بين آونة وأخرى، يطرح صناع السياسة الأمريكية مقترحات ومشروعات وقوانين للعراقيين بهدف “مساعدتهم” على حل مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي العادة تجد هذه المقترحات والمشروعات من يؤيدها ومن يرفضها، كل بحسب رؤيته وأهدافه ومصالحه.
كيف يمكن أن نحقق الاستقرار في العراق؟ وكيف يمكن القضاء على تنظيم داعش بالخصوص في المناطق الغربية والشمالية منه؟ أجاب بعض صناع السياسية الأمريكية بكل بساطة علينا أن نسلح البيشمركة الكردية في شمال العراق والعشائر السنية في غربه،!. ومن أجل تحقيق هذا الهدف صوتت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء 29-4-2015م على مشروع القانون يمنع تمويل قوات الأمن العراقية بالمبلغ الذي كان مقترحاً لتمويلها،
والذي يقدر بنحو 715 مليون دولار العام المقبل، إلا ان وزيرا الخارجية والدفاع أكدا معاً، أن الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء المدعوم من الولايات المتحدة، حيدر العبادي، لابد ان تشرك في هذه القوات جميع الأقليات العرقية والطائفية داخل قوات الأمن العراقية. أما إذا لم تأت التأكيدات بالإدراج الطائفي لكل الأقليات فإن بحسب القانون 60% من الأموال المقترح تقديمها للقوات الأمنية؛ أي ما يعادل 429 مليون دولار، ستذهب مباشرة إلى البيشمركة والعشائر السنية.
في الطرف المقابل، كان من المتوقع أن تؤيد بعض القوى السياسية العراقية هذا المشروع؛ بينما اعتبرت غالبية القوى الأخرى أن المشروع هو تدخل بالشأن العراقي وتقسيم للعراق ولا يحق لأي دولة سواء كانت أميركا أم غيرها إقرار مثل هذا القانون.
السؤال هنا هل السياسة الأمريكية مع وحدة العراق أم مع تقسيمه؟ هل القوى السياسية العراقية مع وحدة العراق أم مع تقسيمه؟ هل الدول المجاورة مع وحدة العراق أم مع تقسيمه؟ هل العراقيون شعبا ونخبا ومرجعيات دينية ومنظمات مجتمعية مع وحدة العراق أم مع تقسيمه؟ بالمحصلة ما هي السياسات والبرامج المطلوب انجازها للمحافظة على النسيج العراقي بكل قومياته وأديانه ومذاهبه وبقاءه موحدا؟
مع غض الطرف عن السياسات المعلنة؛ فان كل المؤشرات على الأرض تؤكد أن من مصلحة الولايات المتحدة وبعض دول الجوار أن تضعف العراق وتقسمه إلى كيانات صغيرة؛ قادتها وساستها مرتبطة بهذه الدول سياسيا واقتصاديا وامنيا. إذ أن وجود عراق على شكل وحدات ضعيفة يسمح بتدخل مباشر لتلك الدول في كل مفاصل الدول بخلاف وجود عراق واحد يملك أهله سيادته وقراره.. ولا شك أن رغبة بعض الأطراف السياسية للمكونات العراقية في الانفصال تارة أو الأقلمة تارة أخرى في ظل سيادة أجواء الطائفية والعنصرية هو القاعدة التي تستند إليها أطروحات التقسيم في الولايات المتحدة وبعض دول الجوار.
إذا كانت الأمور كذلك، وان الخارج وبعض العراقيين يسيرون اتجاه اللاوحدة؛ فلماذا نصر على الوحدة العراقية قسرا؛ رغما على أنف من يريد الانفصال أو الأقلمة الطائفية أو حتى أقلمة المحافظات؟ لماذا لا نعطي للآخرين الراغبين بالابتعاد عن حضن العراق حرية الاختيار وإدارة شؤونهم بأنفسهم. واضح أن “الكرد” في المحافظات الثلاثة يديرون حياتهم لوحدهم بكل معنى الكلمة فهم “دولة في بطن دولة” وهم في الوقت ذاته يستفيدون من ثروة العراق وموارده ويتحكمون في مصائر المحافظات الأخرى وفي قراراتهم.
بتعبير آخر أن الثروة العراقية تنتقل من الوسط والجنوب إلى كردستان العراق، أو من الوسط والجنوب إلى غرب العراق تحت مفهوم الوحدة العراقية التي يرفضها بعض أهالي الشمال وبعض أهالي الغرب ولا يتفاعل معها بعض أهالي الجنوب مادامت تسلب منهم ثروتهم ليس هذا وحسب بل تعدم حياة الآلاف من شبابهم في مواجه الإرهاب تارة ودفاعا عن الوحدة تارة أخرى. إذا كان العراقيون لم يتفقوا على وحدة بلاهم؛ أليس من الأجدى أن نفكر بمواطنينا وحياتهم ورفاهيتهم في مقابل التنازل عن وحدة التراب “الدموية”.
إذا كانت المعادلة السياسية في العراق تقول: إما الوحدة في مقابل التضحية بالاستقرار، وإما الاستقرار في مقابل تقسيم العراق فإننا لا شك سنفضل الاستقرار على حساب الوحدة الملوثة بدم شبابنا، فالأرض ليست دائما مقدسة بل حياة الإنسان وكرامته ورفاهيته هي المقدسة وهي التي يجب الدفاع عنها والمحافظة عليها.
ولكن لا احد من المؤيدين للتقسيم أو المؤيدين للوحدة العراقية في الداخل العراقي أو في الخارج يستطيع أن يعطي ضمانات بان قسمة العراق على ثلاثة ستحقق الاستقرار في الدخل وتقلل من تضحياتنا. لا احد يضمن أن العراق الضعيف سيبحث عن استقرار حدود مكوناته إذا استطعنا أن نخطط تلك الحدود، فلا أحد يضمن نتائج التقسيم أبدا!.
نعم يمكن القول إن إضعاف العراق من خلال دعم هذا المكون على حساب المكون الأخر كما تريد الولايات المتحدة يمكن أن يطمئن بعض دول الجوار بزوال شعور الخطر العراقي الراسخ في ذاكرة تلك الدول منذ وقت طويل. ويمكن أن يضمن سيطرة الدول الكبرى لاسيما الولايات المتحدة على ثروة العراق وموارده بشكل دائم أكثر مما هو عليه الآن. ويمكن أن تستقر حدود العراق مع بعض دول الجوار مادامت المكونات التي تدير دفة السلطة تتداخل مع المكونات الاجتماعية لتك الدول. أي أن ما يخطط له خارج العراق سواء من قبل الغرب أو بعض دول الجوار هو إلى حد ما تفكير ينسجم مع رغبة تلك الدول ومصالحها واستراتجياتها.
إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن العراقيين إذا ما أيدوا وساروا على نهج ما يخطط لهم في غرف المخابرات الدولية وقبلوا بتقسيم العراق انفصالا أو أقلمة طائفية أو عنصرية فان النتائج المتوقعة هي لا ارض موحدة ولا استقرار ولا تنمية ولا رفاهية ولا ولا..
إذا ما يدعو إليه غالبية الشعب العراقي ونخبه ومرجعياته الدينية من التمسك بوحدة العراق أرضا وشعبا هي الطريق الصحيح الذي يجب أن نسير عليه، وإن كان هذا الطريق ليس مفروشا بالورود كما يريده أو يتأمله البعض. ولكن لا يجب أن نفرض الوحدة ونلزم الآخرين بها دون أن نتقدم خطوات حقيقية في عملية التنمية والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية؛ لان الوقوف في مكان ما لا يفضي إلى الوحدة ولا إلى الاستقرار.
وبالتالي، لابد أن يكون هدفنا وهدف القوى السياسية الوطنية واضح لا لبس فيه وهو الوحدة والاستقرار، فلا وحدة بدون استقرار ولا استقرار بدون الوحدة. وهذا يتطلب أن نخطط بشكل واضح لتحقق هذا الهدف (الوحدة والاستقرار معا) وان نضع برامج وسياسات تترك آثارا ملموسة تدفع العراقيين جميعا بما فيهم المشككون بتحقيق هذا الهدف إلى العدول عن تصوراتهم وأفكارهم..
ولعل من أهم ما يمكن العمل عليه الآن:
1- التأكيد المستمر بان استقرار العراق مرتبط ارتباطا وثيقا باستقراره، والقول بان الاستقرار في مقابل التقسيم هو الخيار الأفضل هو قول خطئ.
2- التأكيد المستمر أن مشاريع التقسيم التي تطرح من الخارج وإن كانت ظاهرها معالجة المشاكل السياسية والاجتماعية والأمنية إلا أنها في واقعها تزيد من تلك المشاكل وتعمق حالة الانقسام. بل إن هدف تلك المشاريع هو نهب ثروة العراق وإضعافه.
3- التأكيد المستمر على اللامركزية الإدارية ومنح المزيد من الصلاحيات للحكومات المحلية والدفع باتجاه الإدارة الذاتية للمحافظات وذلك وفق برنامج زمني محدد.
4- العمل على الانتقال الفوري من نظام سياسي قائم على أساس المكونات الاجتماعية إلى نظام سياسي قائم على أساس المواطنة في الحقوق والواجبات من خلال إجراء تغيرات على الدستور العراقي بما يعزز الوحدة العراقية.