الرئيسية / من / طرائف الحكم / آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

– حالات المقرّبين

يا سَيِّدي يا مَنْ عَلَيْهِ مُعَوَّلي يا مَنْ اِلَيْهِ شَكَوْتُ اَحْوالي يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحى وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي وَهَبْ لِيَ الْجِدَّ في خَشْيَتِكَ، وَالدَّوامَ فِي الاْتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ، حَتّى اَسْرَحَ اِلَيْكَ في مَيادينِ السّابِقينَ وَاُسْرِعَ اِلَيْكَ فِي الْبارِزينَ (الْمُبادِرينَ) وَاَشْتاقَ اِلى قُرْبِكَ فِي الْمُشْتاقينَ وَاَدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ الْمخْلِصينَ، وَأخافَكَ مَخافَةَ الْمُوقِنينَ، وَاَجْتَمِعَ فى جِوارِكَ مَعَ الْمُؤْمِنينَ.

مفاهيم محوريّة:
• قوّة البدن وقوّة الروح.
• المسرعون إلى طاعة الله.
• المبادرة لفعل الخير.
• محبّة لقاء الله تعالى.
• الخوف مخافة الموقنين.
• مجاورة الله وأهل الإيمان.

شرح المفردات:
مُعوَّلي: أصلها عَيَلَ: “العين والياء واللام: ليس فيه إلا ما هو منقلب عن واو. العيلة: الفاقة والحاجة. يقال: عال يعيل عيلةً؛ إذا احتاج”1. “قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾(التوبة: 28)؛ العيلة والعالة: الفقر والفاقة”2.
الجوارح: أصلها جَرَحَ: “الجيم والراء والحاء: أصلان، أحدهما: الكسب، والثاني:
________________________________________
1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة”عَيَلَ”، ص198.
2- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج5، مادّة”عَيَلَ”، ص432.

شقّ الجلد. فالأوّل قولهم اجترح؛ إذا عمل وكسب. قال الله عزّ وجلّ: ﴿أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ﴾(الجاثية: 21)؛ وإنّما سمّي ذلك اجتراحا؛ لأنّه عمل بالجوارح؛ وهي الأعضاء الكواسب”3.
الجوانح: أصلها جَنَحَ: “الجيم والنون والحاء: أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الميل والعدوان… والجوانح الأضلاع؛ لأنّها مائلة”4. “وجناحا الإنسان؛ لجانبيه، قال عزّ وجل: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾(طه: 22)؛ أي: جانبك… قال تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾(الأنفال: 61)؛ أي: مالوا”5.
الجدّ: أصلها جَدَّ: “الجيم والدال: أصول ثلاثة، الأوّل: العظمة، والثاني: الحظّ، والثالث: القطع”6. “وسمّي ما جعل الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً؛ وهو البخت، فقيل: جُدِدْتُ وحُظِظْتُ. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ”؛ أي: “لا يُتوصَل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجدّ، وإنّما ذلك بالجدّ في الطاعة”7.
أسرح: أصلها سَرَحَ: “السين والراء والحاء: أصل مطّرد واحد؛ وهو يدلّ على الانطلاق”8.
البارزين: أصلها بَرَزَ: “الباء والراء والزاء: أصل واحد؛ وهو ظهور الشيء وبدوّه”9.
أدنو: أصلها دَنَى: “الدال والنون والحرف المعتلّ: أصل واحد يُقاس بعضه على بعض؛ وهو المقاربة. ومن ذلك: الدني؛ وهو القريب؛ من دنا يدنو”10. و”الدّنوّ: القرب بالذّات، أو بالحكم، ويستعمل في المكان والزّمان والمنزلة. قال تعالى:
________________________________________
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”جَرَحَ”، ص451.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”جَنَحَ”، ص484-485.
5- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”جَنَحَ”، ص206-207.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”جَدَّ”، 406.
7- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”جَدَّ”، ص187-188.
8- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”سَرَحَ”، ص157.
9- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”بَرَزَ”، ص218.
10- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة”دَنَى”، ص303.

﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾(الأنعام: 99)، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾(النجم: 8)؛ هذا بالحكم”11.
الموقنين: أصلها يَقَنَ: “الياء والقاف والنون: اليقن واليقين: زوال الشكّ”12. و”اليَقِينُ من صفة العلم فوق المعرفة والدّراية وأخواتها، يقال: علم يَقِينٍ، ولا يقال: معرفة يَقِينٍ؛ وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم… وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾(النساء: 157)؛ أي: ما قتلوه قتلاً تَيَقَّنُوه، بل إنّما حكموا تخميناً ووهماً”13.

دلالة المقطع:
1- قوّة البدن وقوّة الروح:
لا بدّ للإنسان عندما يُقدِم على القيام بعمل ما أن يمتلك قوّةً في البدن وقوّةً في الروح؛ أمّا قوّة البدن؛ فهي قوّة الجوارح؛ أي: أن يمتلك قدرة جسمية تجعله يتحمَّل مصاعب القيام بهذا العمل، وأمّا قوّة الروح؛ فهي قوّة الجوانح؛ أي: قوّة الإرادة التي تجعله عازماً مصمّماً على القيام بالعمل.
وترك العمل يعود في الحقيقة إلى فقد الإنسان لأحد هذين السببين: إمّا قوّة البدن، وإمّا قوّة العزيمة؛ فإنّ الله فضَّل من أنبيائه عليهم السلام أولوا العزم من الرسل عليهم السلام ؛ لأنّهم أصحاب الإرادة القوّية الثابتة، فقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾14.
فالإنسان، قد يعاهد عهداً، وينوي الوفاء به، ولكنّه لا يصدّق بذلك؛ لضعف عزمه. ولذا، كان الصدق في الوفاء بالعزم، فإنّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال؛ حيث لا مشقّة في الوعد، فإذا حان حين العمل بمقتضاه؛ هاجت الشهوات، وتعارضت
________________________________________
11- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”دَنَى”، ص318.
12- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة”يَقَنَ”، ص157.
13- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”يَقَنَ”، ص892-893.
14- الأحقاف: 35.

مع باعث الدين، وربّما غلبته؛ بحيث انحلّت العزيمة، ولم يتّفق الوفاء بمتعلّق الوعد، وهذا يضادّ الصدق فيه، ولذلك قال الله سبحانه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾15، فهؤلاء لم يغلبهم شيء من الهوى، أو التعلّق بالدنيا؛ فلم يبدّلوا أبداً.

2- المسرعون إلى طاعة الله:
قال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾16، وقال تعالى-أيضاً-: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾17.
وعندما تقوم المنافسة بين الناس على أمر، فكلّ من يتعلّق بذلك الشيء أكثر؛ يكون أسرع من غيره للوصول إليه؛ أي: يكون سبّاقاً. وكذلك الحال في التعلّق بالآخرة، وبالجنّة ونعيمها، وبلقاء الله عزّ وجلّ؛ فكلّ من يرغب بذلك أكثر؛ سوف يكون أسرع من غيره إليها. ولذا، ورد التعبير في الآيتين: ﴿وَسَارِعُواْ﴾، و﴿سَابِقُوا﴾.
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: “اعلموا أنّه من اشتاق إلى الجنّة؛ سارع إلى الحسنات، وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار؛ بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه، وراجع عن المحارم”18.

3- المبادرة لفعل الخير:
ليست أيّام الإنسان في هذه الحياة سواء؛ فثمّة أيام بيضاء، وأخرى سوداء؛ أي: أيّام تُتاح فيها الفرصة له للعمل والكسب للآخرة، وأيام لا يتمكَّن من ذلك. والعاقل
________________________________________
15- الأحزاب: 23.
16- آل عمران: 133.
17- الحديد: 21.
18- الحرّاني، تحف العقول، م.س، ص281.

يبادر ويعجل بالكسب قبل أن يفوته ذلك، ولا سيّما بملاحظة أنّ انتفاء القدرة على العمل لها أسبابها المتعدّدة:
فمنها: الاشتغال بعمل آخر يعيق عمل الإنسان في الطاعات والخيرات؛ فعن الإمام علي عليه السلام: “بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره”19. ومنها: أنّ الإنسان قد يغلب عليه الشيطان أحياناً؛ فتكون له فرصة العمل، ولكنّ الشيطان يعيقه عن العمل؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا همّ أحدكم بخير، أو صلة؛ فإنّ عن يمينه وشماله شيطانين، فليبادر لا يكفّاه عن ذلك”20.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...