لم تكد أمريكا تتوقف عن جهودها ومحاولاتها لاستعادة نفوذها السابق في إيران والذي يعود تاريخه لما قبل إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بزعامة الإمام الخميني (قدس) في عام ١٩٧٩. حيث تحاول أمريكا الیوم عبر التغطية علی ملفاتها السابقة، سيئة السمعة في إيران، اخداع فئة من السياسيين داخل المجتمع الإيراني، ليصدقوا أن واشنطن الیوم، ليست واشنطن الامس، المعادية للشعب الإيراني ومصالحه، وأنها غيرت جميع مواقفها السابقة تجاه الشعب الإيراني، والتي الحقت به اضرارا جسيمة لمدة تزيد علی الخمسين عاما. لكن الذين هم علی دراية عالیة ومطلعين علی كوالیس الامور في إيران، لازالوا يصرون علی مواقفهم السابقة والرافضة لاي اقتراب باتجاه أمريكا، معتقدين أن واشنطن تبحث علی الفرصة المناسبة، لطعن إيران في الصميم مجددا، من خلال التستر بقضايا مثل ضرورة إنهاء العداء الإيراني الأمريكي وعودة العلاقات السياسية الثنائية بين واشنطن وطهران الی مجاريها الطبيعية. فهل حقا أن واشنطن غیرت مواقفها تجاه إيران، أم أنها لازالت علی نفس العداء التي کانت عليه سابقا تجاه إيران؟ وماذا عن مساعيها للتغلغل في هذه الدولة مجدداً؟
وفي ظل هذه المساعي المشبوهة للنفوذ في إيران من قبل أمريكا والتي شهدت خلال الفترة الاخيرة قفزة نوعية من قبل واشنطن ودوائر صنع القرار الأمريكي بالتعاون مع العديد من المنظمات الامريكية الإيرانية المعادية لإيران، ظهرت بعض الشواهد التي تدل علی أن أمريكا لازالت هي نفس تلك الإدارة الامريكية التي قطعت إيران علاقاتها معها قبل أكثر من ثلاثة عقود، ولازالت تترصد الفرص للانقضاض علی إيران واسقاط نظامها الإسلامي.
وخلال العقود الثلاثة الماضية، اوقفت إيران العشرات من شبكات التجسس المرتبطة بالمخابرات الإيرانية، كانت مهمة هذه الشبكات جمع مختلف المعلومات العسكرية، والاقتصادية والسياسية والتقنية. فضلا عن اغتيال العديد من رموز الثورة الإسلامية في إيران علی يد العناصر المرتبطة بالاستخبارات الأمريكية طيلة الفترة الماضية، فقد قام أفراد هذه المجموعات التجسسية بجمع المعلومات في شتی المجالات خاصة حول البرنامج النووي الإيراني، مما ادی ذلك علی الاقل الی إغتيال ٤ من العلماء النووين الإيرانيين.
ولم تكتفي واشنطن فقط بارسال عناصر بشرية الی إيران، لتشكيل خلايا تجسسية، لجمع المعلومات الاستخباراتية حولها، بصفة سياح ورجال أعمال وصحفيين، بل أن أمريكا رصدت ميزانية ضخمة عبر البنتاغون و وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي آي آيه)، لاستخدام الطائرات بدون طيار للتجسس علی المراكز النووية والعسكرية والمراكز الحيوية الاخری الإيرانية. وخير دليل علی ذلك، هو اسقاط طائرة التجسس الامريكية من الجيل المتطور جدا والمعروفة باسم « RQ ١٧٠ » في عام ٢٠١١ علی يد قوات الحرس الثوري في إيران.
وفي هذا السياق بدءت مؤخرا أمريكا جهودا جديدة للنفوذ في إيران، تعتمد فيها علی تعاونها مع ما يعرف باسم «المجلس الوطني الإيراني الأمريكي» (National Iranian American Council )، كون أن غالبية عناصر هذا المجلس يتشكل من الإيرانيين المعارضين والمقيميين في أمريكا، باعتبارهم الاعرف بشؤون إيران ورغبات الشعب الإيراني وتطلعاته المستقبلية. حيث تعرض هذه المنظمة باستمرار وجهة آرائها علی الساسة الأمريكيين وصناع القرار من عبر المؤتمرات التي تعقدها سنويا في أمريكا. حيث قدمت هذه المنظمة والمنظمات الاخری العديد من الإقتراحات للقيام بها من قبل الامريكيين بهدف استقطاب جزءً من النخب والشعب الإيراني، والغاية الاساسية من هذه الاقتراحات، هي عودة النفوذ الأمريكي في إيران. وكان من أهم المقترحات المقدمة في هذا السياق كما يلي:
١) عقد المؤتمرات العلمية بين إيران وأمريكا (بهدف بدء دوبلوماسية علمية بين الطرفين)
٢) التعاون في مجال الطاقة النظيفة (بما أن إيران بحاجة ماسة الی الطاقة النظيفة خاصة في المدن الكبيرة مثل العاصمة طهران للتخلص من التلوث البيئي، فان هذا التعاون سيكون محل ترحاب من قبل الإيرانيين وفق المنظريين لعودة النفوذ الامريكي في إيران)
٣) زيارة إيران من قبل رئيس اللجنة العلمية التابعة الكونغرس الأمريكي (والهدف من هذه الزيارة اخداع الإيرانيين بان الكونغرس الامريكي باعتباره أشد خصوم إيران، في أمريكا، يمكن أن يتعاون مع الإيرانيين في المجالات العلمية في حال غييرت إيران سلوكها تجاه أمريكا)
٤) زيارة إيران من قبل رؤساء أهم الجامعات الأمريكية
٥) منح عدد أكبر من طلاب الجامعات الإيرانية، منح للدراسة في أمريكا والدول الاوروبية
٦) التعاون البيئي مع إيران لإحياء بحيرة «ارومية» التي توشك علی فقدانها للحياة البيئية
جميع هذه البرامج تشير الی أن لدی أمريكا برنامج مدروس للنفوذ مجددا في إيران، لكن لابد أن يکون هذا البرنامج دون أن يثير شكوك الشعب الإيراني والتيارات المحافظة في إيران.
