يُعد ترتيب زيارة رئيس حزب “الشعوب الديمقراطي” التركي إلى موسكو، يوم الأربعاء المقبل، أحد وجوه الحرب، التي وعد بها بوتين “السلطان” العثماني الجديد.
وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد قال في كلمته السنوية أمام الجمعية الفدرالية (03 12 2015): “نحن لا ننوي القرقعة بالسلاح، ولكنْ إذا ما كان أحد يظن أنهم (المسؤولين الأتراك) أفلتوا من الجريمة العسكرية النكراء، التي ارتكبوها، وقتل فيها اثنان من أبنائنا، بـ(إقلاعنا عن استيراد) البندورة أو بقيود في مجالات البناء وغيرها، فإنه يخطئ عميقا. نحن سنذكّرهم غير مرة بما فعلوا. وهم سيندمون مرات ومرات على فعلتهم، ولا سيما أننا نعلم ما يجب فعله”.
وبالفعل لم تنته القضية بالبندورة، فبعد رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاعتذار عن إسقاط قاذفة (لا مقاتلة) “سوخوي-24” الروسية في الأجواء السورية، أعلنت موسكو عن حزمة عقوبات فرضتها على أنقرة.
وإضافة إلى العقوبات الروسية، التي فرضت وستفرض على تركيا، يبدو أن حربا نفسية حقيقية أعلنتها موسكو ضد “السلطان” العثماني الجديد على الجبهة السياسية، التي تعد أحد وجوهها تصريحات بوتين المتكررة حول سعي حزب العدالة والتنمية لأسلمة تركيا، وبأن أتاتورك يتقلب في قبره من جراء هذه الأسلمة!، التي يقوم بها هذا الحزب.
كما تصب في هذا الإطار زيارة صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب “الشعوب الديمقراطي” التركي، الذي يعده كثيرون حزبا كرديا، إلى موسكو يوم الأربعاء المقبل في 23 كانون الأول/ديسمبر الجاري.
ويأتي ذلك بعد امتناع بوتين عن لقاء أردوغان في افتتاح قمة المناخ في باريس (30 12 2015).
وقد روى أندريه كوليسنيكوف مراسل صحيفة “كوميرسانت” الروسية مشاهد مضحكة لمحاولات الرئيس التركي تصيُّدَ الرئيس الروسي في أروقة المبنى، حيث عقد المؤتمر، لتبادل الحديث معه.
لكن بوتين، الذي لم يعر اهتماما لرغبات أردوغان الحميمة في التصالح، سرعان ما أمر في حديثه مع وزير الدفاع سيرغي شويغو وجنرالات الجيش بالتدمير الفوري “لأي هدف يشكل تهديدا للقوات الروسية أو بنيتها التحتية”.
وكان إعطاء هذا الأمر العلني تحذيرا واضحا لتركيا و”سلطانها”، الذي ركب رأسه.
وماذا بعد؟
الذين حضروا المؤتمر الصحافي السنوي الموسع للرئيس الروسي (17 12 2015) لاحظوا كيف أن سكرتيره الصحافي أراد إعطاء الكلمة لمراسل القناة الروسية الفدرالية الأولى في بداية المؤتمر، ولكن بوتين بدلا من ذلك أعطى بنفسه الكلمة لمراسلي وكالتي “الأناضول” و”جيهان” التركيتين، للتنفيس عما في صدره.
وقد قال بوتين بألم: “إن ما أثار استياءنا بالذات هو أنه لو كان (إسقاط الطائرة) حادثة طارئة، وأن السلطات التركية لم تعرف أن الطائرة روسية لكان يجب الاتصال بنا هاتفيا وشرح الوضع، ولا سيما أن أناسا روسا قتلوا. لكن المسؤولين الأتراك بدلا من ذلك هرعوا فورا إلى بروكسل صارخين: “النجدة!”، ثم سارعوا إلى الاحتماء بالناتو”.
وأضاف بوتين: “لا أدري! لعل أحدا ما في القيادة التركية قرر لعق مكان معين لدى الأمريكيين..!”.
بوتين تحدث طويلا وباستياء وسخط، وهدد في النهاية بإسقاط الطائرات التركية، التي ستحلق في الأجواء السورية، بواسطة منظومة الدفاع الجوي “إس-400” الروسية، التي تم نقلها إلى سوريا.
ثم لفت يوم السبت (19 12 2015) إلى أن روسيا لم تستخدم كل إمكاناتها في سوريا، وأن هناك وسائل إضافية تستطيع موسكو استخدامها إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وفي ذلك إشارة حاسمة إلى أن سياسة تقبيل اللحى على الطريقة الشرقية والقول “عفا الله عما سلف”، التي عول عليها أردوغان بعد فعلته الشنعاء، لن تعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه خلال 11 سنة مضت، ولعله لذلك تجري محاولات تركية لإعادة الدفء إلى العلاقات مع تل أبيب.
وعلى أي حال، حرب الاستنزاف الروسية السياسية والاقتصادية مستمرة مع العثمانيين الجدد، ومن المهم بالفعل ألا تتحول إلى حرب حقيقية، ولا سيما أن الإمبراطورية الروسية ربحت معظم حروبها مع العثمانيين القدماء، ما كان أحد أهم أسباب انهيار دولة بني عثمان.
وقال بيسمارك: “لا تحلموا بأن تجنوا الأرباح من روسيا إلى الأبد إذا نجحتم في استغلال ضعفها ذات مرة، فالروس يأتون دوما لاسترجاع نقودهم!”.
نقلاً عن موقع الصاد برس