ومن حقها الاكرام ، والرفق بها ، واحاطتها بالرحمة والمؤانسة ، قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : « وأمّا حقُّ رعيتك بملك النكاح ، فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها.. » (1).
وقد ركّز أهل البيت عليهم السلام على جملة من التوصيات من أجل ادامة علاقات الحب والمودّة داخل الاُسرة ، وهي حق للزوجة على زوجها .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي »(2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من اتخذ زوجة فليكرمها » (3).
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته » (4) .
وجاءت توصيات جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤكدّة لحق الزوجة قال صلى الله عليه وآله وسلم : « أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها
____________
1) تحف العقول : 188 .
2) من لا يحضره الفقيه 3 : 281 .
3) مستدرك الوسائل | النوري 2 : 550 .
4) من لا يحضره الفقيه 3 : 281 .
——————————————————————————–
( 70 )
إلاّ من فاحشة مبيّنة » (1).
ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة ، وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها ، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة قال : « حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ، ويكسوك ممّا يلبس ، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك » (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ، ويحنّون عليهم ، ولا يظلمونهم » (3).
ومن أجل تحجيم نطاق المشاكل والاضطرابات الاُسرية ، يستحسن الصبر على إساءة الزوجة ، لأنّ ردّ الاساءة بالاساءة أو بالعقوبة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ويزيد المشاكل تعقيداً ، فيستحب الصبر على إساءة الزوجة قولاً كانت أم فعلاً ، قال الامام محمد الباقر عليه السلام : « من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة ، أعتق الله رقبته من النار ، وأوجب له الجنّة » (4).
وحثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوج على الصبر على سوء أخلاق الزوجة ، فقال : « من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه » (5) .
ولقد ورد في سيرته صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يصبر على أذى زوجاته وغضبهن
____________
1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 .
2) مكارم الاخلاق : 218 .
3) مكارم الاخلاق : 216 ـ 217 .
4) مكارم الاخلاق : 216 .
5) مكارم الاخلاق : 213 .
——————————————————————————–
( 71 )
عليه وهجرهن إياه ، فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر صلى الله عليه وآله وسلم لكي نتجنب كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية ، ونحافظ على سلامة العلاقات داخل محيط الاُسرة .
عن عمر بن الخطاب قال : غضبت على امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فانكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر من ذلك ! فو الله إنّ أزواج النبي صلى الله عليه وآله ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (1).
وقال عمر لحفصة ابنته : أتغضب احداكنّ على النبي صلى الله عليه وآله اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم (2).
وكانت سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام مثالاً لسيرة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في كل مفردات العقيدة والسلوك ، وهكذا كانت في مسألة الصبر على أذى الزوجة لأجل تقويم سلوكها واصلاحها ، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : « كانت لأبي عليه السلام امرأة ، وكانت تؤذيه ، وكان يغفر لها » (3).
ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة ، فإذا حرمها الزوج من ذلك ـ كما هو الحال في الايلاء ، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته ـ فللزوجة حق الخيار ، إن شاءت صبرت عليه أبداً ، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم الشرعي ، حيث يمهله لمدة أربعة أشهر ليراجع نفسه ويعود إلى مراعاة حقها ، أو يطلقها ، فان أبى كليهما حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم
____________
1) الدر المنثور 6 : 243 .
2) المعجم الكبير 23 : 209 .
3) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 .
——————————————————————————–
( 72 )
والمشرب حتى يرجع إلى زوجته ، أو يطلقها (1).
وإذا تزوجت من رجل على أنّه سليم ، فظهر أنه عنّين انتظرت به سنة ، فان استطاع مجامعتها فتبقى على زوجيتها ، وإن لم يستطع كان لها الخيار ، فان اختارت المقام معه على أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار (2).
ولا يجوز اجبار المرأة على الزواج من رجل غير راغبة فيه ـ كما تقدم ـ .
وإن كان للرجل زوجتان ، فيجب عليه العدل بينهما (3).
ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات الزوجية ، فلا يجوز للزوج أن يقذف زوجته ، فلو قذفها جلد الحدّ (4).
ثالثاً : حقوق الوالدين :
للوالدين الدور الأساسي في بناء الاُسرة والحفاظ على كيانها ابتداءً وإدامة ، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل طبقاً لموازين المنهج الاسلامي ، لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدين والأبناء ، طبقاً للحقوق والواجبات المترتّبة على أفراد الاُسرة تجاه بعضهم البعض ، فقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم بوجوب برّ الوالدين والاحسان إليهما بوجوب عبادته ، وحرّم جميع ألوان الاساءة إليهما صغيرها وكبيرها ، فقال تعالى : ( وقَضى ربُّكَ ألاّ تَعبدُوا إلاّ إيّاهُ وبالوالدينِ إحسَاناً إمّا يَبلغُنَّ عِندكَ
____________
1) المقنعة : 523 .
2) المقنعة : 520 .
3) المقنعة : 516 .
4) المقنعة : 541 .