محرم البياتي / العراقالسؤال: ذكر المعراج في القرآن الكريم
ذكرت كلمة الإسراء في القرآن الكريم، ولكن لم يذكر المعراج فيه، فما تعليقكم؟
وما الأدلّة القطعية على المعراج الجسدي، كما تقولون؟
الجواب:
الأخ محرم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المعراج لا يُعدّ أمراً غير ممكن من جهة الدليل العقلي، ولا من جهة معطيات وموازين العلوم المعاصرة، وهو بالإضافة إلى ذلك أمر إعجازي خارق للعادة، لذلك قام الدليل النقلي عليه، فينبغي قبوله والإيمان به.
ولقد دلّت الآيات والروايات المتواترة من طريق العامّة والخاصّة على وقوع المعراج بالجسد الشريف، ومنكر ذلك منكر لضروري الدين الثابت بالكتاب والسُنّة والإجماع..
فعن الرضا(عليه السلام): (مَن كذّب بالمعراج فقد كذّب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم))(1). وعن الصادق(عليه السلام): (ليس من شيعتنا مَن أنكر أربعة أشياء)، وعدّ منها المعراج(2).
والذي يدلّ على أنّه تعالى عُرج بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بروحه وجسده إلى السماوات أُمور، نشير إليها على نحو الإجمال:
منها: ما استدلّ به الطبرسي في (مجمع البيان) ممّا روي أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طاف في السماوات ورأى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنّة والنار ونحو ذلك(3).
ومنها: ما رواه المجلسي في (البحار) من أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبر عن دخوله الجنّة في المعراج: وقال: فإذا أنا برطب ألين من الزبد، وأطيب من المسك، وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة(عليها السلام)، ففاطمة حوراء إنسية(4).
وما رواه أيضاً: ثمّ قال: يا محمّد! مد يدك فيتلقّاك ما يسيل من ساق عرشي الأيمن، فنزل الماء، فتلقّيته باليمين… يا محمّد! خذ ذلك فاغسل وجهك… ثمّ اغسل ذراعيك اليمين واليسار… وامسح بفضل ما في يدك من الماء رأسك ورجليك… فأمّا المسح على رجليك فإنّي أُريد أن أوطئك موطئاً لم يطأه أحد قبلك ولا يطأه أحد غيرك… الخ(5).
والذي يدلّ عليه: أنّ ظاهر الآيات القرآنية الواردة في أوائل سورة الإسراء، وكذلك سورة النجم تدلّ على وقوع المعراج في اليقظة، ولازمه: أن يكون العروج بالروح والجسد، كما يؤكّد هذا الأمر كبار علماء الإسلام من الشيعة والسُنّة؛ وعدم ذكر كلمة (معراج) في القرآن لا يعني أنّ صفته غير مذكورة، بل قد ذكرت صفة معراجه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا سيّما في الآيات (5 – 18 من سورة النجم)، قال تعالى: (( عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاستَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى * فَأَوحَى إِلَى عَبدِهِ مَا أَوحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَد رَآهُ نَزلَةً أُخرَى * عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأوَى * إِذ يَغشَى السِّدرَةَ مَا يَغشَى * مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَد رَأَى مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَى )) (النجم:5-18). وتفسير هذه الآيات يرجع فيه إلى التفاسير المعتبرة.
ومن المفيد أيضاً أن نذكر أنّ عقيدة المعراج لا تقتصر على المسلمين، بل هناك ما يشابهها في الأديان الأُخرى، بل إنّنا نرى في المسيحية أكثر ممّا قيل في معراج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)! إذ يقول هؤلاء، كما في إنجيل (مرقس)، و(لوقا)، و(يوحنا): إنّ عيسى بعد أن صُلب وقُتل ودُفن، نهض من مدفنه وعاش بين الناس أربعين يوماً قبل أن يعرج إلى السماء، ليبقى هناك في عروج دائم(6).
ودمتم في رعاية الله
(1) صفات الشيعة: 50.
(2) صفات الشيعة: 50.
(3) مجمع البيان 6: 215 سورة الإسراء.
(4) بحار الأنوار 18: 351 الباب (3) إثبات المعراج ومعناه.
(5) بحار الأنوار 18: 357.
(6) العهد الجديد: إنجيل مرقس الإصحاح (16)، إنجيل لوقا الإصحاح (24)، إنجيل يوحنّا الإصحاح (21).
اشرف علي / العراقتعليق على الجواب (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ التمعّن في ما جاء في سورتي الإسراء والنجم يشير إلى أنّ حادثتي الإسراء والمعراج حادثتين منفصلتين كلّ عن الأُخرى، فسورة الإسراء أشارت صراحة للإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى فقط، أمّا سورة النجم فأشارت صراحة إلى المعراج فقط، وأنّ كلمة الإسراء تعني السير ليلاً، أمّا المعراج فتعني الصعود للأعلى..
ثمّ إنّ الروايات التاريخية أشارت إلى أنّ النبيّ تحدّث لقومه عن الإسراء، وهذا أمر منطقي؛ لأنّه بإمكانه أنّ يستدلّ على صحّة إسرائه بالأدلّة الواقعية، كون بعضهم قد ذهب إلى بيت المقدس، ولديهم معلومات عن طريق الشام، أمّا أن يحدّثهم عن المعراج، فهذا ما لا فائدة مرجوّة منه؛ لأنّه لايعقل أن يصدّقوه، فإخبارهم عنه فيه مضرّة، ألاّ أن يكون للمؤمنين فقط، ولذا فبعض الروايات أشارت لارتداد بعض المسلمين لمّا حدّثهم عن معراجه للسماء.
لكنّ الرواة اليهود جمعوا بين الحادثتين ليقولوا أنّ المسجد الأقصى أفضل من المسجد الحرام، لذا عُرج برسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منه إلى السماء.
والحمد لله
الجواب:
الاخ اشرف المحترمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولكن هذا الاحتمال، من أنّ اليهود جمعوا بين الحادثتين، لا يردّ ما دلّت عليه الروايات؛ قال المجلسي في (البحار): ((اعلم أنّ عروجه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى بيت المقدس ثمّ السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف ممّا دلّت عليه الآيات والأخبار المتواترة من طرف الخاصّة والعامّة))(1).
ودمتم في رعاية الله
(1) بحار الأنوار 18: 389.