إن زيادة تدفق النفط من الخليج العربي لتفادي أزمة الطاقة العالمية المحتملة، هي التي دفعت مخططي الحرب على العراق وليست أسلحة الدمار الشامل ولا الديمقراطية.
(( المقال منشور يوم 21 / 3 / 2014 )الذكرى الحادية عشرة لحرب العراق عام 2003. ومع ذلك، فان الكثير من وسائل الإعلام لم تستطلع الدافع الحقيقي وراء الاجتياح الأنكلو – أميركي لهذا البلد .
وكانت التقارير فاشلة وغير كفوءة عن المجهود سيئ الإدارة لتحرير العراق من الطغيان، وكان مسار الحرب يزخر بعدم الكفاءة على نطاق واسع، إلا ان هذا لا يمحو كذب المنطق البارد والستراتيجي الذي دفع المخططين للحرب في الولايات المتحدة وبريطانيا في المقام الأول.
واستناداً إلى المشروع الشائن الخاص بوثيقة (القرن الأميركي الجديد) الذي وقعه كبار مسؤولي إدارة بوش في1997 “بما ان النزاع الذي لم يحل مع العراق يوفر تبريرا فوريا “للولايات المتحدة ” كي تلعب دورا اكثر ديمومة في أمن الخليج، فان الحاجة إلى وجود قوات أميركية كبيرة في منطقة الخليج تتجاوز قضية نظام صدام حسين”. لذا فان أسلحة صدام للدمار الشامل لم تكن هي القضية، ولا حتى صدام نفسه.
القضية الحقيقية مذكورة بصراحة في تقرير عام 2001 حول “أمن الطاقة”، بتكليف من نائب الرئيس الأميركي حينها ديك تشيني الذي نشره مجلس العلاقات الخارجية ومعهد جيمس بيكر للعلاقات العامة.
وحذّر التقرير من أزمة طاقة عالمية وشيكة من شأنها أن تزيد من ضعف الولايات المتحدة والعالم وتدفع إلى عجزها والى مواجهة تقلبات لم يسبق لها مثيل في أسعار الطاقة. وذكر التقرير ان المصدر الرئيسي للعجز هو “التوتر في الشرق الأوسط ” بشكل خاص وان العراق هو الذي يشكّل هذا التهديد.
كما بيّن التقرير ان مسؤولي الولايات المتحدة قد فقدوا الثقة بصدام حسين بسبب سياساته المتقلبة وغير المتوقعة في تصدير الطاقة، ففي عام 2000 أصبح العراق “منتجا متأرجحا يفتح صنابير النفط ويغلقها عندما يشعر بأن مثل هذا الإجراء يصب في صالح ستراتيجيته. وهناك احتمال ان يقطع صدام النفط العراقي عن السوق لفترة من الزمن من أجل الإضرار بالأسعار.
ويبقى للعراق تأثير متذبذب في تدفق النفط إلى الأسواق العالمية من الشرق الأوسط، كما أبدى صدام رغبته في التهديد باستخدام سلاح النفط واستخدام برنامجه التصديري للتلاعب بأسواق النفط.
هذا من شأنه ان يعرض قوته الشخصية ويعزز صورته كزعيم قومي ويضغط على الآخرين من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عن نظامه. على الولايات المتحدة ان تتخذ نهجا فوريا تجاه العراق بما في ذلك التخمينات العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، ثم عليها القيام بتطوير ستراتيجية موحدة مع ابرز حلفائها في أوروبا وآسيا ومع البلدان المهمة في الشرق الأوسط، من أجل إعادة وضع الأهداف في ما يتعلق بالسياسة تجاه العراق واستعادة ائتلاف متماسك من الحلفاء البارزين”.
وكانت حرب العراق جزئيا بسبب الفوائد الكبيرة لتكتلات النفط الأنكلو – أميركية التي كانت بمثابة منحة.
وكان الهدف الحقيقي – كما وثقه كريغ موتيت في كتابه “سكب الوقود على النار” نقلا عن ملفات غير مصنفة لوزارة الخارجية من عام 2003 صعودا – هو استقرار إمدادات الطاقة العالمية من خلال ضمان تدفق النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، وفوائد للشركات الأميركية والبريطانية التي كانت تشكّل هدفا مهماً لكنه ثانوي.
وتكمن المصلحة الستراتيجية الأكثر أهمية في توسيع إمدادات الطاقة العالمية من خلال الاستثمار الأجنبي في بعض من أكبر احتياطات النفط في العالم وبالأخص العراق، وهذا يتماشى مع الغاية الثانوية من تأمين عقود لشركاتهم.
