الرئيسية / من / طرائف الحكم / آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

وقفة تأملية
التفكّر في الرقابة الإلهيّة:

عن الإمام الصادق عليه السلام – في وصية لإسحاق بن عمّار-: “يا إسحاق، خفِ الله كأنّك تراه، وإن كنت لا تراه؛ فإنّه يراك، وإن كنت ترى أنّه لا يراك؛ فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية؛ فقد جعلته من أهون الناظرين عليك”28.

تشبيه للرؤية القلبية بالرؤية العينية؛ بهدف الإشارة إلى خاصّيّة بداهة الظهور والوضوح الكامنين في وجود الله تعالى، وإحاطته بالعباد وما يصدر عنهم من أعمال.

والمقصود برؤية الله تعالى بعين الباطن؛ هو لزوم طاعة الله وتقواه على كلّ حال؛ لأنّه لا موضوعية لرؤية الله غير إطاعته؛ حيث يوجَد أفرادٌ كُثُر في العالَم مع كونهم عالمين بوجود الله وقدرته؛ كأنّهم لا يرونه؛ فيعصونه.

لذا، فالمطلوب من العبد أن يطيع الله تعالى؛ بالتزام أوامره، وترك معاصيه؛ جاهداً لأن يجعل ذلك ملكة راسخة في نفسه؛ فيكون لله تعالى مراقباً على كلّ حال، متزوّداً بخير الزاد ليوم المعاد: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾29.
________________________________________
28- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء، ح2، ص67-68.
29- البقرة: 197.

10- دوام الذكر والعمل الصالح
يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَاَعْظَمِ صِفاتِكَ وَاَسْمائِكَ اَنْ تَجْعَلَ اَوْقاتي مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَاَعْمالى عِنْدَكَ مَقْبُولَةً حَتّى تَكُونَ اَعْمالي وَاَوْرادى كُلُّها وِرْداً واحِداً وَحالى فى خِدْمَتِكَ سَرْمَداً.

مفاهيم محوريّة:
• التوفيق الإلهي طريق لدوام ذِكْر الله.
• الذِكْر الصادق.
• التوحيد في الذِكْر.
• دوام الاتّصال في خدمة الله.
• شروط قبول العمل.
• الثبات في خطّ الطاعة.

شرح المفردات:
معمورة: أصلها عَمَرَ: “العين والميم والراء: أصلان صحيحان، أحدهما: يدلّ على بقاء وامتداد زمان، والآخر: على شيء يعلو من صوت أو غيره. فالأوّل: العمر؛ وهو الحياة”1. و”العِمَارَةُ: نقيض الخراب… قال تعالى: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾(الطور: 4)”2.
________________________________________
1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة”عَمَرَ”، ص140.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”عَمَرَ”، ص586.

أورادي: أصلها وَرَدَ: “الواو والراء والدال: أصلان، أحدهما: الموافاة إلى الشيء، والثاني: لون من الألوان”3.
سرمداً: “السَّرْمَدُ: الدّائم، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾(القصص: 71)”4.

دلالة المقطع:
1- التوفيق الإلهي طريق لدوام ذِكْر الله:
ما يستوقف الداعي بدعاء كميل في هذا المقطع تلك الأيمان المغلّظة على الله “بحقّك، وقدسك، وأعظم صفاتك وأسمائك”، والمدعوّ به هو أن يوفِّق الله تعالى هذا الداعي؛ ليكون ذاكراً لله عزّ وجلّ على الدوام؛ بأن يجعل كلّ أوقاته عامرة بذكر الله. فهل هو مجرّد قول: الله أكبر، والحمد لله، أو سائر التسبيحات؟! تجيب الرواية عن ذلك بأنّ المطلوب هو الذِكْر القلبي؛ أي أن يكون الله عزّ وجلّ حاضراً في حياة هذا الإنسان في كافّة الأوقات:
عن الإمام علي عليه السلام: “ما ابتلي المؤمن بشيء هو أشدّ عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وما هنّ؟ قال: المواساة في ذات يده، والإنصاف من نفسه، وذكر الله كثيراً. أما إنّي لا أقول لكم: سبحان الله والحمد لله، ولكنّ ذكر الله عند ما أُحلَّ له، وذكر الله عند ما حُرِّم عليه”5.
فهو متى كان في ظلّ حلال الله؛ ذَكَر الله؛ بالتوجّه بالشكر إليه، ومتى رأى محرّماً حرَّمه الله عليه؛ ذكر الله؛ فاجتنبه.
________________________________________
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة”وَرَدَ”، ص105.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”سَرْمَدْ”، ص408.
5- الكليني، الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الإنصاف والعدل، ح9، ص145.

2- الذِكْر الصادق:
إنّ ذِكْر الله باب للوقاية من الذنوب، وهو دليل تعلّق قلب الإنسان الذاكِر بالله عزّ وجلّ، والسعي إلى لقائه. ولذا، كان الذِكْر الصادق هو الذي يستتبع العمل على لقاء الله؛ بالنحو الذي يليق وينبغي؛ أي بأن يلقى الله عزّ وجلّ نقي الثوب، طاهراً من الذنوب، وإلّا كان من الاستهزاء أن يطلب الإنسان لقاء الله ولا يستعدّ له:
روي عن الإمام الرضا عليه السلام: “سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء: من استغفر بلسانه، ولم يندم بقلبه؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله التوفيق، ولم يجتهد؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن استحزم، ولم يحذر؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله الجنّة، ولم يصبر على الشدائد؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن تعوّذ بالله من النار، ولم يترك شهوات الدنيا؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن ذكر الله، ولم يستبق إلى لقائه؛ فقد استهزأ بنفسه”6.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...