الرئيسية / القرآن الكريم / مفاهيم القرآن الكريم – العدل و الاِمامة

مفاهيم القرآن الكريم – العدل و الاِمامة

العدل الاِلهي في الكتاب العزيز

آيات الموضوع

1.(شَهِدَ اللّهُ أنّهُ لاإِلهَ إِلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالقِسْطِ لاإِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزيزُ الحَكِيم) .(1)

2. (ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيد) .(2)

3. (إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍوَإِنْ تَكُ حَسنَةً يُضاعِفْها وَيُوَْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً).(3)

4. (فَمَا كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكن كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون).(4)

5. (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ* فَأَصَابَهُمْ سَيّئاتُ ما عَمِلُوا).(5)

6.(وَمَا اللّهُ يُريدُظُلْماً لِلْعِباد) .(6)
____________

(1)آل عمران:18.

(2)آل عمران:182.

(3)النساء:40.

(4)التوبة:70.

(5)النحل:33 ـ 34.

(6)الموَمن:31.
——————————————————————————–

( 14 )
وقبل أن نخوض في تفسير الآيات، نشير إلى مقدمة، وهي:

إنّ العدلية تصف اللّه سبحانه بالعدل بالمعنى المتفق عليه بين العقلاء، وبرهانها على ذلك هو انّالعقل قادر على تمييز الحسن عن القبيح، والعدل عن الظلم، واللّه سبحانه بما انّه حكيم لا يجور أبداً، فهاهنا دعويان:

الاَُولى: انّ العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وانّ التحسين والتقبيح من الاَُمور المنوطة بقضاء العقل.

الثانية: إذا تبيَّن أنَّ العدل حسن و الظُّلم قبيح فاللّه سبحانه موصوف بالعدل، نزيه عن فعل الظلم. وإليك بيان كلا الدعويين.

أمّا الدعوى الاَُولى فتدلُّ عليها أُمور:

الاَوّل: التحسين والتقبيح من الاَُمور البديهية

إنّ التحسين والتقبيح من الاَُمور البديهيَّة التي يدركها كلّ إنسان سليم الفطرة، فمثلاً يدرك انّ العمل بالميثاق حسن، والتخلّف عنه قبيح، أو انّ جزاء الاِحسان بالاِحسان جميل، وجزاءه بالسيّء قبيح.وهكذا سائر الاَفعال التي توصف بالحسن والقبح.

وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هوهو، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، خالقاً أم مخلوقاً، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.

وبعبارة أُخرى: كما أنّمسائل الحكمة النظرية تنقسم إلى نظرية وبديهية، ويستنبط حكم الاَُولى من الثانية، ولذلك عدّوا مسألة امتناع اجتماع النقيضين أو
——————————————————————————–

( 15 )
ارتفاعهما من المسائل البديهية في الحكمة النظرية.

فهكذا الاَمر في الحكمة العملية فمسائلها تنقسم إلى بديهية وغير بديهية، ويستنبط حكم الثانية من الاَُولى.

والتحسين والتقبيح من المسائل البديهية في الحكمة العملية، وقد حازتا على اهتمام واسع نظراً لدورهما في استنباط سائر مسائل الحكمة العملية.

ولاَجل إيضاح المراد نقول: إنّتحسين بعض الاَفعال وتقبيحها من الاَُمور البديهية للعقل، ويدلّك على ذلك اتّفاق عامة العقلاء مع اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم على وصف أفعال بالحسن، وأفعال أُخرى بالقبح، نظير:

أ: حسن العدل وقبح الظلم.

ب: حسن العمل بالميثاق وقبح نقضه.

ج: حسن جزاء الاِحسان بالاِحسان و قبح جزائه بالسيّء.

د: حسن الصدق وقبح الكذب.

هـ: حسن أداء الاَمانة وقبح الخيانة بها.

إلى غيرها من الاَُمور التي لا يختلف فيها اثنان، وهذا يدل على أنّتلك الاَفعال موصوفة بالحسن والقبح بالبداهة، وإلاّ لما اتفق عليه العقلاء كافة، ولذلك قلنا: إنّ التحسين والتقبيح أمران عقليان.

* الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقاً

لقد أنكرت الاَشاعرة قابلية إدراك العقل حسنَ الاَفعال وقبحها ، وذهبوا إلى أنّ القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكلّ ما أخبر بحسنه فهو حسن،
——————————————————————————–

( 16 )
وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنّهم غفلوا عن أنّهم بإنكارهم قابلية العقل لاِدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتى مع تصريح الشرع، وذلك لاَنّه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- بحسن شيء وقبحه، فمن أين نعلم أنّه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض انّ العقل عاجز عن درك حسن الاَوّل وقبح الثاني؟ فلا يصحّ إثبات حسن شيء أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلاّ أن يثبت قبلاً انّ الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت انّه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الاَمران لذهب الاِخبار بحسن الشيء أو قبحه سدى.

* الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة

لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شيء أو قبحه، وذلك لاَنّ القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يقول : إنّ حكمته سبحانه تصدّه عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادّعى رجل النبوة من اللّه وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته.

وأمّا إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحاً على مصراعيه، و ليس هنا دليل يردّ هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.

وهذه الاَدلّة الثلاثة التي سردناها على وجه الاِيجاز، تُشرف القارىَ على القطع بأنّ العقل له المقدرة على درك الحسن والقبح.هذا كلّه حول الدعوى الاَُولى.
——————————————————————————–

( 17 )
وأمّا الدعوى الثانية وهي انّه بعد ما تبيَّن انّ العدل حسن، والظلم قبيح، فاللّه سبحانه موصوف بالعدل ومنزّه عن الظلم، وذلك، مضافاً إلى أنَّه سبحانه حكيم، والحكيم يعدل ولا يجورـ أنّ الجور رهن أحد أمرين، إمّا الجهل بقبح العمل ، أو الحاجة إليه، والمفروض انتفاء كلا المبدأين عنه سبحانه.

وربما يقال إنّكون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الاِنسان لا يلازم كونه كذلك عند اللّه، فكيف يمكن استكشاف انّه سبحانه لا يفعل القبيح؟

والجواب عنه واضح لاَنّ المدرَك للعقل هو حسن الفعل على وجه الاِطلاق، أو قبحه كذلك، من دون أن تكون للفاعل مدخلية فيه سوى كونه فاعلاً مختاراً، وأمّا كونه واجباً أو ممكناً فليس بموَثرٍ في قضاءالعقل. وعلى ذلك فإذا ثبت كون الشيء جميلاً أو قبيحاً فهو عند الجميع كذلك.

* شمولية عدله سبحانه

يظهر من الآية الاَُولى انّعدله يعمُّ جميع شوَونه، حيث يقول: (شَهِدَ اللّهُ أنّهُ لاإِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولوا العلمِِ قائِماً بِالقِسْطِ) (1)فقوله: «قائماً» حال من لفظ الجلالة، في قوله: شهد اللّه، أو الضمير المنفصل، أعني: إلاّ هو.

والمتبادر منه أنّه سبحانه يجري العدل في عامة شوَونه في خلقه وتشريعه فهو عادل ذاتاً وفعلاً.

و تشهد على ذلك مضافاً إلى شهادته سبحانه به، شهادة الملائكة وأُولي العلم، فكأنّ الآية تنحل إلى الجمل التالية:
____________

(1)آل عمران:18.
——————————————————————————–

( 18 )
1.«شهد اللّه انّه لاإله إلاّ هو قائماً بالقسط».

2. «شهدت الملائكة انّه لاإله إلاّ هو قائماً بالقسط».

3. «شهد أُولو العلم انّه لاإله إلاّ هو قائماً بالقسط».

فالآية تدلُّ على شهادته سبحانه على أمرين:(1)

الاَوّل: لاإله إلاّ هو ، لا نظير له.

الثاني: انّه قائم بالقسط.