لاحظ ان الوثائق الستراتيجية المنشورة هنا تشير إلى “إمدادات الطاقة البريطانية والعالمية”، يتم أمن الطاقة البريطانية من خلال كونها إمدادات عالمية وافرة – وليس عن تدفق محدد.
وتبين الوثائق ان الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا تسعيان إلى خصخصة إنتاج النفط العراقي مع السماح للشركات الأجنبية بالسيطرة عليه.
وتقول تفاصيل الاجتماع المنعقد في 12 مايس ان “الشكل المستقبلي للصناعة العراقية سيؤثر على أسواق النفط وعلى عمل منظمة أوبك، وفي كليهما ستكون لنا مصالح حيوية. والنتيجة المطلوبة من صناعة النفط العراقي المتعرجة هي قطاع نفطي مفتوح يجذب الاستثمار الأجنبي مع ترتيبات مناسبة لاستغلال حقول جديدة “.
وتضيف الوثائق قائلةً “تبدو مشاركة الشركات الأجنبية أنها الحل الوحيد الممكن” لجعل العراق مصدّرا موثوقا للنفط. هذا سيكون “حساسا سياسيا” و “يتطلب تناولا متأنيا كي نتجنب الانطباع باننا نحاول دفع العراقيين إلى مسار معين”.
ويجب على وسائل الإعلام، التي ادعت بعدم وجود تخطيط لمرحلة ما بعد حرب العراق، إمعان النظر في السجلات العامة.
الحقيقة هي ان الخطط الموسعة لإعادة الإعمار ما بعد الحرب قد جرت متابعتها، إلا أنها لم تنظر في القضايا الإنسانية والمجتمعية، وإنما ركزت على إبقاء الهياكل الاستبدادية لنظام صدام بعد إسقاطه، بينما قامت بتحديث البنية التحتية للنفط العراقي من أجل فائدة المستثمرين الأجانب.
فمثلا، أكدت مجموعة من التقارير الحديثة كيفية قيام وزارة الخارجية بتشكيل 17 مجموعة عمل منفصلة للعمل خارج خطة عمل ما بعد الحرب. “سيحكم العراق مسؤول عسكري أميركي رفيع .. بإدارة مدنية تفرض قانونا عسكريا”.
وتصورت الولايات المتحدة “دورا أميركيا كبيرا و طويلا في إدارة إعادة إعمار البلد.. مع دور متواصل لآلاف القوات الأميركية المتواجدة على مدى السنوات القادمة في الدفاع عن حقول النفط التي بالتالي ستتم خصخصتها مع صناعات أخرى ساندة “.
من جانبه أكد الفريق جيمس أيليري، مستشار مكتب الخارجية لدى سلطة الائتلاف المؤقتة في بغداد منذ 2003، الدور الحاسم لاحتياطات النفط العراقي في تخفيف النقص العالمي من النفط. لقد ساعدت حرب العراق في اجتناب ما وصفه أيليري بـ “موجة التشريق”، وانتقال السلطة العالمية السياسية والاقتصادية باتجاه الصين و الهند اللتين يذهب أليهما ثلثا نفط الشرق الأوسط.
ويؤكد أيليري على الأهمية الستراتيجية لحقول النفط العراقية في ما يتعلق بخطر قمم الإنتاج التي يجري خرقها في احتياطات نفطية كبيرة في أنحاء العالم. يقول “تصاعد الإنتاج الروسي إلى 10 ملايين برميل في اليوم الواحد، وأثبت النفط الأفريقي بانه بطيء ولا يوفر إمدادات إضافية بأسعار مناسبة.
بهذا فان الزيادة الكبيرة الوحيدة قريبة الأجل ستكون من العراق”.
وسواء أكان العراق يفضل الشرق أو الغرب، فان ذلك سيشكل زعزعة ليس فقط داخل المنطقة وإنما في بلدان بعيدة . ويقول أيليري ان “العراق يحمل مفتاح الاستقرار في المنطقة، بسبب عدد سكانه الكبير نسبيا والمستهلك، ولكونه ثاني اكبر احتياطي للنفط غير المستغل، ولموقعه الجيوسياسي على الطرق بين آسيا وأوروبا والجزيرة العربية وشمال أفريقيا – أي انه بمثابة طريق الحرير”.
ورغم عدم الاستقرار المتصاعد والإرهاب الداخلي، فان العراق يستعيد اليوم مرتبته كواحد من البلدان الأسرع تصديرا في العالم. إذن فالدافع الأساسي للحرب – تعبئة إنتاج النفط العراقي للحفاظ على التدفق العالمي والأسعار العالمية المعتدلة – كان ناجحا لحد الآن وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وبعد مرور أحد عشر عاما، لا شك أن حرب العراق عام 2003 كانت من بين أولى حروب الموارد الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة