الرئيسية / الاسلام والحياة / القدوة الاهمية وتحولات الدور

القدوة الاهمية وتحولات الدور

مواصفات القدوة

 في كتاب جهاد النفسً للامام الخميني2
قد وصل الأمر بسبب ضعف العلوم المعنوية والمعارف في الحوزات، إلى أن تنفذ الأمور المادية والدنيوية إلى أوساط علماء الدين وأبعدت الكثيرين عن الأجواء المعنوية والروحية بدرجة باتوا يجهلون: ماذا يعني عالم الدين أصلا؟ وما هو واجبه؟ وما هي المهام التي ينبغي له الاضطلاع بها؟

 

الجهوزية والتنظيم والانضباط:

 

يمثل الموقع الذي يحظى به “العالم الدينيًً في المجتمع لبنة أساسية في جدار الحصانة الاسلامية، ويستدعي ذلك شروطا دقيقة ومواصفات

 

1- باحث وأستذ في الحوزة العلمية

2- عنوان الكتاب:  الجهاد الأكبر أو جهاد النفس, وأبحاث الكتاب عبارة عن تقريرات لدروس ألقاها الإمام في النجف الأشرف.


صارمة على مستوى الممارسة تسمح بالارتقاء الى موقع النموذج والمثال المحتذى. وهذا الموقع ليس مكسبا عشوائيا، وانما هو ضريبة مكلفة, تستدعي المداومة على الاصلاح، والتجهز، والتنظيم، والانضباط، والترتيب، والانتباه، والتحرك، والتحصين، والاستعداد.. وسائر المفردات المماثلة.

 

في المرحلة الأولى اهتموا بتهذيب النفس وتزكيتها، وإصلاح ذات بينكم.. خذوا بوسائل العصر.. نظموا أموركم، وابسطوا النظام والانضباط على كل شؤون الحوزات العلمية.. هذبوا أنفسكم، وتجهزوا واستعدوا للحيلولة دون وقوع المفاسد التي يمكن أن تعترضكم. حصنوا الحوزات العلمية واجعلوها قادرة على التصدي للمشاكل التي ستواجهها.. فكروا قبل أن تضيع الفرصة، وقبل أن يستولي الأعداء على جميع شؤونكم الدينية والعلمية.. فكروا وانتبهوا وتحركوا.. لا تتشبثوا بالذرائع وتخلقوا لأنفسكم الأعذار بأن المرحلة لا تقتضي ذلك..

 

وبنظر الإمام، لا يوجد أي عذر في الإخلال بهذه القواعد الضرورية، ذلك أن أي إهمال سوف يتسبب بثمن فادح, لا أقل القضاء على النفس وعلى أحكام الاسلام.. بحيث يصح القول هنا أن الخطأ الأول هو الخطأ الأخير.

 

إن عالم السوء العالم الغارق في حب الدنيا، العالم الذي لا يفكر بغير البقاء في مركزه والحفاظ على زعامته, إن مثل هذا العالم لا يستطيع مجاهدة أعداء الإسلام، وإن ضرره أكثر من غيره، فلتكن خطواتكم ربانية،

 


أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم، وآنذاك يمكنكم أن تجاهدوا.. لا تدعوا الآخرين يحاولون تنظيم هذه الحوزات، لا تسمحوا للأعداء أن يتسلطوا عليها زاعمين أن العلماء ليسوا أهلا لشيء ولا يقدرون أن يفعلوا شيئا، إنما هم مجموعة عاطلين عن العمل، إنهم بهذه الذرائع يريدون إفساد هذه الحوزات بذريعة إصلاحها وتنظيمها، يريدون أن يتسلطوا عليكم، فلا تدعوا لهم عذرا.. إذا نظمتم أموركم وهذبتم أنفسكم وضبطتم كل أوضاعكم فلن يطمع الآخرون بكم، ولن يعد بمقدورهم النفوذ إلى حوزاتنا العلمية ومؤسساتنا العلمائية.

 

في سبيل ذلك، يتوجب وضع طلبة العلم – في إطار المواجهة مع العدو المتربص شرا بالاسلام -، بين خيارين: إما العمل على الاعداد والتنظيم والتجهز, لاحباط مؤامرات العدو، وإما الإهمال وما ينتج عنه من الفناء والزوال.

