كانت الزيارة التاريخية والناجحة الاولى لرئيس الوزراء حيدر العبادي الى واشنطن التي دعته الى زيارتها خطوة في اتجاهين ستراتيجيين، الاول هو تكريس مُضي العراق في مضمار التحشيد الدولي والاقليمي الى جانبه بعد ان صار واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار ان تنظيم “داعش” لا يهدد العراق فقط بل هو خطر عالمي مشترك بحسب اقرار الرئيس اوباما وهو ليس شأنا عراقيا محضا او حلقة من حلقات الاصطراع الطائفي فيه كما يصور البعض.
والاتجاه الستراتيجي الثاني الذي كان وراء زيارة العبادي الى واشنطن هو لكشف النوايا الاميركية واختبار “جدية” الولايات المتحدة في تنفيذ اتفاقية الاطار الستراتيجي التي ابرمت بين البلدين سنة 2008 ومناقشة التزاماتها في اهم بند ورد فيها وهو التعاون الامني بينهما ضمن هذه الاتفاقية التي نصت: (القسم الثالث: التعاون الدفاعي والأمني: تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، وبذلك المساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزا لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه.
ويتم هذا التعاون في مجالي الأمن والدفاع وفقاً للاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه.) ولاسيما بعد ان بدا واضحا وجليا التذبذب الأميركي والمشاركة الخجولة في سياق التحالف الدولي المناهض للإرهاب الداعشي رغم اهمية تلك “المشاركة” في تقويض هذا الكيان لاسيما في الضربات الجوية التي تغير الكثير من نتائج الصراع لصالح العراق الا انها لم تكن بمستوى الطموح العراقي المأمول ومن هنا تكمن اهمية زيارة العبادي الى واشنطن ولقائه الرئيس اوباما الديمقراطي المتحفظ على توسيع الانتشار
الاميركي في العالم.
وقد جاءت زيارة العبادي في ظل الحاجة المتزايدة للدعم التسليحي والامني والمالي كون العراق يعاني من مشكلتين مزدوجتين في وقت واحد توثر سلبا احداهما على الاخرى وهما (مشكلة الارهاب المتمثل بداعش وسوء الوضع المالي بسبب التدهور المستمر في اسعار النفط في الاسواق العالمية) ولهذا فقد المح رئيس الوزراء صراحة الى اهداف زيارته الى واشنطن ولقائه الرئيس اوباما وكبار اصحاب القرار في الادارة الاميركية كـوزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي بحث معه جهود مكافحة الارهاب، فضلا عن لقائه الاهم مع وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر لبحث الاسراع في تدريب وتسليح القوات الامنية، علاوة على لقائه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي.
بالاضافة الى اعضاء الكونغرس وبحسب المصادر فقد طالب العبادي بـ(أسلحة متقدمة تشمل طائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “أباتشي”، التي تصنعها شركة “بوينج”، وذخيرة وأسلحة أخرى، فضلا عن طلبه تأجيل سداد ثمن هذه الأسلحة) وبـ (دعم الولايات الاميركية على المستويين الانساني والمادي) وهما الهدفان الرئيسيان من زيارته الى واشنطن كون تلك الاسلحة النوعية والمتطورة لها اثر مفصلي على مجريات الحرب
المستمرة مع “داعش” وتحضيرا لاستكمال متطلبات تحرير بقية المدن التي قضمها هذا التنظيم الارهابي واهمها الانبار ونينوى كما طالب العبادي الادارة الاميركية بتسريع عقد مؤتمر دولي للدول المانحة لإغاثة النازحين من جراء العمليات العسكرية ضد “داعش” ناهيك عن إعادة اعمار المناطق التي نكبت بسيطرة “داعش” عليها.وكرد فعل على الدبلوماسية العراقية الناجحة اختصر الرئيس اوباما وجهة النظر الاميركية لهذه الزيارة التي اتت في وقتها بقوله: (ان العمل مع “شريك” قوي كالعراق سيـجعل من ملاحقة الارهـابيين التـزاما عـلى بلاده) وهي اشارة واضحة الى التزام الولايات المتحدة ببنود هذه الاتفاقية ومحاولة الرئيس اوباما تبديد جزء من ضبابية الموقف الاميركي منها وايصال رسالة تطمئن الجانب العراقي الزائر لهذا الغرض الستراتيجي.
واستطاع العبادي بدبلوماسيته الواضحة والناجحة ان يحصد تأييد الديمقراطيين وايضا تأييد الجمهوريين المناهضين لمشروع اوباما في العراق، بعد ان كشف الرئيس أوباما عن زيادة المساعدة الإنسانية الأميركية للعراق بقيمة مائتي مليون دولار. وصار واضحا للولايات المتحدة ان تقديم المساعدات اللازمة والضرورية للعراق سيسهم بنجاح العراق في مسعاه الحربي والانساني ما سيخلق شرق اوسط مزدهرا وآمنا يتناسب مع الاهمية الجيوستراتيجية في هذا الجزء الحيوي من العالم.