الرئيسية / الاسلام والحياة / دروس في التربية الأخلاقية

دروس في التربية الأخلاقية

الفطرة الإنسانيّة وميزاتها
الفطرة هي أصل الخلقة والهيئة التي خلق عليها الإنسان، والصبغة التي صبغه الله بها منذ أن أوجده في هذا العالم ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾، ﴿صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ﴾ . وللفطرة الإنسانية ميزاتٌ عديدةٌ ومتنوعة يمكن أن نلخّصها بالتالي:

أوّلاً: الفطرة مشتركة بين جميع الناس على مرّ العصور واختلاف الأمكنة، وهي لا تتأثّر ولا تتبدّل رغم كل الاختلافات والتناقضات في العادات والتقاليد

والمناخات والجغرافيا، والأنظمة السياسية والفكرية، والتيارات الثقافية، والمذاهب الدينية.

ثانياً: أنّها ليست أموراً مكتسبة، بل هي ميولٌ ورغبات مغروسة في أعماق الإنسان، وموجودةٌ معه منذ أن وجد في هذا العالم.

ثالثاً: أنّ الفطرة لا تعرف حدّاً أبداً، فرغبات الفطرة الإنسانية لا تقف عند حدّ بل تطلب دائماً ما هو أفضل وأكمل، وهي في حالة طلبٍ دائم، وميولها لا تعرف الشبع أبداً.

ما هي الغاية من خلق الإنسان؟
إن التفكّر العقليّ، في أصل الخلقة، أي في الفطرة الإنسانيّة من المفترض أن يقودنا إلى الغاية الحقيقية، لأنّها كما ذكرنا رسالة الله إلى كلّ إنسان والنداء الإلهيّ الذي ينبعث من أعماقه، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: “يا هشام: إنّ لله على الناس حجّتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأمَّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمَة عليهم السلام، وأما البَّاطنة فالعقول” .

فعندما نتبع وجهة هذه الميول بواسطة العقل سننتهي إلى الغاية، لأنّ الله تعالى لا يعقل أن يجعل فينا ميولاً وتوجهات نحو أشياء لا ينبغي أن نسعى نحوها، إنّ مثل هذا الظن تَوَهُّم فاسد، واتِّهامٌ للخالق سبحانه، لأنّ الحكيم المتعال لا يترك أيّ عمل فيه حكمة ومن ورائه حكمة، وحكمته المطلقة تعني لزوم صدور جميع الأفعال الحكيمة عنه، والحكمة تعني أن فعل الحكيم ينبغي أن يتَّصف بالغائيّة والهدفيّة، وأن يكون الهدف من فعله جليلاً وسامياً. إذن وجود الميول الفطرية فينا دليلٌ قويّ على وجوب تلبيتها، فإذا لحقنا هذه الميول في توجّهاتها ورغباتها سننتهي إلى الغاية التي خلقنا الله من أجلها.

إن التفكّر والتأمّل في أنفسنا سيقودنا إلى اكتشاف مجموعة من الميول النفسية والفطرية التي تتحرّك وتتفاعل بشكلٍ غريبٍ ومدهش، حتّى أنّ كل ّحركاتنا ونشاطاتنا تنطلق من هذه الميول، بل نفس هذا الجسم المادي يأتمر بإمرة هذه الميول الفطرية وهو منقادٌ لها أيضاً. وهذه التوجهات الفطرية هي:
1- طلب العلم (الذي يعبّر عنه بحبّ الاستطلاع).
2- طلب القدرة (الذي يشار إليه بحبّ السلطة).
3- طلب العاطفة (وهو الحبّ والعشق).

فكلّ إنسان ومنذ أن يفتح عينيه على هذا العالم، هو طالبٌ بالفطرة للعلم والقدرة والعاطفة. إلَّا أن بروز هذه الميول قد يحتاج إلى وقتٍ يتفاوت نسبياً بين شخصٍ وآخر. وإذا أمعنّا النظر في جميع تصرّفات وسلوك البشر فسوف نكتشف بشكلٍ لا يقبل الشكّ أنّ الدوافع الأساسية لكلّ فعلٍ مهما كان بسيطاً هي في الحقيقة تلبيةٌ لإحدى هذه الرغبات والميول المذكورة.

فالإنسان يريد دوماً أن يتعرّف ويكتشف المجهول أينما وجد. ويتمنّى لو أنّه يقدر على فعل ما يريد. وهو يسعى دائماً للارتباط بكلّ ما يشبع حاجته العاطفيّة. هذه هي رغبات كل واحدٍ منّا، مهما كان، وفي أي زمان أو مكان، وسواء أبرزها إلى العلن وعبَّر عنها بشكلٍ واضح ومباشر، أم أنّه أخفاها وألبسها ألف حجاب.

ولا ننسى أنّ الإنسان مخلوقٌ مختار، ووجود هذه الميول فيه لا يعني أنّه سيسعى دوماً وبالشكل الصحيح لتلبيتها. فإنّ هذه الميول قد تضعف شيئاً فشيئاً أمام ميولٍ أخرى غير فطرية. وقد تختفي وراء القيم المنحطّة السائدة في المجتمع، بحسب ما يختاره ذاك الشخص بإرادته. وإن كان القضاء على الميول الفطرية بالكامل أمراً مستحيلاً. والأصح أن يقال: إنّ الميّول الفطرية تفقد وجهتها الصحيحة وتتلوّن بالقيم السائدة في مثل هذه الحال لا أنّها تزول أو تختفي.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...