 

إذا لم تصلحوا أنفسكم وتتجهزوا وتجعلوا النظام والانضباط حاكما على دراستكم وحياتكم، فإنكم محكومون بالفناء والاندثار.. إن عملاء الاستعمار يتطلعون للقضاء على الإسلام ومحو كل أثر له. ولابد لكم من الوقوف في وجه ذلك وقفة شجاعة. ولن يتسنى لكم ذلك مع وجود حب النفس والجاه والغرور والتكبر.. إن مستقبلكم مظلم, يحيط بكم أعداء كثيرون من كل صوب.. إذا لم تنظموا أنفسكم وتعدوا العدة للتصدي للضربات التي تكال كل يوم للإسلام، فسوف تقضون على أنفسكم وكذلك على أحكام الإسلام، وستكونون مسؤولين عن ذلك كله. إنكم لن تستطيعوا

 


أن تتخلصوا من خططهم الشيطانية إلا في ظل بناء الذات والتهذيب والنظم والترتيب السليم. فبهذا وحده تستطيعون أن تحبطوا محاولاتهم المجرمة هذه.

 

التفاعلية، عمومية الطابع:

 

نظرا لما يمثله عالم الدين من موقع متقدم، وطبيعة الدور الذي يقوم به، وهو دور يتجاوز مجرد التمثيل الرسمي والمهني، ويستوجب ايمانا رساليا وانتماءا نهائيا، بحيث يتحول العالم الى قدوة ونموذج ومثال أعلى في نظر العموم، وتتحول القيم التي يمثلها بتصديه للمنصب الى ايمان في وجدان الجماعة وكيانهم، لأجل ذلك فإن أي انحراف أو فساد يصدر عنه، سوف يترك تداعيات سلبية كبيرة يتعدى اثرها الوضع الشخصي إلى الوضع العام، وسوف ينجم عن ذلك تصدعات في بنية ايمان الجماعة قد لا يسهل جبرها، نتيجة فقدان الثقة.

 

وإذا كان لا يصح تعميم السلوكيات الفردية في الحالات العادية، إلا أن المكانة العلمائية تفترض سلوكا مختلفا نظرا لحساسية الموقع، سيما وأن المرتجى من هذا الموقع هو مخاطبة الجماعة الاسلامية، ما يعني ضرورة أن تتحمل الجماعة العلمائية (كجماعة) نتائج الآثار السلبية الناجمة عن أي اختلالات جزئية قد تلحق بهذا الموقع.

 

يحذر الامام في هذا السياق إلى أن العمل القبيح من العالِم سوف ينسب الى الاسلام، لا الى فاعله. ولذلك يجب تنزيه ساحة العلماء من كافة أشكال التلوث، والتعفن، والفساد، والخبث، والانحطاط، واقتراف القبائح

 


والسيئات.. ويجب الحذر من الاندراج في علماء السوء. إن الأعمال التي تصدر عن العلماء لها طابع عام، ما يستوجب منهم العمل على تجاوز البعد الفردي إلى البعد العام.

 

إذا ارتكب العامي والجاهل معصية، فإنه يسيء إلى نفسه فحسب ويضرها، ولكن إذا ما انحرف العالم وارتكب عملا قبيحا فإنه سيحرف عالما، وأسيء إلى الإسلام وعلماء الدين.. إن ما ورد في الحديث من أن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه، هو لأنه يوجد فرق كبير في الدنيا بين العالم والجاهل بالنسبة لنفعهم وضررهم للإسلام والمجتمع الإسلامي.. إن هذا التلوث هو الذي يتأذى من رائحة تعفنه أهل جهنم.. إن هذا التعفن والأعمال السيئة التي يجترحها عالم السوء والعالم غير العامل والعالم المنحرف في هذه الدنيا، هي التي تتحول إلى روائح كريهة تؤذي مشام أهل جهنم في الآخرة، دون أن يضاف لها شيء في تلك الدنيا. فالذي يحدث في عالم الآخرة الشيء ذاته الذي كان في هذه الدنيا, فلا يضاف شيء إلى أعمالنا وإنما تتحقق ذاتها.. إذا ما اتصف العالم بالإفساد والخبث فإنه سيجر المجتمع إلى الانحطاط والتعفن, غاية الأمر أن حاسة الشم في هذه الدنيا لا تشم رائحة تعفنه، ولكن في الآخرة تشم.. إن الشخص العامي ليس باستطاعته أن يوجد مثل هذا الفساد والتلوث في المجتمع الإسلامي. الشخص العامي لم يسمح لنفسه أبدا أن يدعي الإمامة والمهدوية والنبوة والألوهية. العالم الفاسد هو الذي يجر العالم إلى الفساد: إذا فسد العالم فسد العالم.

