من هنا نجد أنّ تلامذة الائمّة (عليهم السلام) كانوا يطلبون منهم أن يرغّبوهم في الجنّة ويشوّقوهم إليها، أو يخوّفوهم من النار ويحذروهم منها.
فعن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله الصادق (عليه السلام) : جعلت فداك يابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شوّقني إلى الجنّة.
فقال (عليه السلام) : «يا أبا محمد إنّ من أدنى نعيم الجنّة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة الدنيا، وإنّ أدنى أهل الجنّة منزلاً لو نزل به أهل الثقلين الجنّ والانس لوسعهم طعاماً وشراباً ولا ينقص ممّا عنده شيء.
ثمّ أضاف الامام (عليه السلام) : «وإنّ أيسر أهل الجنّه منزلة من يدخل الجنّة فيرفع له ثلاث حدائق، فإذا دخل أدناهنّ رأى فيها من الازواج والخدم والانهار والاثمار ما شاء الله، ممّا يملا عينه قرّة وقلبه مسرّه، فإذا شكر الله وحمده، قيل له: ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية» وهذا معناه أنّ الشكر سبب لمزيد العطاء الالهي حتى في الآخرة (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ)( [351]).
ثمّ أضاف (عليه السلام) : فيقول أعطني هذه، فيقول الله تبارك وتعالى، إن أعطيتك إيّاها، سألتني غيرها؟ فيقول: ربّي هذه هذه…» إذ لا حدّ لطمع الانسان، باعتبار حبّه للكمال المطلق، فكلّما يعطى يريد المزيد.
ثمّ قال (عليه السلام) : «فإذا هو دخلها شكر الله وحمده أيضاً، فإذا شكر الله وحمده، قال: فيقال: افتحوا له باب الجنّة، ويقال له: ارفع رأسك، هذه الحديقة الثالثة، فإذا فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيه، قيل: فيقول عند تضاعف مسرّاته: ربي لك الحمد الذي لا يحصى، إذ مننت عليّ بالجنان ونجيتني من النيران».
قال أبو بصير: فبكيت، ثمّ قلت: جعلت فداك زدني.
قال: «يا أبا محمّد إنّ في الجنّة نهراً في حافّته جوار نابتات إذا مرَّ المؤمن بجارية أعجبته، قلعها وأنبت الله مكانها…» فلا ينقص عطاء الله، بل لا تزيده كثرة العطاء إلاّ جوداً وكرماً، إذ كلّ ما وجد جوع وعطش وطلب وحاجة، يوجد هناك عطاء وجود وكرم (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن)( [352]).
إلى أن يقول أبو بصير: قلت: جعلت فداك، ألهنّ كلام يكلّمن به أهل الجنّة؟ قال (عليه السلام): «نعم، كلام يتكلّمن به لم يسمع الخلائق بمثله، قلت: ما هو؟ قال: يقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبوس، ونحن المقيمات فلا نضعن، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن خُلق لنا وطوبى لمن خُلقنا له، نحن اللواتي لو قرن إحدانا علّق في جوّ السماء لاغشى نوره الابصار»( [353]).
وفي رواية ليلة المعراج، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: «لما أُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت فيها قيعان ورأيت فيها ملائكة يبنون، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وربّما أمسكوا، فقلت لهم: ما بالكم قد أمسكتم؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة، فقلت: وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، فإذا قال بنينا، وإذا سكت أمسكنا…»( [354]).
وحين استبشر أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بهذا الخبر، وظنّوا أن قصورهم في الجنّة كثيرة، قال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إيّاكم أن ترسلوا عليها ناراً فتحرقوها»( [355]).
شاهد أيضاً
اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم
11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...