التسلح العلمي:
العلم سلاح خطير ذو حدين, ومآله إما إلى الخير وحسن العاقبة، وإما إلى الضلال وسوء العاقبة. وكلما ازداد العلم كلما ازدادت شوكة هذا السلاح وسطوته. ولهذا نجد أن غالبية الذين تظاهروا بالتدين وتسببوا في انحراف كثيرين وإضلالهم، كانوا من أهل العلم, ذلك أن العلم إذا وقع في القلب الفاسد كان أخطر وأعظم من كل الشرور، فيجعل الظلمة أكثر عتمة، ويتحول إلى حجب ظلام، ولن يجني صاحبه سوى الحجاب
والابتعاد عن الحق تعالى. فالعلم نور لا مكان له في القلوب الصدئة. ولأجل أهمية العلم، يدعو الإمام إلى تعزيز قواعد الفقاهة، وأن يصبح العلماء من أصحاب الرأي فيها.
إن غالبية الذين تظاهروا بالتدين وتسببوا في انحراف كثيرين وإضلالهم، كانوا من أهل العلم. بعض هؤلاء درسوا في المراكز العلمية الدينية ومارسوا الرياضات النفسية.. إن مؤسس إحدى الفرق الضالة قد درس في حوزاتنا العلمية هذه، ولكن نظرا لأن دراسته لم تكن مقترنة بتهذيب النفس وتزكيتها، لم يخط على الصراط المستقيم، ولم يتمكن من إبعاد نفسه عن الرذائل، فكانت عاقبته كل تلك الفضائح.. شر العالم الفاسد بالنسبة للإسلام أخطر وأعظم من كل الشرور.. العلم نور، إلا أنه في القلب المظلم والقلب الفاسد، يجعل الظلمة أكثر عتمة.. العلم يقرب الإنسان من الله تعالى، إلا أنه في النفس الطالبة للدنيا يبعث على الابتعاد ـ أكثر ـ عن محضر ذي الجلال.. علم التوحيد أيضا إذا لم يكن خالصا لله فإنه يتحول إلى حجب ظلام، لأنه انشغال بما سوى الله.. لو أن شخصا حفظ القرآن بالقراءات الأربع عشرة لغير ـ وجه ـ الله تعالى وتلاها، فإنه لن يجني سوى الحجاب والابتعاد عن الحق تعالى.. أنا لا أقول: لا تدرسوا، لا تكسبوا العلم, بل ينبغي أن تلتفتوا إلى أنكم إذا أردتم أن تكونوا أبناء مفيدين وفاعلين للإسلام والمجتمع، وأن تتولوا قيادة الأمة وتوعيتها بالإسلام، وإذا أردتم أن تدافعوا عن حمى الإسلام وتذودوا عن حياضه, ينبغي لكم أن تعززوا قواعد الفقاهة وأن تصبحوا من أصحاب الرأي فيها.. إذا لم تدرسوا فإنه يحرم عليكم البقاء في المدرسة، ولا يمكنكم الاستفادة من الحقوق الشرعية المخصصة لدارسي العلوم الإسلامية.
الامتثالية:
إن العالم القدوة يتجاوز الذات ويبذل العطاء والجهد والتضحية. ويعمل على توطين النفس على التضحية من أجل الإسلام، والاستعداد التام للبذل والعطاء. ولا يتوقع على عمله اجرا دنيويا، وإنما يطلب الأجر والثواب الأخروي, لأن الدنيا لا تعني له شيئا ولا قيمة لها، والأجر الأخروي خالد ليس له نهاية أو حد.
ليحاول كل واحد منكم أن يلقن نفسه من الآن بأنه يتطلع لأن يكون جنديا يضحي من أجل الإسلام.. يتطلع للتضحية من أجل الإسلام.. إن كرامتكم وكيان الإسلام وكرامة الدول الإسلامية منوطة بمدى استعدادكم للتضحية والبذل والعطاء.. إذا ما جاهدتم في سبيل الله وضحيتم من أجله تعالى، فإنه سبحانه لم يترككم دون أجر وثواب. وإن لم يكن ذلك في هذه الدنيا فستحصلون عليه في الآخرة.. إذا لم تنالوا أجركم وثوابكم في هذه الدنيا فذلك أفضل لكم، لأن الدنيا لا تعني شيئا ولا قيمة لها. فكل هذا الصخب والضجيج وهذه الاعتبارات سوف تنتهي خلال أيام معدودات وتمر من أمام عين الإنسان كالحلم, بيد أن الأجر الأخروي خالد ليس له نهاية أو حد.
