يسجل التاريخ لـ “كونداليزا رايس” وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أنها كانت أول من تحدث عن “الفوضى الخلاقة” كطريق لنشر الديمقراطية في العالم العربي عام ٢٠٠٥. وفعلاً ما هي إلا أشهر معدودة حتى بدأت حرب تموز في لبنان وخرجت علينا الوزيرة “رايس” لتحدثنا عن مخاض شرق أوسط جديد سيولد من رحم آلام وأشلاء أطفال قانا ومروحين. حينها قالت الوزيرة الأمريكية واصفة العداون الإسرائيلي على لبنان صيف العام ٢٠٠٦: “ما نراه الآن هو آلام المخاض لشرق أوسط جديد ومهما كنا فاعلين فإنه يتعين علينا التأكد من أننا نتجه إلى الشرق الأوسط الجديد.”
الشرق الأوسط الجديد من وجهة النظر الغربية هو الشرق الأوسط الأمريكي الذي لا مصلحة تعلو فيه على مصالح الغرب ومصالح طفلهم المدلل الكيان الإسرائيلي، ولتحقیق هذه المصالح وجب على هذه الدول القضاء على الخطر الرئيسي الذي يهدد مصالحهم ووجودهم في المنطقة والمتمثل في محور المقاومة، فشن الكيان الإسرائيلي بدعم غربي وعربي عدوانه على لبنان عام ٢٠٠٦ تلاه عدوانه على غزة نهاية العام ٢٠٠٨ وعندما مُني في كلا العدوانين بهزيمة ساحقة مرغت أنف جيشه بالتراب، ما كان على الغرب إلا السعي لضرب ظهر هذه المقاومة والمتمثل في سوريا ومن ورائها إيران. فبدأت الحرب في سورية عام ٢٠١١ وبدأ استهداف الدولة السورية والجيش السوري بهدف إضعاف سوريا وكسر شوكتها علهم بذلك يتمكنون من كسر المقاومة وإزالتها من الوجود.
مشاريع ومؤامرات تستهدف وحدة سوريا:
تناقلت وسائل الإعلام عدة سيناريوهات غربية لتقسيم سوريا وتقطيع أوصالها، أشهرها كان المشروع الأمريكي البريطاني الذي نال موافقة كلٍ من فرنسا وألمانيا والقاضي بتقسيم سوريا إلى دولتين شمالية عاصمتها حلب وجنوبية عاصمتها دمشق، هذا المشروع تناغم مع مشروع شقيق يستهدف وحدة العراق وينص على تجزئته إلى ثلاثة أجزاء؛ جزء شمالي عاصمته الموصل وجزء مركزي عاصمته بغداد وآخر جنوبي عاصمته البصرة.
تحدث السفير الأمريكي السابق في سوريا “روبرت فورد” في محاضرة ألقاها الأسبوع الماضي في معهد دراسات الشرق الأوسط عن تقسيم سوريا بين الفصائل المتحاربة المختلفة، وتنبأ فورد في محاضرته بتقسيم سوريا إلى ست مناطق حسب التوزع الطائفي وسيطرة الفصائل المسلحة على كل منطقة وتوزعت أجزاء سوريا بين الدولة السورية في الساحل ودمشق وتنظيم داعش الإرهابي في الشرق وجبهة النصرة الإرهابية وما يسمى “جيش الفتح” في الشمال الغربي وجبهة النصرة وما يسمى “الجيش السوري الحر” في الجنوب فيما لم ينس فورد إعطاء الكرد “دولتهم” في شمال وشمال شرق سوريا.
خطواتٌ عملية على طريق التقسيم:
يرى المنظرون للتقسيم في سوريا أن استمرار الحرب لمدة طويلة في هذا البلد سيزيد من مشاعر الحقد والكراهية بين الطوائف المختلفة وسيدفع بهم للتجمع والعزلة في مناطق محدودة الأمر الذي يمهد للتقسيم، فيما يعمل تنظيما داعش والنصرة الإرهابيان على الأرض لتحقيق هذا الهدف من خلال بسط سيطرتهم على مناطق مختلفة من سوريا وقيامهم بارتكاب أفظع الجرائم في حق كل من يخالفهم الرأي، کما أن أمريكا عندما شكلت إئتلافها الدولي لما وصفته بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي قالت بشكل علني إن من سيخلف التنظيم الإرهابي في المناطق التي سيخرج منها سيكون فصائل المعارضة المسلحة “المعتدلة”، هذا الإعلان الأمريكي يكشف التوجه الواضح والصريح لتقسيم سوريا بين الدولة السورية وفصائل المعارضة المسلحة الأمر الذي يهدد وحدة سوريا ووجودها.
