامية لمواجهة هذه الظاهرة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا، بعد أن بات واضحا أن التحالف الدولي ليس جادا في إنهاء هذا التحدي، أو ليس مستعجلا في ذلك، ما دام يستنزف المنطقة، أو فاقدا للمصداقية في ما يتصل بالتمييز بين إرهاب وآخر، وهذا يحتاج منا إلى السعي لإزالة التشنجات والصراعات التي تشغل كل قوانا عن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، سواء منها الصراعات ذات الطابع المذهبي أو الطائفي أو القومي، أو بين الدول العربية والإسلامية، لما تؤمنه هذه الخلافات من أجواء حاضنة للفئات التكفيرية، أو فرصة لتعزيز دور القوى الأجنبية”.
وختم: “فمزيدا من العمل وبذل الجهود لتوحيد الصفوف وإزالة أسباب التوتر والانقسام، لمواجهة هذه الظاهرة التي بات خطرها لا يتوقف على الحجر والبشر، بل على القيم والمبادئ الإنسانية، وعلى معاني المحبة والرحمة التي هي عنوان كل الأديان”.
– وکالة رسا للانباء