«عشرة الفجر» من کل عام تشکّل إستفتاءً حقیقیاً ، لإرادة الشعب العاشورائی الذی ملأ الساحات عام ١٩٧٩ ، وحطّم عرش الشاه المقبور بصرخات الله اکبر لیزلزل بذلک أرکان أسیاده المستکبرین أمریکا و «إسرائیل» و کل الطغاة و الجبابرة لیختار الاسلام منهجاً للحکم ولیکون أسوة لکل الأباة و عشّاق الحریة ، و یفتح الطریق الى القدس الشریف ؛ حیث حمل منذ الیوم الاول بقوة – و دون استحیاء – شعار : ((«إسرائیل» غدة سرطانیة لابد أن تزول)) ..
و ها هو المشهد یتکرّر فی کل عام ؛ بل فی کل یوم …
إستفتاء یلبیه الملایین ، رافعین شعار الإمام الخمینی : “نحن نستطیع” ، و هو شعار تحوّل الى برنامج عمل ، وضع إیران الاسلامیة – بحق – فی واجهة الأحداث العالمیة ، و حوّل التهدیدات الى فرص ، لیجعل الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة مثالاً وانموذجاً لالتفاف الشعب حول قیادته ، لصیانة الحریة والإستقلال ، فی زمن الهیمنة و الوصایة و الذل و الإرتهان .
فعندما وطأت قدما الامام مطار «مهرآباد» بطهران .. اهتز ارکانه بهتافات التکبیر “الله أکبر” ، لتتهاوی أحلام “المرجفین” .. مثلما اهتزت عواصم البغی على خرائط الأرض .. و بدا فی طلعته البهیة و النورانیة کطیف آتٍ من زمن النبوة یومض بریقاً فی مشکاتها : “و أشرقت الأرض بنور ربها” .
«عشرة أیام» هی المخاض الأطول فی تاریخ الثورة الإسلامیة .. الذی غیّر وجه إیران ، و تغیر العالم معها .. فصار التاریخ : تاریخ ما قبل «عشرة الفجر» .. و ما بعدها . و بلغ المخاض ذروة آلامه و اشواقه .. وشعبنا المعطاء یقدم قرابین العشق أفواجا أفواجا من الشهداء ، و دم شبابه سیّال فی کل الساحات ؛ فیما حط الامام الخمینی الرحال بطائرته فوق مطار طهران ، وعلى طریقة الفدائیین اقتحم الموت ، دون ان یهاب او یرتدع لتهدیدات الجبناء بالتعرض لطائرته .. و اختار أن یرى الفجر و لیالیه العشر بعد ان أیقن بنصر الله ، فأزاح بحرکة من یده الشریفة آخر الموانع والحصون التی ارادت ان تمنع شعب ایران من ولادته الجدیدة .
اجل .. عندما وطأت قدماه مطار طهران : فرش العشق أرض المسیر ، و هزم برودة الطقس بحرارة الشوق فبات الالوف على طریق المطار ، و اندفعت الجموع یسابق خوفها الأشواق ، و انهمرت الدموع على الخدود ، مشهدٌ قل نظیره فی لقاء قائدٍ و حبیب ، و کانت المشاعر فوق أن توصف ، و کأن الناس على جوف رجل واحد بلقبٍ واحدٍ .
و حیال ذلک أفضى الامام فی المطار بأنّ مشاعر الشعب تثقل عاتقه وعاجز عن أن یجازیه .. و بکلمات قصار رسم ملامح المرحلة : طردُ الشاه کان الخطوة الاُولى فی الانتصار ، و وحدة الکلمة یجب المحافظة علیها ، و المضی قدما فی المواجهة حتى الاجتثاث الکامل لجذور الفساد .
ثم توجه إلى “جنة الزهراء” حیث یرقد الشهداء الابرار لیواسی الأمهات و الأولیاء ، لیعلن على مقربة ممن التحقوا بقافلة عاشوراء : أنه – و بدعم الشعب – سیشکّل الحکومة .. فکانت رمزیة المکان تنطق بتلک الحقیقة التی خلدت فی الزمن منذ أن رفع الإمام الحسین علیه السلام صرخته إلى عنان السماء : هیهات منا الذلة .. حقیقة انتصار الدم على السیف .
عشرة أیام کانت تقرّب ذلک «الفجر» الذی طال انتظاره .. «فجر» تشوّق إلیه الأحرار و المستضعفون فی کل مکان .. کان یکفی أن یبزغ خیط شمس هنا أو هناک .. أن یتهاوى للاستبداد عمود من على وجه الأرض .. حتى تُسفر الجفون المقرّحة عن فرحتها .. فکیف و الحال أن خیمة عتیدة للاستبداد راحت تتمایل ، لتسقط : “و یومئذ یفرح المؤمنون بنصر الله” .
عشرة أیام قامت على التقوى دون ان یتوقف هدیرها .. و لن یوقفه أحد … و من یعود بالفجر إلى قفص الظلمات؟؟!
و ها هم مذ أن سطع فجر إیران الاسلام ، یحشّدون لها و یجمعون ، و یطلقون ادخنتهم لیحجبوا ، و لو قلیلا ، من صفاء الفجر .. وها هو الفجر یفصح لهم فی کل عام عن بعض أسراره .. ها هی إیران الاسلامیة لا تزداد إلا إیمانا و إصرارا و قوة و ثباتا کالطود الأشم تسفـّه أحلام الأمریکان وأتباعهم وأذیالهم . هنا صرخ الامام : یا أیها المسلمون اتحدوا .. من هنا نظر سماحته إلى القدس فاستبشر الأقصى و دقت أجراس کنیسة القیامة .. لکنهم : لا یفقهون و أنّى لهم الذکرى .