وفي هذا السياق حذر قائد الثورة الإسلامية في إيران كرارا ومرارا من خطر النفوذ الامريكي، مؤكدا أن أمريكا لم تغير من سياستها العدائية تجاه إيران قيد انملة. حيث أكد سماحة قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علی الخامنئي لدی لقائه مع العلماء المشاركين في الإجتماع السادس لمجمع أهل البيت علیهم السلام الذي عقد قبل فترة في طهران، علی ضرورة التصدي من قبل إيران لمساعي واشنطن للتغلغل والنفوذ في هذه الدولة، حتی في حال توصلت إيران والمجموعة السداسية الی إتفاق نهائي، حول البرنامج النووي الإيراني. حيث قال سماحته في هذا السياق: ان الاميركيين يريدون من إتفاق ليس معلوما مصيره او القبول به لغاية الآن (ويقصد الاتفاق النووي)، لا في ايران ولا في اميركا، لاستخدامه وسيلة للتغلغل في ايران، الا أننا أغلقنا هذا الطريق بحزم، وسنستخدم كل طاقاتنا العالیة لمنع التغلغل الاقتصادي والسياسي والثقافي او التواجد السياسي للاميركيين في ايران.
وفي مناسبة اخری استقبل فيها قائد الثورة الإسلامية في إيران، الآلاف من قوات وكوادر حرس الثورة الإسلامية، تحدث سماحته بتفصيل عن خطر النفوذ السياسي والإقتصادي والثقافي، علی مستقبل البلاد، وضرورة التصدي له بكل قوة. حيث قال في هذا اللقاء: قلنا إن نفوذ الأعداء و تغلغلهم هو الیوم من التهديدات الكبيرة التي تحدق بهذا البلد (إيران). إنهم يرومون النفوذ و التغلغل، فما معنى النفوذ؟ ربما كانوا يرمون إلى النفوذ الاقتصادي، و هو طبعاً أقل أنواع النفوذ أهمية، و قد يكون النفوذ الأمني أيضاً من أقل أنواع النفوذ أهمية. النفوذ الأمني ليس بالشيء الصغير، لكنه قليل الأهمية إلى جانب النفوذ الفكري و الثقافي و السياسي. للنفوذ الأمني عوامله الخاصة، و على المسؤولين بمختلف صنوفهم – و منهم الحرس أنفسهم – أن يمنعوا التغلغل الأمني للأعداء بكل اقتدار إن شاء الله . و على الصعيد الاقتصادي ينبغي أن تكون الأعين البصيرة للمسؤولين الاقتصاديين مفتحة و مراقبة لئلا يمارس العدو تغلغله و اندساسه الاقتصادي، لأن نفوذ العدو يضعضع أسس الاقتصاد القوي. (..) الرأسمالی الفلاني يريد للسبب الفلاني أن يركّع ذلك البلد فيسحب رأسماله من ذلك البلد، أو يستولي بطريقة تفرض الركوع على ذلك البلد. هذا أيضاً على جانب كبير من الأهمية، لكنه أقل أهمية بالمقارنة إلى الاقتصاد الثقافي و الاقتصاد السياسي و النفوذ السياسي و النفوذ الثقافي، و الأهم من كل شيء هو النفوذ السياسي و الثقافي . يحاول الأعداء على الصعيد الثقافي تغيير معتقدات المجتمع، و زعزعة تلك المعتقدات التي أبقت هذا المجتمع واقفاً على قدميه بحيوية. يريدون المساس بها و الإخلال و التغلغل و إيجاد ثغرات فيها. ينفقون الأموال بالمليارات لأجل تحقيق هذا الهدف. هذا هو النفوذ و التغلغل الثقافي».
وفي النهاية نعود مجددا الی مساعي أمريكا لبسط نفوذها وتغلغلها داخل المجتمع الإيراني عبر استخدام الجواسيس للعمل في إيران، فقد أعلنت إيران خلال الأيام الماضية القاء القبض علی «نزار زكا» وهو مواطن أمريكي من أصل لبناني، حيث كان ينشط في إيران لجمع المعلومات الإستخباراتية لصالح واشنطن. وبالاضافة الی ذلك فقد اوكلت له مهمة العمل مع بعض عناصر المعارضة داخل إيران، تنظيم موجة إحتجاجات لعرقلة تنفيذ مشروع الإنترنت الوطني، والذي تهدف من ورائه إيران، مكافحة التجسس الاجنبي عبر الإنترنت، ورفع نسبة الامن المعلوماتي في المؤسسات الأمنية والاقتصادية مثل المصارف. إذن إنكشاف أمر مثل هذا الجاسوس الأمريكي في إيران، يدل علی أن أمريكا ليست صادقة في دعواتها تجاه إيران ولهذا فلا يمكن الإعتماد علیها، علی الاطلاق. إذن فان مساعي واشنطن للنفوذ والتغلغل مجددا في إيران، تهدف الی زعزعة الامن والاستقرار، واستهداف المعتقدات الثقافية والدينية، بالاضافة الی شل الاقتصاد الإيراني.