الرئيسية / كلامكم نور / دراسات في نهج البلاغة

دراسات في نهج البلاغة

أسباب النصر

للنصر أسباب متعدّدة، وهي إضافة إلى ترك أسباب الهزيمة كثيرة، نذكر منها ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة حيث يُشير إليها بالنقاط التالية:

1 – الاستعداد والجهوزيّة: يقول تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾14. ويقول عليه السلام: “فخذوا للحرب أهبّتها، وأعدّوا لها عدّتها. فقد شبّ لظاها وعلا سناها”15.

2 – الصبر: ويقول عليه السلام: “واستشعروا الصبر فإنّه أدعى إلى النصر”16، يقول تعالى ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ لا شكّ أن النصر من علائم البشرى، وهو إحدى الحسنَيين، فلا يكون إلّا بالصبر.

3 – الشجاعة والثبات: من كلام له عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة لمّا أعطاه الراية يوم الجمل، قال: “تزول الجبال ولا تزل. عضّ على ناجذك. أعر الله جمجمتك. تِدّ في الأرض قدمك17. إرم ببصرك أقصى القوم. وغضّ بصرك”18.
________________________________________
14- سورة الأنفال، الآية: 60.
15- نهج البلاغة, ج 1, ص 67.
16- م. ن.
17- أي كن ثابتاً لا تتزحزح.
18- م. ن, ج 1, ص 43- 44.

في كلّ هذه العبارات من الإمام عليه السلام إشارات لطيفة إلى عدّة أمور لا بُدَّ من توفّرها في المجاهد، أوّلها الثبات وقوّة العزم، وهي تظهر في المقاتل عندما يشتدّ غضبه على عدوّه فيعضّ على أضراسه، وثانيها أن يكون العمل لله وفي سبيله وتعبير الإمام عليه السلام غاية في الدقّة فهو قال أعر الله جمجمتك أي سلّم نفسك وروحك لله وكن طالباً للشهادة غير خائف ولا وجل من لهوات الحرب لأنّك لله وبالله تنتصر. أمّا قوله عليه السلام: “ارم ببصرك” وقوله: “غضّ بصرك”، لأنّه في الأولى أمره أن يفتح عينه ويرفع طرفه، ويُحدّق إلى أقاصي القوم ببصره، فعل الشجاع المقدام غير المكترث ولا المبالي، لأنّ الجبان تضعف نفسه ويخفق قلبه فيقصر بصره ولا يرتفع طرفه، ولا يمتدّ عنقه، ويكون ناكس الرأس، غضيض الطرف. وفي الثانية أمره أن يغضّ بصره عن بريق سيوفهم ولمعان دروعهم، لئلّا يبرق بصره، ويُدهش ويستشعر خوفاً.

4- النصر من الله: يقول عليه السلام لابنه محمّد: “واعلم أنّ النصر من عند الله سبحانه”19 ، يقول تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾20 و ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾21 ، وغير ذلك من الآيات يُشير إلى أنّ النصر من الله والعزّة من الله، ومن نصر الله تعالى فلا شكّ أنّ الله ناصره ومثبّته ومعينه.

5- عدم الخوف من الموت والقتل: من وصايا الإمام عليه السلام في بعض أيّام صفّين للمقاتلين معه يحثّهم على المشي إلى الموت وعدم الفرار من الزحف رغبة في الحياة، يقول عليه السلام: “وطيبوا عن أنفسكم نفساً،

________________________________________
19- نهج البلاغة, ج 1, ص 104.
20- سورة محمد، الآية: 7.
21- سورة البقرة، الآية: 249.

وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً22 “23 ، ويقول عليه السلام: ” إنّ الموت طالبٌ حثيث لا يفوته المقيم ولا يُعجزه الهارب. إنّ أكرم الموت القتل. والّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عَليّ من ميتة على الفراش”24.

6- معونة الإخوان في المعركة: يقول عليه السلام: ” أيّ امرئ منكم أحسّ من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلاً فليذبّ عن أخيه بفضل نجدته الّتي فُضّل بها عليه كما يذبّ عن نفسه. فلو شاء الله لجعله مثله”25.

التحرّكات القتاليّة

يقول عليه السلام في توجيهاته لقادة جيشه: “فإذا نزلتم بعدوٍّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبيل الأشراف أو سفاح الجبال26 ، أو أثناء النهار كيما يكون لكم ردءاً ودونكم مردّاً. ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال27 ومناكب الهضاب, لئلّا يأتيكم العدّو من مكان مخافة أو أمن. واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم، وعيون المقدّمة طلائعهم. وإيّاكم والتفرّق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعا، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً، ولا تذوقوا النوم إلّا غِراراً أو مضمضة”28.

يتحدّث الإمام عليه السلام في هذا التوجيه عن مكان المعركة واستقرار الجيش
________________________________________
22- أي سهلاً.
23- نهج البلاغة, ج 1, ص 114- 115.
24- م. ن, ج 2, ص 2.
25- م. ن, ج 2, ص 2.
26- أي قدّام الجبال وأسفلها.
27- أعاليها.
28- م، ن, ج 3, ص 12.

حيث لهذا المكان خواصّ لا بُدَّ من توافرها، من حيث تأمين ظهر الجيش بالجبال، واستقراره نهاراً بحيث يتمّ التأكّد من خلوّ المكان من الكمائن المعادية، ثُمَّ يتعرّض عليه السلام لناحية تكتيكيّة مهمّة في المعركة، حيث يكون القتال من جهة واحدة أو جهتين بحسب طبيعة المعركة لا من جميع الجهات كيما يُصيب الجند بعضهم البعض بنبالهم، على أنّ ظروف المعارك قد اختلفت في هذا الزمان ويبقى تشخيص الأمر للقائد الماهر.

ويذكر الإمام عليه السلام فئة مهمّة في الجيش وهي الاستطلاع، حيث لا بُدَّ من تواجدهم في النقاط المشرفة على المعركة كي لا يغدر العدوّ بالمقاتلين، كما ويذكر مسألة النوم والاحتياطات المتعلّقة بها ويقول عليه السلام: “إنّ أخا الحرب الأرق، ومن نام لم يُنم عنه”29 ، ووحدة الجند وعدم تفرّقهم، وهي كلّها مسائل لا بُدَّ من رعايتها.

خلاصة الدرس

إنّ إخماد نار الفتن الداخليّة ضرورة هامّة يتوقّّف عليه وجود الإسلام ودولته.

كان الإمام عليّ عليه السلام وهو الّذي لم ينهزم في معركة قطّ، لا يبدأ خصومه بالقتال حتّى يدعوهم إلى الحقّ، والسبب الواضح الّذي على أساسه يتوجّه الإمام عليه السلام في تحرّكاته وسكناته، هو رضى الله عزّ وجلّ.

هناك عدّة أسباب ذكرها الإمام عليه السلام هي عوامل للهزيمة، ويُقابلها أسباب للنصر لا بُدَّ من الأخذ بها للفوز بالمعركة أمام العدّو كالاستعداد والجهوزيّة، والصبر، والشجاعة والثبات، وغيرها..
________________________________________
29- نهج البلاغة، الرسالة 62.

كما لم يغفل الإمام عن إيضاح بعض من المبادئ القتاليّة الّتي لا بُدَّ من مراعاتها في المعركة، كإرسال العيون وتأمين ظهر الجيش..

أســــــئـلـــة

1 – أيّهما أهم تطهير الداخل أم الفتوحات الخارجيّة؟
2 – عدّد أسباب الهزيمة وأسباب النصر.
3 – اذكر بعض التحرّكات القتاليّة.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...