ومن المعلوم انّالشهادتين ليستا من مقولة الشهادة اللفظية، وإنّما هي من مقولة الشهادة التكوينية، ففعله سبحانه في عالم الخلقة يدل على أمرين:

الاَوّل: لا خالق ولا مدبّر إلاّهو، فانّ اتقان النظام، وسيادته على جميع الكائنات من الذرّة إلى المجرّة، لاَوضح دليل على أنّ الخالق والمدبّر واحد ، وإلاّ لانفصمت عرى الانسجام والاتصال بين أجزاء الكون، وقد أوضحنا في محلّه أنّ تعدّد العلة واختلاف السببين يستلزم اختلافاً في المسبب، فلا يمكن أن يكون النظام الواحد معلولاً لفاعلين مدبّرين مختلفين في الحقيقة.

الثاني: يشهد فعله سبحانه في عالم التكوين والتشريع انّه سبحانه عادل وقائم بالعدل.

وأفضل كلمة قيلت في تعريف العدل هي ما روي عن علي – عليه السّلام- ، حيث قال:

«العدل يضع الاَُمور مواضعها».(2)
____________

(1)ما ذكرنا مبنيٌّ على أنَّ قيامه بالقسط منالمشهود به خلافاً للسيّدالطباطبائي حيث خصَّ الشهادة بالتوحيد.

(2)نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم 437.
——————————————————————————–

( 19 )
بيان ذلك انّ لكلّ شيء وضعاً خاصاً يقتضيه إمّا بحكم العقل، أو بحكم الشرع والمصالح الكلية في نظام الكون، فالعدل هو رعاية ذلك الوضع وعدم الانحراف إلى جانب الاِفراط والتفريط.

نعم موضع كلّ شيء بحسبه، ففي التكوين بوجه، وفي المجتمع البشري بوجه آخر، وهكذا . وبلحاظ اختلاف موارده تحصل له أقسام ليس هنا مقام بيانها، إلاّ أنّ العدل بالنسبة إلى اللّه تعالى على أنحاء ثلاثة:

1. العدل التكويني: وهو إعطاوَه تعالى كلّ موجود ما يستحقه ويليق به من الوجود فلا يهمل قابلية، ولا يعطل استعداداً في مجال الاِفاضة والاِيجاد.

2. العدل التشريعي: وهو انّه تعالى لا يهمل تكليفاً فيه كمال الاِنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادية والمعنوية الدنيوية، والاَُخروية، كما أنّه لا يكلّف نفساً فوق طاقتها.

3. العدل الجزائي: وهو انّه تعالى لا يساوي بين المصلح والمفسد، والموَمن والمشرك، في مقام الجزاء والعقوبة، بل يُجزي كلّإنسان بما كسب، فيُجزي المحسن بالاِحسان والثواب، والمسيء بالاِساءة والعقاب، كما أنّه تعالى لا يعاقب عبداً على مخالفة التكاليف إلاّ بعد البيان والاِبلاغ.

وبذلك تبيَّن معنى الآية، وشهادته سبحانه على كونه قائماً بالقسط في جميع الاَنحاء.

وأمّا شهادة الملائكة و أُولي العلم وذلك فبتعليم منه سبحانه.

وأمّا سائر الآيات التي أوردناها في صدر الفصل، فهي غنية عن التفسير، لاَنّها بصدد بيان أنّ العذاب في الدنيا والآخرة رهن عمل الاِنسان، فلو عُذّب فإنّما
——————————————————————————–

( 20 )
هو لاَجل القبائح والذنوب التي اقترفها، يقول سبحانه: (ذلِكَ بِما قَدَّمَت أيديكُمْ وَ أنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبيد) .(1)

وقال عزّ من قائل: (فََمَاكانَ اللّهُُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهم يَظْلِمُون).(2)

واللّه سبحانه لا يظلم عباده ولو جاء العبد بحسنة يضاعفها، كما قال سبحانه: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُوَْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) .(3)

ولاَجل إيضاح عدله سبحانه في عالم التكوين والتشريع نعطف النظر إلى آيات تدل على ذلك في الفصل التالي.
____________

(1)آل عمران:182.

(2)التوبة:70.

(3)النساء:40.

شاهد أيضاً

مفاهيم القرآن الكريم

الفصل السادس العدل الاِلهي والمصائب والبلايا المصائب والبلايا في حياة الاِنسان من المسائل الشائكة التي ...