: الغاية من خلق الإنسان
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يستدلّ أنّ الحكمة الإلهيّة تقتضي وجود هدف من أجله خُلق الإنسان في هذه الحياة.
2- يبيّن أنّ الهدف لا بدّ أن يكون منسجماً مع فطرة الله التي فطر الناس عليها.
3- يشرح ماهية الهدف الواقعيّ الذي خلقه الله تعالى من أجله.
الحكمة الإلهيّة وغاية الإنسان
إنّ البحث عن الغاية التي خلقنا الله لأجلها يُعتبر من أكثر الأبحاث والمعارف أهميةً وأعظمها تأثيراً في سلوك الإنسان، ونظرته للعالم. وتنبع أهميّته من جوانب عديدة، لعلّ أحدها أنّه سؤالٌ يبحث عن جوابه جميع الناس أينما كانو, ويندر أن نجد إنساناً يأمل بالحياة، ولم يجعل لنفسه هدفاً يسعى لبلوغه في جميع حركاته ومشاريعه. وغالباً ما تكون الأهداف التي يصبو إليها الناس دافعاً أساسياً لجميع أنشطتهم وأفعالهم. ولو فقد المخلوق روح الهدف والغائيّة، لانعدم فيه الأمل بالبقاء وخبت بهجة الحياة في عينيه، ولكان الموت عنده أفضل من العيش في هذه الدنيا.
وفي المقابل من آمن بحكمة الله وقدرته اللامتناهية، فإنّه يعلم يقيناً أنّ من شأن البارئ الحكيم إذا خلق شيئاً مهما كان أن يجعل له هدفاً: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .
﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ . فالحكمة العظيمة في أفعال الربّ تعني ضرورة وجود هدف وغاية لوجود الإنسان في هذه الحياة.
وتُطرح في هذا المجال مسألةٌ مهمّة جديرة بالانتباه والتدقيق، وهي أنّ ما نبحث عنه في الأصل يتعلّق بالغاية التي يريدها الله لنا، الغاية التي خلقنا من أجل الوصول إليها، الغاية التي سنحاسب على أساسها، وليس بحثنا عن الغايات المختلفة التي يضعها الناس لأنفسهم.
إنّ جميع البشر لا يمكن أن يعيشوا بدون غايةٍ ما، مهما كانت وضيعةً أو سخيفة. فهذا يريد المنصب الفلانيّ، ولأجله يفعل أيّ شيء, وقد يبذل كلّ غالٍ ورخيصٍ ويضحّي في سبيله بآلاف الأشخاص. وآخر يرى غايته القصوى وسعادته النهائيّة في راحة البال والاستقرار أو في كثرة الأموال والأولاد، وهكذا… ونشوء الغايات المختلفة يرجع بالدرجة الأولى إلى تلك القيم السائدة التي يتبنّاها المجتمع، والتي قد تكون في مجتمعٍ ما عبارةً عن غلبة قيم الانحلال الأخلاقيّ والثقافة المادية وتمجيد اللذة، وفي مجتمعٍ آخر قيم الحياة الآخرة وثقافة الشهادة. إنّ جوهر القضية يكمن في معرفة الغاية التي خلقنا الله لأجل الوصول إليها، لأنّها سرّ وجودنا على الأرض.
الطريق لمعرفة الغاية
الغاية التي نتحدّث عنها هي غاية الإنسان التي خلق من أجل الوصول إليها، بمعنى آخر هي غاية النفس الإنسانيّة، وعليه إذا أردنا أن نتعرّف إلى هذه الغاية علينا أن ننطلق من معرفة هذه النفس الإنسانية، لأنّه كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من عرف نفسه فقد عرف ربه” . فالسير والتأمل العقليّ في حقيقة النفس الإنسانيّة وتركيبتها يهدينا إلى معرفة الغاية التي خلقنا الله لأجلها. فالله سبحانه قد كتب في أعماق كلّ مخلوقٍ كلمات الحقيقة، وليس على الإنسان إلَّا أن يفتح كتاب خلقته ويطالع صفحاته لكي يصل إلى مطلوبه.
وكتاب الخلقة هذا ليس سوى “الفطرة الإلهية” التي هي عبارة عن لمسات يد الخالق الحاكية عن أسرار الوجود الإنسانيّ ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .
فالهدف النهائيّ للإنسان لا يمكن أن يكون مكتوباً إلَّا على الصفحات الصافية من كتاب النفس، هذه الصفحات التي كتبها الربّ الحكيم الذي ليس لحكمته حدٌّ محدود ولا يشوب ذاته أيّ عجزٍ أو جهل. وهذه الصفحات الصافية هي الفطرة الإنسانية التي أودعها الخالق عزّ وجلّ في جميع الناس ولا تبديل لخلق الله. ومثلما أن من يودّ مطالعة الكتب الورقية يحتاج إلى عينٍ باصرةٍ، فإنّ من أراد قراءة كتاب الخلقة الأبيض يحتاج إلى عقلٍ سليم. وهو أداة المعرفة الأولى، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: “يا علي، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبرّ فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم” .
فالتفكّر العقليّ بحقيقة النّفس وتوجّهاتها، وبالفطرة الإنسانيّة من المفترض أن يوصلنا إلى معرفة الهدف والغاية من وجودنا في هذا العالم.