الغموض البناء، أو الهدام، على شاكلة مقلاة «التيفال»، لا يلتصق المرتكبون به، ولو كانوا معروفين بالاسم والموقع والتاريخ. ومع مرور قرابة خمسة أعوام على اندلاع الحرب «الأخوية» على سوريا، لا تزال كلفة هذه الحرب مجهولة الى اليوم. تُرْمَى أرقام في الهواء من دون إسناد أو تدقيق، لكن المعروف هم الممولون والمحرضون، القادرون على الاستمرار ولفترة طويلة في عمليات شراء السلاح والعتاد والتجهيزات ومواكبة العدوان، بـ «رأي عام» وبنى تحتية مساعِدة على اطالة أمد المعارك.
«التيفال» لن ينفع قطر والسعودية هذه المرة. الدولتان الثريتان، وبحسب تقارير صحافية موثقة بالاسماء، تشتريان صواريخ «سام 3» من أوكرانيا للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وتعملان على تكثيف تسليح هذه المنظمات، في محاولة لمواجهة التفوق الجوي الروسي الذي يهيئ الميدان السوري لمعركة حاسمة. سباق التسلح هذا، والسلاح النوعي المستجد في المعركة، قد يضع الدولتين العربيتين في عين العاصفة. هيبة روسيا وسمعتها على المحك. ومع اسقاط «السوخوي» الأولى، من المؤكد أن فترة السماح الروسية ستقصُر ومعاييرها ستتشدد.
روسيا كانت وجهت رسالة شديدة اللهجة الى الدوحة خلال إحدى جلسات مجلس الأمن التي كانت مخصصة للأزمة السورية. إذ حين اعترضت قطر على «الفيتو» الروسي المتكرر وقتها، خاطب مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين، وبكلّ هدوء أعصاب، رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم قائلاً: «إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم. أنت ضيف على مجلس الأمن، فاحترم نفسك، وعد لحجمك، أنا أساساً لا أتحدث معك، أنا أتحدث باسم روسيا العظمى». الآن موسكو في طريقها للانتقال من الكلام الى الافعال.
سباق التسلح لن يكون إلا على حساب دماء الشعب السوري. إطالة أمد الحرب، هي إطالة لأمد النزوح، ولطوابير لاجئين ينتظرون قوارب الموت. لكن الرياض والدوحة غير معنيتين بالأمر. رياح الحرب لن تمّر فوقهما، بحسب تقديراتهما. لن يجرؤ أحد على إشعال حرب إقليمية في حقول النفط الرئيسية.
موسكو من جهتها، تخوض حربا مباشرة ضد الارهاب، يزداد يوميا عدد الدول المنخرطة معها فيها عن قناعة وضرورة. صحيح أنها لن تبادر الى شن حرب جديدة في الخليج، الا أنها قادرة على بناء قضية جدية ضد نظامَي الرياض والدوحة، لا أنقرة، بحكم انهما راعيان للتنظيمات السلفية الجهادية. القضية مرشحة لأن تتدحرج الى عقوبات ومن ثم حصار وما يسببه من قلاقل داخلية وعدم استقرار يؤدي حكماً الى بداية العد العكسي للنظام الملكي والأميري في كلا الدولتين.
بامكان الرياض، وتاليا الدوحة التراجع عن عنادهما في ما يختص بالأزمة السورية، لا ضناً بالسوريين، بل ضناً ببقية العرب. بعد العراق وسوريا وليبيا ومصر والصومال، لم يعد الراهن العربي يحتمل نكسات.
لائحة الدول العربية الغارقة في حروبها مرشحة لأن تطال العرب كلهم. تدارك هذا الامر ممكن. القضية لم تعد نزوة أمير، ولا تجميع أوراق في عدن أو في بيروت أو الخرطوم. موسكو تبحث عن نصر يعوض خسارتها في أفغانستان، وفي هذه الحالة تقضي النباهة السياسية وغريزة البقاء بأن لا تمنح السعودية وقطر روسيا فرصة من هذا النوع.