الحراك الدبلوماسي الأميركي-الروسي- الإيراني الأخير في منطقة الخليج، بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون مع كيري في الدوحة، لرسم الخطوات المقبلة بشأن الشراكة الاستراتيجية بين المجلس والولايات المتحدة، و ما رافقه من لقاءٍ روسي إيراني سوري في طهران، كل ذلك دفع السعودية إلى الإعتقاد أكثر، بأنّ الإتفاق النووي أسهب في تآلف الغرب مع إيران لحلحلة ملفات أخرى بل طرحت على الطاولة السعودية –الخليجية ربما، كحل الأزمة السورية والحرب على اليمن.
الصحف السعودية تعكس مدى تأثر علاقة السعودية بالولايات المتحدة جراء الإتفاق مع إيران، وحجم الإستياء من “العلاقة الجديدة” بين الجمهورية الإسلامية وحليفتها الطبيعية، فيما تؤكد إيران، أنّ الإتفاق النووي لن يتخطى حدوده، وأن لا تعاون مع الغرب، طالما قضايا الممانعة لا تزال حاضرة.
في مقال نشر أمس الثلاثاء، للكاتب عبدالله الشمري في صحيفة “اليوم” السعودية، بعنوان “هل أصبح الحوار السعودي- الإيراني مطلباً أمريكياً؟” يجيب الكاتب على السؤال بـ”نعم”، معتمداً على ورشة سياسية مُغلقة بعنوان “بناء نظام أمني إقليمي” (تأثيرات الاتفاق النووي في المنطقة، المصالح المشتركة لدول الإقليم وفرص التعاون المحتمل) عقدها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية قبل أيام بمشاركة أميركية وخليجية واوروبية وإيرانية، وكانت خُلاصة الورشة ، وفقاً للصحيفة، أنّ ثمّة قناعة غربية وإيرانية رسمية ونخبوية بتحييد الخلافات السياسية والإيدلوجية وبدء مرحلة جديدة من العلاقات.
كما أن هناك مزاجا أميريكيا وأوروبيا لدعم حوار سعودي- إيراني تكون نتيجته “ضبط حدود الخصومة ومنع تطور الخلاف الحالي إلى مواجهة مباشرة أو غير مباشرة” إن لم ينجح هذا الحوار المفترض الاتفاق حول تقاسم المصالح وحماية الحلفاء في المنطقة مع الإيمان بأن الاتفاق النووي سيفتح الباب أمام تعزيز فرص التعددية الإقليمية وتعزيز الحوار بين الدول الإقليمية مثل مصر وتركيا وإيران والسعودية بمشاركة أوروبية وأميركية حول مختلف القضايا مثل التعاون النووي وسوريا والعراق ولبنان، حسبما جاء في المقالة.
الشمري يحذّر، من أنّ الإتفاق ليس حول النووي فحسب، انما من أجل التوصل لاتفاق إقليمي سياسي إضافي بين الغرب وإيران، بحسب رؤيته، معتبراً أنّ ” إيران ستستغل نتائج الاتفاق لزيادة أنشتطها الإقليمية ودعم الجماعات المسلحة الموالية لها وتستمر في سلوكها القديم بوسائل جديدة”، على حد تعبيره.
الكاتب السعودي ينهي مقاله، بأنّ لسان الحال الأميركي يقول إن هناك تحدياً جديداً أمام دول الخليج بعد الاتفاق وهو أن تثق بنفسها وتكسر الحواجز النفسية مع إيران وتُقدم على الحوار وربما هذا ما ستدفع به واشنطن قريباً لرؤية حوار خليجي- إيراني بقيادة سعودية.
عبدالله موسى الطاير، الكاتب في صحيفة “الرياض”، يرى في مقال له نشر الثلاثاء تحت عنوان “التفكير بصوت مسموع.. وزراء خارجية مجلس التعاون في طهران”، أن المؤشرات جميعها تؤكد أن الكونجرس سيوافق على الاتفاق النووي.
