الرئيسية / القرآن الكريم / وفي المقابل أنّ الاِيمان بالآخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كلّ خير وبركة

وفي المقابل أنّ الاِيمان بالآخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كلّ خير وبركة

 الاَمثال في القرآن – العلاّمة المحقّق جعفر السبحاني

وفي المقابل أنّ الاِيمان بالآخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كلّ خير وبركة، فكلّ وصف سوء وقبيح يلزم الاِنسان ويلحقه، فإنّما يأتيه من قبل عدم الاِيمان بالآخرة، كما أنّ كلّ وصف حسن يلزم الاِنسان ينشأ من الاِيمان بها، وبذلك ظهر معنى قوله: (لِلَّذينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَة مَثَل السَّوء) الذي يدلّ بالملازمة للذين يوَمنون بالآخرة لهم مثل الحسن.
وأمّا قوله سبحانه: (وَللهِ المَثَلُ الاََعلى) فمعناه أنّه منزّه من أن يوصف بصفات مذمومة وقبيحة كالظلم، قال سبحانه: (ولا يَظلم رَبُّك أَحداً ). (1) وفي الوقت نفسه فهو موصوف بصفات محمودة.

 
فكلّ وصف يستكرهه الطبع أو يردعه العقل فلا سبيل له إليه، فهو قدرة لا عجز فيها، وحياة لا موت معها إلى غير ذلك من الصفات الحميدة، بخلاف ما يقبله الطبع فهو موصوف به.

 
وقد أشار إلى ذلك في غير واحد من الآيات أيضاً، قال: (وَلَهُ المَثَلُ الاََعلى فِي السَّماواتِ وَالاََرْضِ ) (2) وقال: (لَهُ الاََسْماءُ الحُسْنى ) (3)، فالاَمثال منها دانية ومنها عالية فإنّما يثبت له العالي بل الاَعلى. (4)
ومنه يعلم أنّ الاَمثال إذا كان جمع مثْل ـ بالسكون ـ فالله سبحانه منزّه من المثْل والاَمثال، وأمّا إذا كان جمع مثَل ـ بالفتح ـ بمعنى الوصف الذي يحمد به سبحانه، فله الاَمثال العليا، والاَسماء الحسنى كما مرّ.

____________
1 ـ الكهف:49.
2 ـ الروم:27
3 ـ طه:8.
4 ـ لاحظ: الميزان: 12|249.
===============

الثاني: المَثَلَ في الاصطلاح
المَثَلُ: قسم من الحكم، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها، ثمّ يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.
فالكلمة الحكيمة على قسمين: سائر منتشر بين الناس ودارج على الاَلسن فهو المثل، وإلا فهي كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة. فما ربما يقال : “المثل السائر” فالوصف قيد توضيحي لا احترازي، لاَنّ الانتشار والتداول داخل في مفهوم المثل، ويظهر ذلك من أبى هلال العسكري (المتوفّى حوالى 400هـ )، حيث قال: جعل كل حكمة سائرة، مَثَلاً، وقد يأتى القائل بما يحسن من الكلام أن يتمثل به إلاّ أنّه لا يتفق أن يسير فلا يكون مَثَلاً. (1)
وكلامه هذا ينم”انّ الشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الاَلسن هو الفارق بين الحكمة والمثل، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول،ومثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداوَه في المناسبات المختلفة”.
ولاَجل ذلك يقول الشاعر:
ما أنت إلا مثل سائـريعرفه الجاهل والخابر
وأمّا تسمية ذلك الشيء بالمثال، فهو لاَجل المناسبة والمشابهة بين الموردين على وجه يُصبح مثالاً لكل ما هو على غراره.

____________
1 ـ جمهرة أمثال العرب:1|5.
===============

قال ابن السكيت(المتوفّى عام 244هـ) : المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ، شبّهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره. (1)
وبما انّ وجه الشبه والمناسبة التي صارت سبباً لاِلقاء هذه الحكمة غير مختصة بمورد دون مورد، وإن وردت في مورد خاص يكون المثل آية وعلامة أو علماً للمناسبة الجامعة بين مصاديق مختلفة.
يقول المبرّد: فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الاَوّل، كقول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مَثَلا ًومـا مـواعيـدهـا إلاّ الاَباطيل
فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد (2)
وعلى ذلك فالمثل السائر كقوله: “في الصيف ضيعتِ اللبن” علم لكل من ضيَّع الفرصة وأهدرها، كما أن قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : “لا ينتطح فيها عنزان” علم لكلّ أمر ليس له شأن يعتد به. (3)
كما أنّ قول أبى الشهداء الحسين بن على (عليهما السلام) : “لو ترك القطا ليلاً لنام” الذي تمثل به الاِمام (عليه السلام) في جواب أُخته زينب (عليها السلام) ،علم لكل من لا يُترك بحال أو من حُمل على مكروه من غير إرادة، إلى غير ذلك من الاَمثال الدارجة.

____________
1 ـ مجمع الاَمثال:1|6.
2 ـ مجمع الاَمثال:1|6.
3 ـ مجمع الاَمثال:2|225.
===============

الثالث: فوائد الاَمثال السائرة
ذكر غير واحد من الا َُدباء فوائد جمة للمثل السائر:
1. قال ابن المقفّع (المتوفّـى عام 143هـ) : إذاجعـل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث.
2. وقال إبراهيم النظّام (المتوفّـى عام 231هـ) : يجتمـع في المثل أربعـة لا تجتمع في غيره من الكلام : إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة.
وقال غيرهما: سُمِّيت الحِكَم القائم صدقها في العقول أمثالاً، لانتصاب صورها في العقول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب. (1)
وقد نقل ابن قيم الجوزية (المتوفّى عام 751هـ) كلام النظّام بشكل كامل، وقال:
وقد ضرب الله ورسوله الاَمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثّل به فقد يكون أقرب إلى تعقّله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره، فإن النفس تأنس بالنظائر والاَشباه وتنفر من الغربة والوحدةوعدم النظير.
ففي الاَمثال من تأنّس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره، وكلّما ظهرت الاَمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً، فالاَمثال شواهد المعنى المراد، وهي خاصية العقل ولبّه وثمرته. (2)

____________
1 ـ مجمع الاَمثال :1|6.
3 ـ أعلام الموقعين:1|291.وما ذكره من الفائدة مشترك بين المثل السائر الذي هو موضوع كلامنا، والتمثيل الذي شاع في القرآن، وسيوافيك الفرق بين المثل السائر والتمثيل.

 

القسم :03

شاهد أيضاً

الاَمثال في القرآن – العلاّمة المحقّق جعفر السبحاني

بسم الله الرحمن الرحيم (لَوْ أَنْزلْنا هَذَا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ ...