قال القاضي سعيد القمّي في بيان بعض فقرات هذا الحديث: «لمّا ظهر من قوله: (لم يتكوّن فتعرف كينونته بصنع غيره، ولم يتناه إلى غاية إلاّ كانت غيره) انسداد باب معرفته سبحانه من مُعلّ «أي علّة» فوقه، إذ ليس عزّ شأنه معلولاً لشيء، وكذا (معرفته) من صفة أو اسم يحيط به فيتناهى هو جلّ مجده عندهما، وبقي من طرق معرفة الشيء ثلاثة أنحاء أُخر، نفاها الامام (عليه السلام) أيضاً، ليثبت أنّه لا يعرف إلاّ به جلّ برهانه:
فالاوّل من هذه الثلاثة، معرفة الشيء بالحجاب، والمراد به ما يحجب الشيء عن غيره، ويمنع اتصال شيء إليه، وهو هنا عبارة عن الصفات الخصيصة به، والامور التي يمتاز بها عن غيره».
والثاني من هذه الثلاثة، معرفة الشيء بالصورة العارضة للشيء، بسبب عروض أية مقولة كانت إيّاه.
والثالث منها، معرفة الشيء بالمثال، وهو عبارة عمّا يماثل الشيء في كلية معنىً من المعاني، سواء كانت أموراً داخلة في الذات أو خارجة عنها.
واستدلّ على أنّه لا يمكن أن يعرف بها ـ وبالجملة يمتنع أن يعرف بغيره تعالى ـ أنّ هذه المعرّفات لا محالة غيره وهو ظاهر، فلو كان له مميّز يحجبه، أو كيفيّة ذاتية يتصوّر بها، أو مفهوم كلّي يصدق عليه وعلى غيره، حتّى يماثله فرد آخر من هذا المفهوم، لكانت هذه الامور معه تصحبه في أزليته، والله سبحانه واحد أزلاً، موحّد أبداً، فمعرفته بغيره ينافي التوحيد، فكيف يعتقد توحيده من زعم أنّه عرفه بغيره، لانّ وجود الغير ينافي وحدته سبحانه. فلا يعرف الله أحد سوى من عرفه به.
ثمّ أفاد (عليه السلام) : أنّ معرفة الله بغيره إنّما هي معرفة الغير، وليست من معرفة الله في شيء، لانّ المغاير في التعريفات التي للاشياء الممكنة، إنّما يناسبها من وجه ويغايرها من آخر، وليس هذا الشأن للامور المغايرة له سبحانه، فإنّها مباينة له عزّ شأنه من جميع الوجوه، وإلاّ لزم التركيب المؤذِن بالنفر، فالزاعم أنّه عرف الله بغيره، لم يعرف الله من وجه أصلاً، وهذا ممّا يقصده القول بأنّ معرفة الشيء بالوجه، إنّما هي معرفة الوجه لا الشيء»( [478]).
شاهد أيضاً
اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم
11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...