اثيرت خلال الاسابيع القلائل الماضية من قبل بعض الأطراف السياسية والشعبية العراقية مسألة التحول من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، وفي الوقت الذي لم تمر هذه الدعوات والمطاليب مرور الكرام، الا انها حتى الآن لم تشغل الحيز الاكبر من الاهتمام السياسي والاعلامي، ربما بسبب هيمنة ملفات داخلية وخارجية على المشهد العام في البلاد.
اصحاب الدعوة الى الانتقال من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي ينطلقون من عدة اعتبارات وحجج ومبررات، من بينها:
-ان النظام البرلماني كرس مبدأ المحاصصة القومية والمذهبية والسياسية، وعمّق حالة الاستقطاب السياسي بين الفرقاء.
-فشل النظام البرلماني في ايجاد حلول ومعالجات للمشاكل والازمات السياسية والامنية والحياتية التي عصفت وتعصف بالبلاد، فضلا عن كونه لم يفلح في صياغة وبلورة نموذج مقبول لإدارة شؤون البلاد.
-تسبب ذلك النظام في توسيع الخارطة الحزبية الى حد كبير، وبصورة بدت فوضوية، وهو ما افضى الى احداث حالة انسداد سياسي خطير ومقلق عند بعض المنعطفات الحساسة والحرجة.
-في ظل ذلك النظام، غالبا ما يكون حسم الكثير من القضايا – لا سيما المهمة والحساسة منها – أمرا تكتنفه صعوبات وعراقيل جمة، كما هو الحال مع مشاريع القوانين المتعلقة بالشؤون المالية والامنية والاقتصادية.
وتعد حركة اهل الحق التي يتزعمها الشيخ قيس الخزعلي، ابرز القوى الداعية الى النظام الرئاسي، وقد اكد الخزعلي في اكثر من مناسبة على انه يسعى حثيثا الى استبدال النظام البرلماني بنظام رئاسي، معللا ذلك بالثغرات الكبيرة والتقاطعات الكثيرة في العملية السياسية.
فيما يؤكد المتحدث الرسمي باسم الحركة نعيم العبودي “ان النظام الرئاسي هو جزء أساس من حل المشكلة في العملية السياسية والتخلص من المحاصصة”، داعيا الى “تكاتف شعبي ورسمي من اجل تجاوز هذا النظام والعمل على تغييره بنظام رئاسي من خلال الضغط لاجراء تغيير في المواد الدستورية عبر استفتاء شعبي عام”.
اما معارضو النظام الرئاسي، وهم في الاطار العام يمثلون اغلبية واضحة، فإنهم ينظرون الى الامر انطلاقا من عدة حقائق، من بينها:
-ان النظام الرئاسي كرس حكم الدكتاتورية في العراق لعدة عقود، وهو لا يخدم البلاد بالوقت الحالي، كونه يعطي السلطة لشخص واحد.
وتبدي النائب عن التحالف الوطني ليلى الخفاجي استغرابها من دعوات البعض لتحويل نظام الحكم وكأنهم لم يقرأوا الدستور، ولم يطلعوا على آليات تعديل فقراته، حيث ان زمن تغيير القوانين والأنظمة وشكل الحكم بجرة قلم أو تصريحات ودعوات في الإعلام قد ولى مع عهد الدكتاتورية.
-ان النظام الرئاسي يحجّم ويقيد الحراك السياسي الايجابي في البلاد، ويجعل دور البرلمان وعددا غير قليل من الاحزاب هامشيا ولا تأثير حقيقي لهم في الحياة السياسية.
-ان الدستور العراقي النافذ في الخامس عشر من تشرين الاول/اكتوبر 2005، والذي صوت عليه غالبية العراقيين، اقر النظام البرلماني، وتغيير ذلك النظام يحتاج الى اجراءات دستورية طويلة، منها، الاستفاء الشعبي العام.
-ظروف العراق الحالية، والتحديات والمخاطر التي يواجهها، لا تتيح طرح مشاريع حساسة من قبيل تغيير شكل النظام السياسي، اي بتعبير آخر، خطوة كهذه تتطلب وجود بيئة سياسية وامنية مستقرة.
نقاش حاد
ويرى البعض انه من غير الصحيح الخوض في سجالات ونقاشات عقيمة، يمكن لها ان تخلق مزيدا من الاحتقانات السياسية بين الفرقاء، ويفترض ان يكون الدستور هو المرجع والحكم والفيصل بين اصحاب الرؤى والتوجهات المختلفة.
وفي ذلك يقول رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري “لا مانع من تغيير النظام السياسي في حال اتباع الإجراءات الدستورية والتعديلات اللازمة وإجراء الاستفتاء، وتغيير النظام الى رئاسي لا يقلل من دور مجلس النواب في السنوات التي مضت وعلينا أن لا نقلل من قيمة النظام الذي نتبعه الآن”.
ويعتقد خبراء في القانون الدستوري، ان المشكلة الحقيقية لا تكمن اليوم في شكل نظام الحكم بالعراق، وانما في طبيعة ذلك النظام وسياقات عمله ومنهجياته.
ويؤكد هؤلاء الخبراء، ان سلبيات الواقع القائم لا يمكن لها ان تختفي بمجرد الانتقال من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، لأن لكل من النظامين حسناته وسيئاته، التي في جانب كبير منها تعد نتاجا لاسقاطات المناخ السياسي والاجتماعي العام.
وهناك دول تعمل وفق النظام الرئاسي، وهي دول فاشلة واستبدادية، بينما هناك دول نظامها السياسي برلماني، وتتمتع بقدر كبير من الاستقرار السياسي والرفاهية الاقتصادية، والتعايش السلمي بين مكوناتها، والعكس صحيح.
ومن زاوية أخرى يؤكد ساسة كبار ان عملية الاصلاح الحقيقية وتصحيح المسارات الخاطئة تبدأ من محاربة الفساد الاداري والمالي، ومعالجة الترهل في المنظومة الحكومية، بدءا من تقليص عدد أعضاء البرلمان والحكومة، مرورا بالرتب والمناصب العسكرية، وانتهاء بوضع حد للهيمنة الحزبية والسياسية على مختلف مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة.
وكذلك تبدأ عملية الاصلاح والتصحيح من صياغة مشروع شامل ومتكامل لبناء الدولة تكون ادواته الرئيسة السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعة والقضائية، والمرجعيات الدينية والقوى والشخصيات الفاعلة في الحراك الاجتماعي والسياسي العام، والعنوان الاساس لذلك المشروع، هو القضاء على الارهاب، ثم ضمان وحدة البلاد، وتكريس وترسيخ مبدأ المواطنة الحقيقية، وبعد ذلك كله يمكن النقاش والبحث في النظام السياسي الافضل.
نقلاً عن موقع العهد