الطاير فكك الإحتمالات الممكنة، في ما عبّر عنها بـ”هلوسة” لها نصيب من الواقعية، أشار في مضمون محتواها، أنّ حليفة المملكة التاريخية أميركا فرضت واقع التعامل مع إيران بهذا الاتفاق، مشيراً إلى أنّ خيار اتجاه السعودية نحو صفحة جديدة مع ايران، ممكناً، لكنه يرى أنّ بقاء هذه “الصفحة” بيضاء محكوماً بعدم انتصار طرف على آخر، فيما اعتبر أنّ الولايات المتحدة خانت عهدها مع المملكة، التي وثقت بها لعهود من الزمن، ومشت خلفها “كل الطرقات” حسب تعبيره.
الخيار هذا، بحسب الطاير، ينطوي على سيناريوهين: ” إما أن نبدأ صفحة جديدة على أساس التعايش المشترك في هذه المنطقة، واحترام بعضنا بعضا وإما أن نفنى جميعا بالحروب، إذ لايمكن بحال من الأحوال أن ينتصر طرف على الآخر ويستقر له الوضع” حسب قوله.
ويرى الكاتب أنّ السعودية يمكن لها أن تتوصل إلى اتفاق تاريخي “حذر” مع ايران كما فعلت أميركا، يشير الطاير هنا، إلى أنّ “الحذر” الأميركي تجلى بـ”المزيد من صفقات السلاح والحماية”، معتبراً أنّ “المكاسب والحال هذه أكثر من الخسائر”.
أخيراً أوضح إلى أنّ الهلوسة (الرسالة) هذه غير واقعية، لأنّ “النظام الإيراني لايريد السقوط بهذه السرعة ذلك أن عداءه للعرب مبدئي، والطائفية هي النفس الذي يتردد في صدره، كما أن دول مجلس التعاون ليست موحدة في قرارها الخارجي”، بحسب زعمه.
وينهي الكاتب مقاله بجملة يختصر فيها موقف المملكة تجاه أي رد فعل ايجابي من قبل جيرانها الخليجيين، حول امكانية بدء صفحة جديدة: “أعتقد أن إيران وراء كل مصيبة حدثت في منطقتنا منذ عام 1979م، وأنها لن تكون سعيدة بموقف خليجي موحد فهو لايخدمها على الإطلاق”.
الكاتب السعودي عبد الرحمن سعد العرابي نشر خواطر بعنوان “طائفية فارسية” اليوم الأربعاء في صحيفة المدينة، اعتبر فيها أنّ سياسة ايران الحالية هي امتداد للعنصرية الفارسية ضد العرب، أيضاً ضد الإسلام ذاته، كونه نزل بين العرب، بحسب قوله.
ويعتبر العرابي أنّ إدعاءات الفرس بتمسكهم بالإسلام، إنما هي بسبب اخضاع العرب لهم أيام الفتوحات الإسلامية، وهذا، وفقاً للكاتب، ما دفع الجمهورية الإسلامية إلى تفتيتِ القوةِ العربية، مرةً بالشعوبيةِ كما حدث مع الدولةِ العباسيةِ، وأخرى بإدخال مفاهيم من غير صلب الإسلام وفرضها بقوة النار إبان حكم الدولة الصفوية.
ويعتبر أنّ “المشكلةَ الحالية مع بعض أبناءِ العروبةِ ممن خدعتْهم ادعاءاتُ الفرسِ بمناصرةِ القضيةِ العربيةِ الكبرى قضيةِ فلسطين”.
خيبة الأمل السعودية من إتفاق إيران النووي مع الغرب، لم تستطع “الأقلام الرسمية” إضمارها؛ الولايات المتحدة لم تتجاهل حليفتها، لكّن المرحلة الحرجة، التي طمأنتها بشأنها قبل حلولها، انعكست خللاً في التوازن مع منافستها إيران، ففي وقت تشنّ فيها المملكة حرباً على اليمن، جاء توقيع الإتفاق النووي طمساً لكل أشكال الإطمئنان، في مسار علاقتها بالولايات المتحدة.