زهد أمير المؤمنين عليه السلام
من أبرز المعالم في نهج البلاغة هو الزهد. والزهد الّذي طرحه أمير المؤمنين آنذاك، إنّما طرحه كعلاج لمرضٍ كان يعاني منه المجتمع الإسلاميّ.
لقد ذكرت ذلك مراراً، واليوم يجب أن نقرأ نفس آيات الزهد تلك.
وحينما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: “لا تغرّكم محاسن الدنيا وإغراءاتها”، كان الكثير من الناس لا يحصلون على تلك الملذّات؛ بل لعلّ أكثر الناس كانوا على هذه الشاكلة. فخطاب أمير المؤمنين عليه السلام مع أولئك الّذين أغنتهم الفتوحات – وأصبحوا خلال سنوات التوسّع وتنامي قوّة الإسلام الدوليّة، على درجة من الثراء والامتيازات – لهجته التحذير من سوء العاقبة وخسران الآخرة.
نحن عندما نتحدّث عن الزهد، ونحاول أن نُلفت الأنظار إليه، لا يقال لنا: إنّ أكثر الناس لا يملكون هذه الأشياء الّتي تتحدّثون عنها؛ بل خطابنا
مع الأثرياء الّذين فتحت لهم ملذّات الدنيا أحضانها فاستطاعوا بلوغ تلك الملذّات بطرق الحرام، ثم بعد ذلك مع من استطاع بلوغ الملذّات من طرق الحلال.
إنّ الورع والنقاء واجتناب الحرام، والتقوى، هي أرفع وأوجب أنواع الزهد البتّة، إلّا أنّ الزهد في اللذات المحلّلة له مرتبة رفيعة أيضاً؛ نعم، مخاطَبوه أقلّ أفراداً.
واليوم هو ذلك اليوم، مع التفاوت في ظروف الزمان والخصائص التاريخيّة لكلّ عصر، وعلى من تصل أيديهم إلى الرغد والنعيم والملذّات والرفاه المتزايد للحياة، أن يضعوا كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في الزهد نصب أعينهم. ولا شكّ في أنّ هذا الخطاب أشدّ وأبلغ مع أصحاب المسؤوليّات، وهو يعمّ مَن لا منصب ولا مسؤوليّة حكوميّة له أيضاً ولكن بشكل أضعف؛ فأولئك أولى به.
ولو أنّ مجتمعنا الإسلاميّ الّذي تُحدق به كلّ هذه المخاطر، وكلّ هؤلاء الأعداء، وضع هذه التوصيات نصب عينيه وأولاها الاهتمام اللازم وأعطاها صيغة ثقافيّة، وأدرك كلّ هذا وتحدّث فيه وطالَب به، فلن يؤدّي تطبيق مثل هذه العدالة ومثل هذا الزهد إلى إيجاد أيّة مخاطر على النظام الإسلاميّ أبداً، بل إنّها تجعله أكثر قوّة وصلابة.
لقد أوقد أمير المؤمنين عليه السلام هذين المشعلين ليضيء كلّ التاريخ, والّذين يتمرّدون سيلحقون الضرر بأنفسهم، ويبقى اسم عليّ، وذكر عليّ، ودرس
عليّ عليه السلام على مدى التاريخ لا يطاوله النسيان، وسيبقى على الدوام6.
جوانب أخرى من صفات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
قد تحدّث عن أمير المؤمنين عليه السلام الخطباء والكتّاب والمفكرون والشعراء والنادبون والمادحون لأهل البيت عليه السلام ، وجميع المسلمين من الشيعة وغيرهم، وغير المسلمين قُرابة ألف وأربعمائة سنة، وسيستمرّ الحديث عنه عليه السلام إلى أبد الدهر، إلّا أنّ دائرة الكلام حول هذهِ الشخصيّة العظيمة من الاتّساع بدرجة أنّه لو دخلنا من أيّة زاوية لوجدنا أشياءً غير مذكورة.
فليس بالإمكان إحاطة المخاطَب بجميع حقائقه ويقال له: هذا هو أمير المؤمنين عليه السلام.
نعم بالإمكان الدخول من أبعاد مختلفة وبيان شيءٍ حول هذا الشخص العظيم بمقدار ما تَسعُه همتنا وفهمنا وبصيرتنا.
فكّرت فرأيت أنّه ربما أمكن العثور على مئة صفة ذكر التعبير بالمئة بعض الكبار أيضاً في بعض الروايات وخصوصيّة في أمير المؤمنين عليه السلام ، سواءً الخصوصيّات المعنويّة كالعلم والتقوى والزهد والحلم والصبر وخصوصيّاته النفسيّة، أم خصوصيّاته السلوكيّة ككونه أباً وزوجاً ومواطناً ومقاتلاً وقائداً وحاكماً، أم خصوصيّاته في معاشرة الناس كإنسان متواضع