لقد اعتاد القارئ على المواقف الغير اعتيادية في السياسة الأمريكية-السعودية-الغربية الحالية في العراق و سوريا. ففي الوقت الذي يقوم به “التحالف” بقصف مقرات تنظيم داعش الارهابي، و يرسل بمدربيه و مستشاريه إلى الحكومة العراقية و الأكراد لقتال داعش، يفعل العكس تماما في سوريا. فيقوم “التحالف الغربي-السعودي” بالمصادقة على مؤتمر الرياض الأخير الذي كان يضم عدد كبيرا من ممثلي التنظيمات الارهابية، و بهذه المصادقة تكون قد أعطت الولايات المتحدة شرعية لتنظيمات ارهابية تحت اسم المعارضة السورية و تكون بذلك عرقلت المسار السياسي للقاءات فيينا و مبادئه المتفق عليها دولياً، لتعيد الرياض و باسم الولايات المتحدة «القطار» إلى النقطة الصفر، محاولةً أن تنطلق مجدداً بسائق من اختيارها و بمرجعيه جديده هي “السعودية”. فمن هي التنظيمات الارهابية المشاركة في مؤتمر الرياض؟ و ما هي الأهداف الحقيقة من وراء المؤتمر؟
التنطيمات الارهابية في الرياض
كانت كثيرة هي التنظيمات الارهابية المشاركة في مؤتمر الرياض الأخير، و كان أبرزها على الشكل التالي
– إياد شمسي هو رئيس المكتب العسكري لـ “جبهة الأصالة و التنمية” ، الجبهة تريد دولة اسلامية في سوريا، رئيسها الحقيقي خالد الحماد مقيم في الكويت و تمويلها يأتي من بعض مشايح السلفية في الكويت، وهي قريبة في منهجها من “جيش الاسلام”. و تشكلت بشكل اساسي في دير الزور و الميادين و البوكمال ، و تنسب اليها عمليات الكفن الابيض ضد “داعش “، و هم على علاقة وطيدة بـ “جيش سوريا الجديد” الذي أسسّته السعودية من أبناء عشائر دير الزور، ولا يزال في قواعده السعودية كما يعتقد.
– العقيد فضل الله الحجي؛ أحد قادة “فيلق الشام” ( الذي ورث هيئة حماية المدنيين الإخوانية، و يشرف على تمويلها هيثم رحمة من الإخوان ) و الفيلق أحد الأذرعة العسكرية للإخوان المسلمين.
– لبيب نحاس : ممثل “أحرار الشام “، و الأحرار لا يزالون جماعة سلفية جهادية، و فيهم تيار اخواني، و لا يزال السعوديون، الأجانب يحملون مواقع قيادية مهمة في أوساط “احرار الشام” ، و هو حلفاء النصرة الأساسيين في كل الساحات.
– بشار المنلا : قائد الفرقة الساحلية الأولى؛ تعمل في ريف اللاذقية بشكل خاص، تركماني و هو أول من اسس الكتائب التركمانية في سوريا، مدعوم من الكتلة التركمانية الوطنية التي تتبع لحزب العدالة و التنمية، و تتبع لها كتائب و الوية السلطان مراد الرابع، و يلدرم بايزيد، و محمد الفاتح، و الفرقة اشتهرت بقتالها الى جانب الحزب الإسلامي التركستاني ( الاويغور ) في ريف اللاذقية، و “انصار الشام” ( الشيشان )، و”جند الإسلام” ( المغاربة )، وهي المجموعات التي نفذت مذابح ريف اللاذقية وكسب.
كل هذه التنظيمات وغيرها، طامحة الى بناء دولة اسلامية و المضحك المبكي أنها وافقت على بناء دولة الديمقراطية العلمانية، و التي تطرح علامات استفهام كبيرة عن مصداقية هذه التنطيمات الارهابية؟!
أهداف مؤتمر الرياض الحقيقية
لا يزال النظام الحاكم في السعودية و السياسة الأمريكية و الغربية تعمل على منهجية تمويل الفكر التدميري سراً و رعايته اعلامياً و سياسياً علناً، فدعوة السعودية بعد موافقة أمريكية لأشخاص ممثلة عن جماعات الفكر التدميرى التي انتشرت على الأراضي السورية تمثل نوعا جديداً من الارهاب المشرع. و تهدف السعودية و حلفائها من وراء هذا المؤتمر الى:
أولاً: يأتي هذا الإجتماع تثبيتاً لمنهج النظام السعودي بدعم جماعات الفكر التدميري، و هو يأتي بدعم و غطاء أمريكي واضح باعتباره متناسب مع المنهجية الأمريكية في المنطقة، هذا الإجتماع يعد مخالفة صريحة و واضحة للنصوص المتفق عليها دولياً، إذ لا مجال للشك أن أغلب ممثلي الجماعات المدعوة مصنفة على لائحة الإرهاب عالمياً، و هو دلالة على أن السعودية و من ورائها أمريكا لا زالتا مستمرتين بدعم خيار الفوضى في سورية فضلاً عن غيرها من بلدان الشرق الأوسط.
ثانياً: يأتي هذا الإجتماع في أجواء من التفكك و الصراع بين هذه الجماعات، خاصة أن موعد مفاوضات فيينا المزمع عقده مطلع الشهر المقبل يعد عاملاً اساسيا و دافعاً لتحرك النظام السعودي لوضع شبه صيغة مشتركة، خاصة و أن الضغوط الدولية بضرورة وضع حد لتحرك جماعات الفكر التدميري من جهة و القلق الذي تشهده الدول الداعمة لهذه الجماعات، كلها عوامل مؤثرة دفعة ضرورة تحرك سعودي لتعزيز وضع هذه الجماعات ولو وهمي اعلامي قبيل مفاوضات فيينا. يضاف إلى ذلك التحرك الروسي الأخير و الذي لا شك أن له تأثير فاعل و مساهم في اضعاف هذه الجماعات.
ثالثاً: الوضع الصعب الذي يعاني منه النظام السعودي الحاكم و الذي لا شك أحدث شعور بالقلق و الخوف لدى العائلة الحاكمة، و عليه يذهب النظام الحاكم إلى الإستفادة من أوراق القوة التي يملكها و التي تشكل فيه جماعات الفكر التدميري واحدة منها. و عليه عمل خلال الأشهر القليلة الماضية على حشد أكبر عدد ممكن علماً أن بعض الجماعات المدعوة هي في الحقيقة لا وجود لها أو لم يعد لها وجود على الساحة السورية. هذا و لم يكن بالبعيد جهود السعودية لإستضافة اجتماع دول أمريكا اللاتينية و بعض الأنظمة العربية، إلى انكشاف بعض الوثائق السرية و البرقيات المرسلة إلى بعض الأعضاء في الأمم المتحدة لإبراز السعودية كمرشح أساسي لعضوية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
أخيراً و من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن القول أن أمريكا و حلفاءها الإقليميين و الدوليين لا يبحثون عن حل جذري للأزمة السورية و الذي يكمن بوقف شامل لإطلاق النار و إجراء الإنتخابات لأنه لا يتماشی مع مصالحهم و أجنداتهم الخاصة بل يريدون عرقلة الجهد الروسي-الايراني الهادف الى ايقاف اراقة الدماء، و لهذا و كما توقع المراقبون لم يخرج مؤتمر المعارضة السورية الذي استتضافته الرياض بنتائج إيجابية بسبب مشاركة جماعات ارهابية شاركت في اراقة الدماء السوري و التي لاتريد التوصل الی حل ينهي إراقة الدماء لأنها ترى وجودها في بقاء هذه الأزمة. و لسنا بحاجة هنا للتأكيد على أن من يريد الإستمرار بهذا النمط من التفكير و السلوك الشاذ لن يحصد إلاّ الخيبة و الخسران في نهاية المطاف