الرئيسية / كلامكم نور / دراسات في نهج البلاغة

دراسات في نهج البلاغة

الحرب في نهج البلاغة

أهداف الدرس

1- أن يتعرّف الطالب إلى أهميّة تطهير الساحة الداخليّة من المشاكل.
2- أن يعرف الهدف من وراء الحرب والقتال.
3- أن يستظهر فنون الحرب.
4- أن يتبيّن أسباب النصر والهزيمة.

أيّهما أهم تطهير الداخل أم الفتوحات؟

عُرف عهد الخلفاء الّذين سبقوا الإمام عليه السلام في الحكم بعهد الفتوحات الإسلاميّة، بينما كانت فترة خلافة الإمام عليه السلام فترة حروب داخليّة وتطهير للبلاد من الناكثين والقاسطين والمارقين، فهل لهذا ميزة لغيره عليه؟

للإجابة نقول: إنّ الفتوحات ليست ضرورة من ضرورات وجود الدولة الإسلاميّة، بل هي تزيد في قوّتها وقدرتها، كما يقول المثل: زيادة الخير خير. أمّا إخماد نار الفتن الداخليّة فهو ضرورة هامّة يتوقّّف عليه بقاء الإسلام ودولته؛ لأنّ بقاء هذه الفتن إمّا أن يحرف الإسلام عن مساره الصحيح، أو يزرع العداوة والبغضاء في صفوف المسلمين، بحيث يُفني بعضهم بعضاً، فينعدم وجود الإسلام.

لهذا نرى الإمام علي عليه السلام توقّّف عن الفتوحات الخارجيّة في عهد خلافته، وآثر القضاء على المنحرفين والشاذّين، من الناكثين والقاسطين والمارقين.

فحارب طلحة والزبير اللذين نكثا البيعة بعد تأكيدها، وحارب معاوية وأتباعه دعاة الانقسام والانفصاليّة، ثُمَّ حارب الخوارج الّذين أعطوا الحقّ في تطبيق أحكام الإسلام لكلّ جماعة من الناس، دونما حاجة إلى رئيس يقود الناس، أو سلطة مركزيّة مسؤولة، بدعوى “لا حكم إلا لله”.

والسؤال الّذي يُطرح على كلّ ذي لبّ، هو كيف يُمكن تطهير الخارج وتحريره إذا كان الداخل محْتلًّا ومتشتّتاً ومتفكّكاً، بسبب فتن هنا وأخرى هناك؟ خاصّة بعد إرث خطير ورثه أمير المؤمنين عليه السلام ممّن سبقه في قيادة المسلمين وساس الناس بسياسات ليست في محلّها، فقرّب البعيد وبعّد القريب، ما جعل جسم الدولة مريضاً، وبحاجة إلى كَيٍََّ ودواء، ولم يكن له غير الإمام عليّ عليه السلام معالجاً وطبيباً.

تفادي القتال وعدم البدء به

كان الإمام عليّ عليه السلام وهو الّذي لم ينهزم في معركة قطّ، لا يبدأ القتال حتّى يدعو خصومه إلى الحقّ، ويُقيم الحجّة عليهم، ويذكّرهم بآيات الله، فإن أبوا بعد ذلك، تباطأ عنهم حتّى يبدؤوه بالقتال. فعل ذلك مع أصحاب الجمل وأهل صفّين وأصحاب النهروان, رغبةً في إطفاء الفتنة وتجنّب الدماء وطلباً للهداية والألفة والسلام.

فمن كلام له عليه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفّين: “أمّا قولكم أكلّ ذلك كراهيّة الموت، فوالله ما أُبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ. وأمّا قولكم شكّاً في أهل الشام، فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي1 ، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها”2.

وسبب هذا الكلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما ملك الماء على أصحاب معاوية بعد أن كانوا قد منعوه وأصحابه من الماء ساهمهم فيه رجاء أن يعطفوا إليه، ولزوماً للخُلُق وحسن السيرة، فقال له أصحابه: امنعهم الماء يا أمير

________________________________________
1- تعشو إلى ضوئه: تستدل عليه وإن كان ببصر ضعيف في ظلام الفتن فتهتدي إليه.
2- نهج البلاغة، ج1، ص104.

المؤمنين ، كما منعوك ، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش ، وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال عليه السلام: “لا والله ، لا أُكافئهم بمثل فِعلهم ، أفسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يُغني عن ذلك”3. ولنعم ما قال الشاعر:

ملكنا فكان العفو منّا سجيّة فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح

ومكث أيّاما لا يُرسل إلى معاوية ولا يأتيه منه شيء، واستبطأ الناس إذنه في قتال أهل الشام. واختلفوا في سبب التريّث فقال بعضهم كراهة الموت، وقال بعضهم الشكّ في جواز قتال أهل الشام، فأجابهم: أمّا الموت لم يكن ليبالى به، وأمّا الشك فلا موضع له، وإنّما يرجو بدفع الحرب أن يتجاوزوا إليه بلا قتال فإنّ ذلك أحبّ إليه من قتالهم وقتلهم، وإن كان الإثم عليهم.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...