الانسانية:
على الرغم من وعورة طريق العلم وصعوبته، وتوقفه على الجهد والاجتهاد، ولكن يوجد فرق كبير بين أن تكون عالما وأن تكون مهذبا, وهو
فرق تختصره كلمة الامام: “من الصعب أن تصبح عالما ومن المستحيل أن تكون إنساناًً. لذلك كانت دعوته للعلماء إلى اكتساب الفضائل والمكارم الإنسانية والمعايير الآدمية: جدوا واجتهدوا لأن يكون كل واحد منكم إنسانا.
لو درستم وتحملتم الصعاب في هذا السبيل، فقد تصبحون علماء، ولكن ينبغي أن تعلموا أن ثمة فرقا كبيرا بين “العالمًً وًًالمهذبًً.. كان أستاذنا المرحوم الشيخ الحائري (رحمه الله) يقول: “يقولون: من السهل أن تصبح معمما ـ رجل دين ـ ولكن كم هم صعب أن تكون إنساناًً. إلا أن هذا القول غير صحيح، إذ ينبغي القول: من الصعب أن تصبح عالما ومن المستحيل أن تكون إنسانا.. جدوا واجتهدوا لتكونوا في المستقبل نافعين للإسلام، وباختصار أن يكون كل واحد منكم إنسانا. إن اكتساب الفضائل والمكارم الإنسانية والمعايير الآدمية أصعب وأشق بكثير من التكاليف الملقاة على عاتقنا.
الانقطاع واخلاص النية:
يتمحور خطاب الإمام الى العلماء على مفردات من قبيل ضرورة الاخلاص، وقصد القربى، والنية الخالصة لوجه الله تعالى، وكمال الانقطاع، والانقطاع بكل القوى عن كل ما سوى الله سبحانه. ذلك أن السبيل إلى ترويض النفس غير اعتيادي، وتحقيق معنى الانقطاع إلى الله تعالى يحتاج إلى جهد ورياضة واستقامة وممارسة، وتعويد اللسان على ذكر الله ومناجاته، وتأدية العمل بعيدا عن الرياء، والانقطاع عن شياطين
الإنس والجن. ويحذر الإمام من الموانع التي قد تحول دون بلوغ هذه الذرى، فما دام في القلب مثقال ذر من حب الدنيا، وما دام لم ينقطع عن الدنيا ويجتنب لذائذها، وما دام يعمل لغير الله وبدافع الأهواء النفسية والاستحواذ على المراكز الاجتماعية والوجاهة الدنيوية.. فإن هذه العلوم لن تنفع شيئا، ولن نجني غير الوزر والويل والوبال والابتعاد عن عرش الربوبية. فلا بد من اجتناب كل ذلك في صورته الكاملة, وهي الانقطاع التام إلى الله تعالى.
لا تتصوروا أنكم بانشغالكم الآن بطلب العلوم الشرعية ودراسة الفقه الذي هو أشرف العلوم، قد ارتحتم وعملتم بواجبكم وتكليفكم. فإذا لم يتوافر الإخلاص وقصد القربى، فإن هذه العلوم لا تنفع شيئا.. إذا كان تحصيلكم العلمي لغير الله والعياذ بالله، وبدافع الأهواء النفسية والاستحواذ على المراكز الاجتماعية والوجاهة الدنيوية، فإنكم لن تجنوا غير الوزر والويل والوبال.. إن هذه المصطلحات إن لم تكن لوجه الله تعالى، فستكون وزرا ووبالا.. ليكن الإخلاص رائدكم في درسكم وبحثكم لكي يقربكم من الله تعالى.. إذا لم تتوافر النية الخالصة في الأعمال، فسوف يبتعد الإنسان عن عرش الربوبية.. إن كمال الانقطاع لا يتحقق بهذه البساطة. إنه بحاجة إلى ترويض للنفس غير اعتيادي ويحتاج إلى جهد ورياضة واستقامة وممارسة، لكي يمكن الانقطاع بكل القوى عن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى، وأن لا يكون هناك توجه لغير الله تعالى.. من
المستحيل أن يستطيع الإنسان بلوغ هذه الذرى مادام في قلبه مثقال ذر من حب الدنيا.. حاولوا قدر المستطاع أن تحققوا معنى الانقطاع إلى الله تعالى، وأن تؤدوا أعمالكم بعيدة عن الرياء، وخالصة لوجه الله تعالى، وانقطعوا عن شياطين الإنس والجن.. عوّدوا ألسنتكم على ذكر الله ومناجاته.. إن جملة (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك) ربما تريد أن توضح هذا المعنى، وهو أن الرجال الربانيين الواعين ينبغي لهم أن يعدوا أنفسهم ويهيئوها قبل حلول شهر رمضان، لصوم هو في الحقيقة انقطاع عن الدنيا واجتناب لذائذها (وهذا الاجتناب في صورته الكاملة هو هذا الانقطاع إلى الله).