 


أنتم مرتبطون برسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم. إنكم بمجرد دخولكم الحوزات العلمية تكونون قد ربطتم أنفسكم بفقه الإسلام وبالرسول الأكرم والقرآن الكريم. فإذا ما ارتكبتم عملا قبيحا فسوف يمس رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ويسيء إليه، ومن الممكن أن يلعنكم لا سمح الله. فلا تسمحوا لأنفسكم أن تحزنوا قلب رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم وقلوب الأئمة الأطهار، وتكونوا سببا في آلامهم.

 

في المقابل، يؤكد الإمام على الطابع الايجابي لوجود العالِم الصالح في المجتمع، ومدى التأثير الاجتماعي البالغ لأخلاقية العالم الذي يتحلى بالتهذيب، والصلاح، والتقوى، والورع، والاستقامة.. إن مجرد وجود العالم الصالح في المجتمع سوف يبعث على هداية الناس ولو لم يمارس الوعظ والارشاد.

 

إذا كان العالم الورع والصالح يعيش في مجتمع أو مدينة أو إقليم ما، فإن وجوده يبعث على تهذيب أهالي تلك المدينة وهدايتهم، وإن لم يكن يمارس الوعظ والإرشاد لفظا..

 

كنت أرى في بعض المدن التي كنت أذهب إليها في فصل الصيف، أهالي تلك المدن ملتزمين بآداب الشرع إلى حد كبير. والسبب في ذلك كما اتضح لي، هو أنه كان لديهم عالم صالح ومتق.. لقد رأينا أشخاصا كان وجودهم يبعث على الموعظة والعبرة.. إن مجرد النظر إليهم كان يبعث على الاتعاظ والاعتبار.. المنطقة التي يقطنها عالم ورع ومتق، يكون أهاليها مؤمنين صالحين..

 


إذا ما انحرف العالم فمن الممكن أن يضل أمة بأسرها ويجرها إلى الهاوية. وإذا كان مهذبا يراعي الأخلاق والآداب الإسلامية، فإنه يعمل على هداية المجتمع وتهذيبه.

 

(التشدد تجاه الذات) الاحتياط والتنزه والتعفف:

 

يتميز الموقع الذي يتصدى له “العالم الدينيًً عن سائر المواقع الأخرى من حيث خطورة المسؤوليات، وحساسية الواجبات. ويفترض أن يتحلى العلماء بنمط خاص من اللياقات في سلوكهم بحيث تتماشى مع التوقعات المفترضة فيهم.

 

إن مسؤوليتكم جسيمة للغاية، وواجباتكم غير واجبات عامة الناس.. إن واجبات علماء الدين جسيمة للغاية، وإن مسؤولياتهم أعظم من مسؤوليات سائر الناس.. كم من الأمور مباحة لعامة الناس إلا أنها لا تجوز لكم، وربما تكون محرمة عليكم.. الناس لا تتوقع منكم أداء الكثير من الأمور المباحة، فكيف إذا ما صدرت عنكم – لا سمح الله – الأعمال القبيحة غير المشروعة، فإنها ستعطي صورة سيئة عن الإسلام وفئة علماء الدين.

 

وفي هذا السياق ينبّه الإمام على خطورة هذه المسؤولية، وضرورة التمسك بعصا الاحتياط, فإن واجبات العلماء غير واجبات الناس، وقد يحرم عليهم ما هو مباح للناس.

 

إذا شاهد الناس عملا أو سلوكا من أحدكم خلافا لما يتوقع منكم، فإنهم سينحرفون عن الدين ويبتعدون عن علماء الدين، وليس عن ذلك

 


الشخص.. إذا ما رأى الناس تصرفا منحرفا أو سلوكا لا يليق من أحد المعممين، فإنهم لا ينظرون إلى ذلك بأنه من الممكن أن يوجد بين المعممين أشخاص غير صالحين، مثلما يوجد بين الكسبة والموظفين أفراد منحرفون وفاسدون.. إذا ما ارتكب بقال مخالفة، فإنهم يقولون إن البقال الفلاني منحرف. ولو ارتكب عطار عملا قبيحا، فإنهم يقولون: إن العطار الفلاني شخص منحرف. ولكن إذا ما قام أحد المعممين بعمل لا يليق، فإنهم لا يقولون: إن المعمم الفلاني منحرف، بل يقولون إن المعممين سيئون.

 

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...