اتباع الحق
أسس القرآن الكريم في مقام رده على المفهوم ـ الشعار المتمثل بتقليد الآباء لمفهوم اتباع الحق الذي يصل إليه الإنسان من خلال التفكير بعقله دون تقليد الآباء، فقال تعالى: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾(الزخرف، 24).
نماذج معاصرة للغزو المفاهيمي
1ـ مفهوم السلام
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والذي شكل سقوطا للنظام الثنائي القطب عالميا، طرح الغرب الأمريكي شعار النظام الأحادي القطب، وابتدأ عصر الهيمنة الأمريكية على العالم، ورسمت السياسة الأمريكية سياستها للسيطرة على العالم، ومن ذلك العالم الإسلامي الذي كان ينأى بنفسه عن الصراع لاعبا على وتر الثنائية القطبية، ولكن المواجهة احتدمت والصراع أصبح مباشراً في ظل النظام العالمي الجديد.
2- تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج 14 ص 297
سعت الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العالم الإسلامي بكل الوسائل المتاحة، وتمثل الغزو الثقافي المفاهيمي عبر طرح شعار السلام.
شعار السلام الذي أريد منه الخروج بإسرائيل الدولة المغتصبة من عزلتها قام على أساس حل المشكلة الفلسطينية، وسعى الغرب من خلال الترويج لمفهوم السلام إلى التوصل إلى مآربه.
السلام المطروح يتناسى كافة حقوق شعب أخرج من بلده، كما يتناسى تاريخا من المجازر التي ارتكبت في حقه.
يكفي لمن يقرأ المشهد السياسي والفكري والثقافي في العالم العربي بعد مؤتمر مدريد للسلام أن يشهد كيف تحول مفهوم السلام الغربي إلى مفهوم لا يمكن لأحد أن يتجاوزه او يرفضه، بل إن الكثير من النخب المثقفة في العالم الإسلامي أصبحت تراه ضرورة دون أن تدرك أبعاده، وأصبح رفض هذا المفهوم بالنحو الذي يروج له الغرب يعني الأصولية والتشدد، وهو مخالف لحالة الاعتدال. وتصدى الكثير من النخب للترويج لهذا المفهوم فكان بذلك خادما مخلصا للغزو المفاهيمي الغربي.
2ـ مفهوم الحرية
لعلنا لا نبالغ القول بأنّ هذا المفهوم هو من أكثر المفاهيم الغربية التي غزت عالمنا الإسلامي، فبعد قيام ما يسمى بعصر النهضة على أساس مفهوم الحرية، تم تصدير هذا المفهوم إلى العالم الإسلامي. ومفهوم الحرية في الغرب انطلق من نقطة رئيسة هي رفض الدين. فالحرية في الغرب هي حرية اتجاه القيود الدينية، وهي تحرر من قيود الكنيسة، وقد
أريد لهذا المفهوم أن يكون بابا لجعل المسلمين يبتعدون عن دينهم كما ابتعد الغربيون عن دينهم.
توسع استخدام مفهوم الحرية في العالم الإسلامي، فتمسك به دعاة التحرر واستخدموه أداة لأجل رفض بعض التعاليم الدينية، ويعود الكثير من التفلت (لا التحرر) الذي عاشته المرأة في العالم الإسلامي إلى استغلال بعض المستغربين لهذا المفهوم لدعوتها إلى رفض الكثير من القيم الدينية التي كانت تعيشها، فأصبحت الحرية تعني ترك الحجاب، وتعني الاختلاط ودخول المرأة في المجتمع دون مراعاة لخصوصيتها التي جعلها الإسلام لها، وصانها من خلال بعض الأحكام التي فرض التعامل بها، والنظم التي جعلها في داخل المجتمع الإسلامي.
3ـ مفهوم عيش حياتك
أدى التفكك الأسري في الغرب، ثم التفكك الاجتماعي إلى رفض أي نوع من التواصل الاجتماعي بين أفراده او الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، فأصبح الفرد في الغرب مسؤولا عن نفسه فقط، لا تحركه سوى مصالحة الفردية، وفرض النظام الرأسمالي بما يحمله من قوانين اقتصادية جشعا لا حد له، ومن المفاهيم التي طرحها الغرب للتأثير على أنماط التفكير مفهوم (عيش حياتك) الذي نراه يحتل مساحة في الترويج الإعلامي مستخدما كافة الأساليب للتأثير على المجتمع المسلم.
وهذا المفهوم يقف في النقطة المقابلة تماما للتعليم الإسلامي الذي ركّز على المسؤولية الاجتماعية فيما فرضه من تربية الأبناء في الأسرة، وتربية
المجتمع من خلال فريضة التعليم، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الإسلام يرى أن صيانة المجتمع الإسلامي هو من الواجبات الكفائية التي تفرض على كل مسلم التفكير بمجتمعه وبأمته، وأنه جزء لا ينفصل عن المكون الاجتماعي العام، ولا يحق له إطلاقا الهروب من مسؤوليته، بل هو محاسب على أي تقصير في هذا المجال.