عقب جريمتها بإعدام عالم الدين الشيخ نمر باقر النمر وبعد الانتقادات الشعبية والرسمية الإيرانية الواسعة التي وجهت للسعودية تنديداً بهذه الجريمة قامت الرياض بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في محاولة لخلط الاوراق من جهة، وفتح جبهة جديدة ضد إيران من جهة أخرى.
وأثارت هذه الخطوة تساؤلات عدة حول الأهداف التي تسعى الرياض لتحقيقها في وقت تقترب فيه إيران من قطف ثمار نجاحها الدبلوماسي الذي تحقق مؤخراً بإبرامها الإتفاق النووي مع مجموعة (5+1) الذي اعترف بحقها المشروع في الاستفادة السلمية من التقنية النووية ومهد الطريق لرفع الحظر المفروض عليها على خلفية الأزمة النووية مع الغرب.
لتسليط الضوء على هذه الأهداف لابد من الإشارة الى ما يلي:
1 – يعتقد المراقبون ان التطورات التي حصلت في السعودية خلال العام المنصرم خصوصاً التغييرات الأساسية في المناصب العليا في البلد والعدوان الغاشم على الشعب اليمني تركت تداعيات سلبية كثيرة تسببت في خلق أزمات متعددة والتي تجلت بوضوح في الهزائم العسكرية التي منيت بها الرياض في اليمن والأزمة الاقتصادية الخانقة التي إضطرتها لرفع أسعار البضائع والخدمات لاسيّما في مجال الطاقة.
2 – الخلافات العميقة والمستمرة بين أقطاب الأسرة الحاكمة في السعودية خصوصاً بين ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن الملك سلمان والأطراف الأخرى المناوئة له والتي تتهمه بالفشل في تحقيق أهداف الحرب على اليمن وتقصيره في إدارة الشؤون الاقتصادية التي كلفت خزينة البلد اموالا باهضة دون طائل.
3 – يرى المحللون ان قيام السلطات السعودية بإعدام الشيخ النمر وعدد كبير من المعارضين لها يهدف في الحقيقة الى التغطية على هزائمها المنكرة في اليمن ودعمها المفضوح للجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة لاسيّما في العراق وسوريا.
4 – يؤكد معظم المتابعين لشؤون المنطقة بأن السعودية شعرت بقلق شديد إزاء نجاح إيران في إبرام الإتفاق النووي مع المجموعة السداسية الدولية لاعتقادها بأن هذا الإتفاق سيمنح طهران فرصة ثمينة للعب دور سياسي أكبر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وسيمكنها في الوقت نفسه من زيادة دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة المسمى بـ” الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” والذي تعتبر السعودية أحد اركانه.
وتجدر الإشارة هنا الى ان الرياض أعلنت مراراً استعدادها للتعاون مع الكيان الإسرائيلي للوقوف بوجه إيران ومحور المقاومة وقد ترجمت ذلك عملياً من خلال تعاونها مع تل أبيب في العدوان على اليمن، وإعلانها في وقت سابق استعدادها لوضع قواعدها وأجوائها في خدمة سلاح الجو الإسرائيلي لضرب المنشآت النووية في إيران.
5 – قامت السعودية بإعدام الشيخ النمر وعشرات المعارضين الآخرين لسياستها في هذا الوقت بالذات لوقف الحراك الشعبي الواسع والمتواصل في المنطقة الشرقية من البلاد والذي يطالب بإطلاق الحريات العامة لاسيما حرية التعبير عن الرأي ووقف الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين وإنهاء التمييز الطائفي بحق أهالي هذا المنطقة.
6- كانت السعودية تدرك جيداً ان إعدام الشيخ النمر سيثير موجة كبيرة من السخط والغضب في أوساط شعوب المنطقة ولكنها أقدمت على ارتكاب هذه الجريمة لتثبت مرة أخرى بأنها غير مستعدة للكف عن سياساتها الاستفزازية من جهة، ومصرّة على مواصلة لعب دور تخريبي ضد أمن واستقرار المنطقة من جهة ثانية. وهذا الأمر هو الذي دعا الشعب الإيراني وحكومته الى توجيه انتقادات شديدة للرياض ووصلت حالة الغضب الى اقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المواطنين الإيرانيين. ورغم مسارعة الحكومة الإيرانية الى تطويق تداعيات هذه الاحتجاجات أقدمت الرياض على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران رغم علمها بأن ما حصل هو ردة فعل طبيعية جداً تجاه جريمة إعدام النمر.
من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو جلياً ان الرياض بصدد تصعيد التوتر مع طهران على قاعدة (ضربني وبكى وسبقني واشتكى) التي تجيد السعودية إستغلالها لإيهام الرأي العام بأن إعدامها للشيخ النمر شأن داخلي، في حين يعلم الجميع بأن هذه الجريمة تمثل خرقاً فاضحاً للشرائع السماوية والمقررات الدولية لحقوق الانسان كونها طالت شخصية دينية سعت للدفاع عن حقوق المظلومين بالطرق السلمية وحظيت بدعم شعبي واسع إقليماً ودولياً.
وكان حري بالسلطات السعودية أن تتعلم من تجارب ودروس الماضي وتقدر عالياً صبر وحكمة القيادة الإيرانية وحرصها على تهدئة الأوضاع في عموم المنطقة ولا تلجأ للتصعيد بإتخاذ إجراءات استفزازية خصوصاً وانها تعيش أزمات كثيرة لا يمكنها التخلص من تداعياتها ما لم تعد الى رشدها. فإيران أكبر من أن تستفزها مثل هذه الإجراءات وجديرة باتخاذ مواقف صائبة تتناسب مع مبادئها وأهدافها الإسلامية وحرصها الدائم على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.