– سعة رحمة الله
اَفَتُراكَ سُبْحانَكَ يا اِلهى وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فيها صَوْتَ عَبْد مُسْلِم سُجِنَ (يُسْجَنُ) فيها بِمُخالَفَتِهِ، وَذاقَ طَعْمَ عَذابِها بِمَعْصِيَتِهِ وَحُبِسَ بَيْنَ اَطْباقِها بِجُرْمِهِ وَجَريرَتِهِ وَهُوَ يَضِجُّ اِلَيْكَ ضَجيجَ مُؤَمِّل لِرَحْمَتِكَ، وَيُناديكَ بِلِسانِ اَهْلِ تَوْحيدِكَ، وَيَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ، يا مَوْلايَ فَكَيْفَ يَبْقى فِي الْعَذابِ وَهُوَ يَرْجُو ما سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ، اَمْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ النّارُ وَهُوَ يَأْملُ فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ اَمْ كَيْفَ يُحْرِقُهُ لَهيبُها وَاَنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرى مَكانَه اَمْ كَيْفَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ زَفيرُها وَاَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ، اَمْ كَيْفَ يَتَقَلْقَلُ بَيْنَ اَطْباقِها وَاَنْتَ تَعْلَمُ صِدْقَهُ، اَمْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ زَبانِيَتُها وَهُوَ يُناديكَ يا رَبَّهُ، اَمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ في عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فيها هَيْهاتَ ما ذلِكَ الظَّنُ بِكَ وَلاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ وَلا مُشْبِهٌ لِما عامَلْتَ بِهِ الْمُوَحِّدينَ مِنْ بِرِّكَ وَاِحْسانِكَ.
مفاهيم محوريّة:
1. فعل الإنسان سبب للعذاب.
2. صفات الخارجين من النار:
• الاعتقاد بالتوحيد.
• الإيمان بسعة الرحمة الإلهيّة.
• الإقرار بالعلم الإلهيّ المحيط.
• التسليم بالربوبيّة.
شرح المفردات:
أطباقها: أصلها طَبَقَ: “الطاء والباء والقاف: أصل صحيح واحد؛ وهو يدلّ على وضع شيء مبسوط على مثله حتى يغطيه؛ من ذلك: الطبق. تقول: أطبقت الشيء على الشيء؛ فالأوّل طبق للثاني، وقد تطابقا… ويقال لما علا الأرض حتى غطاها؛ هو طبق الأرض”1. “قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾(الملك: 3)؛ أي:
________________________________________
1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”طَبَقَ”، ص439.
بعضها فوق بعض”2.
جرمه: أصلها جَرَمَ: “الجيم والراء والميم: أصل واحد يرجع إليه الفروع. فالجرم القطع… وممّا يرد إليه قولهم: جرم؛ أي كسب؛ لأنّ الذي يحوزه فكأنّه اقتطعه… والجرم والجريمة: الذنب؛ وهو من الأوّل؛ لأنّه كسب والكسب اقتطاع”3.
جريرته: أصلها جَرَّ: “الجيم والراء: أصل واحد؛ وهو: مدّ الشيء وسحبه… والجريرة ما يجرّه الإنسان من ذنب؛ لأنّه شيء يجرّه إلى نفسه”4. “والجريرة: هي الجناية والذنب، سمّيت بذلك لأنّها تجرّ العقوبة إلى الجاني”5.
مؤمِّل: أصلها أَمَلَ: “الهمزة والميم واللام: أصلان، الأوّل: التثبّت والانتظار، والثاني: الحبل من الرمل”6. و”الأمل: الرجاء؛ وهو ضدّ اليأس، ومنه قوله تعالى: ﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾(الكهف: 18)… وتأمّل الشيء: نظر فيه ليعلم عاقبته”7.
يتوسَّل: أصلها وَسَلَ: “الواو والسين واللام: كلمتان متباينتان جدّاً، الأولى: الرغبة والطلب… والأخرى: السرقة”8. “وحقيقةُ الوَسِيلَةِ إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحرّي مكارم الشّريعة؛ وهي كالقربة، والوَاسِلُ: الرّاغب إلى الله تعالى”9.
زفيرها: أصلها زَفَرَ: “الزاء والفاء والراء: أصلان، أحدهما: يدلّ على حمل، والآخر: على صوت من الأصوات”10. “﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾(الأنبياء: 100)؛ فَالزَّفِيرُ: تردّد
________________________________________
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”طَبَقَ”، ص516.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”جَرَمَ”، ص445-446.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”جَرَّ”، ص410-411.
5- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج3، مادّة “جَرَرَ”، ص244.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة “أَمَلَ”، ص140.
7- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج5، مادّة “أَمَلَ”، ص310-311.
8- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة “وَسَلَ”، ص110.
9- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “وَسَلَ”، ص871.
10- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة “زَفَرَ”، ص14.
النّفس حتى تنتفخ الضّلوع منه، وازْدَفَرَ فلان كذا: إذا تحمّله بمشقّة، فتردّد فيه نفسه”11.
يتقلقل: أصلها قَلَلَ: “القاف واللام: أصلان صحيحان؛ يدلّ أحدهما: على نزاره الشيء، والآخر: على خلاف الاستقرار؛ وهو الانزعاج. وأمّا الأصل الآخر، فيقال: تقلقل الرجل وغيره؛ إذا لم يثبت في مكان، وتقلقل المسمار؛ قلق في موضعه”12.
تزجره: أصلها زَجَرَ: “الزاء والجيم والراء: كلمة تدلّ على الانتهار”13. و”الزَّجْرُ: طرد بصوت، يقال: زَجَرْتُه فَانْزَجَرَ، قال: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾(النازعات: 13)، ثمّ يستعمل في الطَّرد تارة، وفي الصّوت أخرى. وقوله:﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾(الصافات: 2)؛ أي: الملائكة التي تَزْجُرُ السّحاب، وقوله: ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾(القمر: 4)؛ أي: طرد ومنع عن ارتكاب المآثم”14.
برّك: أصلها بَرَّ: “الباء والراء في المضاعف؛ أربعة أصول: الصدق، وحكاية صوت، وخلاف البحر، ونبت. فأمّا الصدق، فقولهم: صدق فلان، وبرّ وبرّت يمينه؛ صدقت، وأبرّها: أمضاها على الصدق. وتقول: برّ الله حجّك، وأبره، وحجّة مبرورة؛ أي: قبلت قبول العمل الصادق”15.
إحسانك: أصلها حَسَنَ: “الحُسْنُ: عبارة عن كلّ مبهج مرغوب فيه… والإحسان يقال على وجهين، أحدهما: الإنعام على الغير؛ يقال: أحسن إلى فلان. والثاني: إحسان في فعله؛ وذلك إذا علم علماً حسناً، أو عمل عملاً حسناً… والإحسان أعمّ من الإنعام. قال تعالى:﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾(الإسراء: 7)، وقوله تعالى:﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾(النحل: 90)؛ فالإحسان فوق العدل؛
________________________________________
11- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “زَفَرَ”، ص380.
12- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة”قَلَلَ”، ص3-4.
13- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”زَجَرَ”، ص47.
14- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”زَجَرَ”، ص378.
15 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”بَرَّ”، ص177.