هم قلة قليلة من اَسرتهم نتائج الإنتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في تركيا وفاز فيها حزب العدالة والتنمية، ليعاود مرة اخری تشكيل الحكومة المقبلة في ترکيا من جديد. وبالطبع فان «رجب طيب اردوغان» الرئيس التركي الحالي في مقدمة قائمة الذين فرحوا بنتائج هذه الإنتخابات. لكن هنالك شريحة واسعة من الشعب الترکي ويزيد عددها علی الـ ٥٠% قد صدمت بهذه النتيجة وأبدت تململها وانزعاجها من أن تحكم البلاد من جديد، لاربعة أعوام قادمة من قبل اردوغان وأحمد داود اوغلو وحزب العدالة والتنمية الترکي. بالاضافة الی الانزعاج الداخلي، هنالك انزعاج واسع اقليمي ودولي، بسبب ما جاءت بها الإنتخابات التركية من نتائج. علینا أن نسأل لماذا كل عدم الترحيب الداخلي والدولي هذا تجاه الإنتخابات التركية، ومن هو المقصر في كل ذلك؟ هل هي سياسات حزب العدالة والتنمية الخاطئة تجاه الداخل والخارج او انفرادية وعجرفية قرارات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تجاه المنطقة ودول العالم؟ أم أن هنالك أمورا اخری تدور في فكر أعضاء حزب العدالة والتنمية التركي، مثل السعي الی تاسيس دولة عثمانية جديدة هي ما تخيف شعوب المنطقة وتؤدي الی رفض المشروع الذي یقوده اردوغان وحزب العدالة في ترکيا؟
لا شك أن رجب طيب اردوغان يحاول من خلال الاستعانة برصيد تنظيم الاخوان العالمي الشعبي، دعم فكرته التي تبتني علی تاسيس امبراطورية تركية جديدة علی غرار الامبراطورية العثمانية القديمة، لإستعادة الهيمنة السابقة التي تمکنت تركيا من خلالها أن تهيمن علی خيرات معظم شعوب العالم الإسلامي والعربي، باسم “الدين والخلافة”. طبعا الیوم لا أحد في عالمنا الإسلامي والعربي، سيقبل بان يفوض مستقبله بيد أشخاص علی شاكلة اردوغان والحزب الذي ينتمي الیه. فالعالم الإسلامي ليس بحاجة الی شخص يطلق علی نفسه «خليفة»، بل هو بحاجة الی الوحدة، وهذا هو عكس ما نراه اليوم في تصرفات تركيا. حيث أن تركيا تسعی الیوم الی تفتيت دول المنطقة وتقسيمها الی دويلات خاصة في سوريا والعراق.
ليست لوحدها دول المنطقة هي من لم ترحب بفوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التركية الاخيرة، بل حتی أمريكا وكذلك الكثير إن لم نقل جميع الدول الغربية تعاطت بفتور مع هذه الإنتخابات. حيث رأينا كيف باركت واشنطن هذه الإنتخابات للشعب التركي فقط وليس لحكومته، حيث يدل هذا الموقف الامريكي علی عدم الرغبة في مجيء حزب العدالة والتنمية مجددا للسلطة. لا بل أن هنالك من المراقبين الاوروبيين من اتهم السلطات التركية بعد إعلان النتائج بانها لم تجرِ الإنتخابات في ظروف عادلة، بل علی العكس من ذلك فقد سخّر حزب العدالة والتنمية التركي جميع إمكانيات البلاد خاصة الاعلام الرسمي لخدمة مشروعه الإنتخابي.
وبالاضافة الی كل ذلك، هنالك تصرفات اخری مثل سياسة الضغط علی الاكراد في تركيا والسياسة المعادية لهم في سوريا من قبل تركيا، تزعج أمريكا. فالقضية الكردية في المنطقة تقع علی النقيض من مصالح أمريكا وتركيا، حيث أن انقرة تری الاكراد في تركيا والمنطقة تهديدا لمصالحها الوطنية، بينما تنظر واشنطن للاكراد في تركيا ودول المنطقة علی أنهم فرصة لتحقيق المصالح الأمريكية في منطقتنا، حيث تحاول واشنطن دغدغة تطلعات الاكراد للانفصال عن تركيا والعراق علی أساس تجزئة المجزأ.
وأما إذا اردنا البدء في الحديث عن الانزعاج الغربي إثر فوز حزب العدالة والتنمية التركي، فهنالك العديد من العوامل، وياتي في مقدمتها أزمة اللاجئين التي اتعبت الدول الاوروبية في الآونة الاخيرة. حيث كانت تركيا المسبب الرئيسي في هذه الأزمة وذلك من خلال فتح أبواب حدودها أمام عشرات الآلاف من المهاجرين الراغبين في الهجرة الی أوروبا. هذه الهجرة غير المنتظمة التي تعرضت لها العديد من الدول الأوروبية الحقت اضرارا بالاقتصادات الاوروبية في المرحلة الراهنة، بغض النظر عن أن بعض دول اوروبا مثل المانيا هي في الاساس بحاجة الی الید العاملة الرخيصة والتي ستحصل علیها من خلال استضافة اللاجئين.
ليست هي الدول الغربية وأمريکا فقط من ابدت عدم ارتياحها لنتائج الانتخابات التركية، بل معظم الصحافة في هذه الدول ايضا انتقدت الطريقة التي فاز من خلالها اردوغان وحزبه في هذه الإنتخابات. حيث أشارت هذه الصحافة الی أن اردوغان وحزب العدالة والتنمية استخدموا بث الرعب والخوف في نفوس الناس للحصول علی آرائهم، وذلك من خلال الإدعاء بان عدم التصويت لحزب العدالة والتنمية سيؤدي الی الفوضی في البلاد وتشكيل حكومة ضعيفة غير قادرة علی استتباب الأمن في تركيا. وفي هذا السياق طالبت مجلة ايكونوميست البريطانية، الاتراك بعدم التصويت لحزب العدالة والتنمية ورئيسه اردوغان. كما أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن فوز حزب العدالة ادی الی اضرار في تركيا، في اشارة الی احتمالیة توتر العلاقات بين الغرب وتركيا في المستقبل. وتضيف هذه الصحيفة البريطانية أن فوز حزب العدالة والتنمية أضر بالمؤسسات التركية ودستورها الاساسي وادی كذلك الی عداء الاقليات مثل الاكراد تجاه نظام الحكم الذي يقوده اردوغان. وفي هذا السياق قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الامريكية في مقال لها تحت عنوان «تكتيكات الترهيب التي انتهجها اردوغان أثمرت»، إن المخيف في الامر أن يستخدم اردوغان فوزه للانتقام من المعارضة وترهيب منتقديه، بعد ان اتهمته الصحيفة باثارة الاضطرابات في البلاد قبل اجراء الانتخابات، لاخافة الشعب من الفوضی.
إذن علینا أن نتريث قليلا لنری كيف سيعمل السيد رجب طيب اردوغان من جديد تجاه دول المنطقة والعالم والمعارضة داخل تركيا، في ظل رفض برامجه من قبل أكثر من ٥١% من الشعب التركي، وكذلك انزعاج دول المنطقة وحلفاء تركيا مثل الدول الغربية وأمريكا من عودة حزب العدالة مجددا الی السلطة. وبالطبع من المحتمل أن اردوغان سيواجه الكثير من المشاكل في المستقبل، لذا علیه التصالح اولا مع معارضيه في الداخل ومن ثم حلحلة خلافاته مع العالم ودول الجوار إن اراد عودة الهدوء والتقدم لتركيا والمنطقة.