وجَّهَ الإمام السيد علي الخامنئي رسالةً جديدةً إلى الشباب في البلدان الغربية، إحساساً منه بالمسؤولية تجاه هذه الفئة، والتي تعتبر جيل المستقبل القادر على فهم الحقائق والعمل على تغيير المفاهيم، خصوصاً بعد الأحداث المريرة التي شَهِدَتها فرنسا مؤخراً، بحسب تعبير الإمام الخامنئي.
وهنا ومن خلال القيام بتحليل الخطاب وبطريقةٍ موضوعية، يمكن أن نصل للعديد من الإستنتاجات التي تدل على أهمية الرسالة. فكيف شكلت الرسالة كلاماً دخل قلوب الملايين في العالم الغربي الى جانب العربي والإسلامي؟ وأين العالمية في خطاب الإمام الخامنئي؟
إنطلق الإمام الخامنئي في رسالته من مفهوم المعاناة، والذي أصبح حالةً مُشتركةً لدى الدول والشعوب في العالم.
مما يجعل موضوع الرسالة أمراً عالمياً بإمتياز. فقد أشار سماحته الى أن معاناةَ الإنسان محزنةٌ في أيِ مكانٍ من العالم سواء في فرنسا أو في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا.
وهو بهذه الطريقة حاول نقل صورة الإسلام الحضاري، من خلال تبيين أننا كمسلمين نشعر معكم أيتها الشعوب الغربية. في محاولةٍ لتبيين عالمية القيم الإسلامية، وهو ما يخالف قِصَرَ نظر الغرب كأنظمة، في تعاطيهم مع الشعوب الأخرى. وفي إجابةٍ منه على التساؤل الذي يحاول الشعب الغربي الوصول لإجابةٍ حوله، فيما يتعلق بأسباب وصول حالة الدول الغربية لما هو عليه.
دعى الإمام الخامنئي الشباب الغربي إلى استلهام الدروس من محن اليوم وسد الطرق الخاطئة التي أوصلت الغربَ إلى ما هوَ عليهِ الآن . وهو من خلال ذلك أراد عصف عقول الجيل الذي يعيش اليوم، ليُعيد النظر في سياسات الغرب الحالية والماضية، والتي تعتبر سبب إبتلاءات شعوب المنطقة، وكذلك الشعوب الغربية.
ولأن الغرب سعى دوماً لقلب الحقائق، أراد الإمام نقل الواقع الذي تعاني منه المنطقة، في محاولةٍ لإعطاء الشعوب الغربية نموذجاً حياً عن مدى زيف إدعاءات أنظمة الغرب. فقد أشار الإمامُ الخامنئي الى أن العالم الإسلامي كان ضحيةَ الإرهاب والعنفِ بأبعادٍ أوسع بكثير، من الذي يعاني منه الشعب الغربي اليوم. وهو بذلك أراد نقل قضايا المنطقة الى العالم، من خلال نقل الصورة الحقيقية التي يشوهها الإعلام الغربي كما مسؤولوه.
وفي إجابةٍ على أصل المشكلة، أكد الإمام أن هذا العنفَ الذي عانت منه منطقتنا وتعاني منه الدول الغربية اليوم، كان للأسف مدعوماً على الدوام من قبل بعض القُوى الكبرى بأساليبَ متنوعة. مشيراً الى أن هذه الحقيقة ولا سيما دور واشنطن، أصبح جلياً وواضحاً لدى الجميع. وقد أشار سماحته الى أمثلةٍ يمكن أن تكون سهلة الخضوع للتحقيق الهادف لمعرفة الحقيقة لدى الشباب الغربي، من خلال حديثه عن دور أمريكا في تكوينِ وتقويةِ وتسليحِ القاعدة وطالبان تحديداً.
وفي محاولةٍ من الإمام لتبيين خطر وخطأ السياسات الغربية، أشار الإمام الى أن كل أشكال الديمقراطيات الفاعلة في المنطقة تتعرض للقمعِ بكلِ قسوة. مؤكداً على وضوح سياسة الإزدواجية في تعامل الغرب مع حركة الصحوة في العالم الاسلامي، كدليلٍ على التناقضِ في السياساتِ الغربية.
إذن سعى الإمام من خلال خطابه لتعريف الغرب على حقيقة الإسلام، وبلغةٍ حضاريةٍ تعتمد على الواقع في الإستدلال، وتخاطب الإنسان بلغة العقل والقلب. ومن خلال موقعه كوليٍ لأمر المسلمين في العالم، حاول الإمام ومن قلب الحدث، نقلَ معاناة العالم الإسلامي من خطر الإرهاب وانعدام الأمن، وخاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تعتبر قضية العصر التي يجب النظر إليها بأنها القضية المركزية التي ومن خلال إيجاد الحل لها، يمكن أن تسقط كل المشاكل الأخرى في العالم. وهو ما يتطلب تنسيقاً لا سيما على الصعيد المجتمعي والإعلامي.
ولعل أبرز ما في الرسالة هو توعية الشعوب الغربية لا سيما الشباب الى ضرورة معرفة الذات والتي تتعلق بالقيم الإنسانية، وهو ما يمكن أن يجمع العالم بأسره. كما يعتبر ذلك مفتاح فهم حقيقة الإستكبار العالمي الذي تمارسه الدول الغربية لا سيما أمريكا. كما أن تراجع شعبية السياسيين لا سيما الموجودين في الحكم في الدول الغربية، يمثل حجم الفجوة بين خيارات الشعوب والسياسيين الحاكمين. ويعتبر رؤساء أمريكا وفرنسا، الى جانب رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية ميركل، نماذج حية لذلك.
لم تكن رسالة الإمام الخامنئي إلا رسالة القيادة المدركة لحقائق الواقع الذي يشوهه الغرب حتى لشعوبه. فيما شكلت بحد ذاتها جواباً للعديد من التساؤلات لدى المجتمعات في العالم. لتكون الرسالة منعطفاً في تاريخ شعوب المنطقة والعالم، لما رسخته من حجةٍ على العارفين، ودليلٍ للذين يبحثون عن الحقائق.