لطالما سعت أمريكا لتقسيم المنطقة على خطى بريطانيا وفرنسا عندما قسمتا العالم العربي بينهما من خلال اتفاقية سايكس بيكو، وما التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن حق الأكراد في إنشاء دولتهم والانفصال عن سوريا والعراق، أو حديثها عن استهداف الدولة السورية وتزويد فصائل المعارضة المسلحة بالأسلحة النوعية وقيامها بتدريب مقاتلي هذه الفصائل أو القانون الأخير الذي شرّعه الكونغرس الأمريكي والذي يسمح للإدارة الأمريكية بتسليح وتدريب أبناء العشائر العراقية السنية من دون التنسيق مع الحكومة العراقية وعلى الرغم من رفض العراق لهذا المشروع الطائفي، إلا دليل قاطع يكشف سعي أمريكا وحلفاؤها الغربيين لتقسيم دول المنطقة لتسهل بذلك محاولات السيطرة عليها والتحكم بمصيرها.
دور تركيا والدول الخليجية في مشروع تقسيم سوريا:
منذ أربع سنوات مضت وحتى هذه اللحظة تسعى الدول الخليجية بقيادة السعودية وقطر وبالتعاون مع الحكومة التركية لإسقاط الدولة السورية وتقطيع أوصالها، ولهذا السبب عملت هذه الدول على تدريب وتسليح أفراد المجموعات المسلحة وعلى رأسهم تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين، فتركيا فتحت معسكراتها وحدودها أمام عناصر هذه المجموعات وعملت المخابرات التركية على تسهيل تزويدهم بالسلاح ووصولهم إلى الداخل السوري، بينما قامت السعودية وقطر بإغراق هذه المجموعات بالمال وتزويدهم بمختلف أنواع الأسلحة النوعية، هذه الممارسات ساهمت في تقوية شوكة هذه الفصائل وتمكنها من بسط سيطرتها على العديد من المناطق السورية الأمر الذي يهدد استمرار سوريا كدولة موحدة بجميع أبنائها ويجعلها عرضة للضياع والتقسيم.
الكيان الإسرائيلي يلعب على خط الجبهة الجنوبية:
لا يخفي الكيان الإسرائيلي تقديمه مختلف أنواع المساعدات لأفراد الجماعات الإرهابية الموجودة في الجبهة الجنوبية السورية “كالجيش الحر وجبهة النصرة”، هذا الكيان الذي قدم الدعم اللوجستي والتكتيكي والعملياتي لهذه المجموعات وقام بإسعاف جرحاهم تدخل أحياناً بشكل مباشر لصالح هذه المجموعات وقام باستهداف مواقع الجيش السوري بهدف تخفيف الضغط عن هذه المجموعات.
يسعى الكيان الإسرائيلي من خلال سياسته المتبعة في الجنوب السوري إلى تشكيل جيش شبيه بجيش العميل اللبناني لحد أو ما يسمى “جيش لبنان الجنوبي” يستطيع من خلاله بسط سيطرته على الجنوب السوري كما كان الحال في جنوب لبنان، وما حديث هذا الكيان عن احتمال تدخله في سوريا لما وصفه بالدفاع عن الدروز في السويداء إلا محاولة لاستمالة الدروز السوريين وإخراجهم عن انتمائهم الوطني السوري، ويهدف الكيان الإسرائيلي من خلال ممارساته هذه إلى فصل الجنوب السوري عن سوريا وتحويله إلى نقطة انطلاق لاستهداف العاصمة السورية دمشق وتهديد وجود الدولة السورية بشكل عام.