الغيــب.. بيـن النبــوءة والمعجــزة
إذا كان الله قد بعث الأنبياء لأزمانهم وشعوبهم ليكونوا شهداء على الناس فلا تكون للناس على الله حجة يوم القيامة، وبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين وقدوة للمُتّقين، وجعل جوهرة تاج رسالته “مكارم الأخلاق”، فإن الله وبانتهاء عهد الرسل والأنبياء، جعل للناس من فضله وإحسانه أئمة اصطفاهم من بين خيرة خلقه، ليكونوا قادة للعباد، مؤتمنين على عهده، حاملين مشعل الهداية، ينيرون به الطريق في الله إلى ما لا نهاية..
هؤلاء هم الأولياء العارفين بالله بما يتجاوز حدود علم العلماء ومستوى إدراك الفقهاء، سمتهم الأساس أنهم يتحلّون بأخلاق الأنبياء التي أودعها تعالى مكتملة غير منقوصة في أحسن خَلقه، وشهد له بأنه على “خلق عظيم”..
سماحة السيد حسن نصر الله ليس نبيّـا، لكنه من الأولياء الذين هم من طينة الأنبياء الطّاهرة، حباه الله بجمال الخَلْق وكمال الخُلُق، قد نحتاج لكتابة عشرات الصفحات لجردها والوقوف على أبرز معالمها، لكننا سنكتفي في هذه العجالة برصد معالم إحدى أهم الصفات التي تُميّز سماحته، ألا وهي القدرة على قراءة الواقع، وفهم تعقيداته، واستنباط العبر من تجلياته، والبناء عليها لتقدير الموقف واستشراف المستقبل..
وهذا لا علاقة له بعلم الغيب بقدر ما هو نور يهبه الله لمن يشاء من عباده، ولا علاقة له أيضا بالمعجزة، بل هو أكبر منها، لأن النبوءة لكي تكون صادقة، يجب أن يصل اليقين بتحقُّقها درجة يكون فيها الخطأ أقل احتمالا من المعجزة نفسها.
فما سر هذه الصفة الربانية العظيمة، والقدرة المدهشة في التقدير التي يتمتع بها سماحة السيد وتجعله يُصيب دائما ولا يُخطئ؟..
السّر وفق اعتقادي، يكمن في “العهـد” الذي يعني اليمين والحفاظ على الوصية كشرط لنيل الأمان، ولفهم ذلك لا بد من فهم فلسفة التاريخ كما تتجلى من خلال الحكمة الإلهية السارية في الكون والخلق من خلال السنن.. كيف ذلك؟..
التاريـخ بيـن المفهـوم والموضـوع..
لم يكن ابن خلدون مؤرخا بالمعنى المهنيّ الذي عُرف به ابن النّديم أو المسعودي أو البيروني أو القزويني أو غيرهم من محترفي تدوين الطوارق والطوارئ التي لها مغزى بشري أو طبيعي، لأن ابن خلدون كان يتعامل مع التاريخ كمفهوم لا كموضوع، فكان يُخبر عن الواقع كحقائق كما هي قائمة على الأرض، ويّفسّرها من منظور مفاهيمي يستمدّ أسسه الفلسفية من النظريات القرآنية التي تَعنََى بتاريخ التّاريخ (الاسطوغرافيا)..
في حين كان ابن النديم مثلا، يتعامل مع التاريخ كصناعة مهنيّة، فيخبر عن الوقائع والحادثات من خلال دراسة الأساليب والأشكال والوسائل والأهداف بطريقة احترافيّة، ويتقيّد بما تُعطيه المنهجية في أبحاثه من خلاصات واستنتاجات منطقية أو استنباطات عقلية..
والفرق بين ابن خلدون وابن النديم، يكمن في أن ابن خلدون نجح في وضع نظريات علمية لم يستطع العلم في عصرنا الحديث تجاوزها برغم ما وصل إليه من تقدم في مجال التاريخ والاجتماع السياسي، وأصبحت مرجعا موثوقا يُعتدّ به في فهم فلسفة تاريخ “العمران البشري”، في حين ظل فهرس ابن الندين موسوعة مرجعية لعدد هائل من البحوث والمؤلفات التي تناولت مادة التاريخ كموضوع، أو لنقل كصناعة..
هذه المقدمة الاستهلالية، تقودنا إلى ملاحظة نظرية غاية في الخطورة والأهمية، ومفادها، أن من يتعاطى مع التاريخ باعتباره صناعة إنسانية، بمعنى أن الإنسان هو صانع التاريخ، لا يستطيع فهم جوهر حركة التاريخ وسُننه الثابتة التي لا تتبدّل ولا تتغيّر مهما اختلفت الظروف والأمكنة والأزمنة والوقائع واللاعبين، ويظلّ يراوح مكانه ضائعا في التفاصيل بين المسائل المتداخلة ومُتفرّعاتها المُتشعّبة وأدوار الفاعلين، لأن الإنسان لا يسيطر على الزمن الكوني بمفهوم الأمد اللامتناهي، بل يعيش فقط المُدّة الزمنية المُقدّر له أن يكون لاعبا فيها وشاهدا عليها، في حين أن الذي يتعاطى مع التاريخ كصناعة إلهية من منظور إيماني، يقبض على الحقيقة بيقين، فيُقدّمها للناس كنظرية معرفيّة نهائيّة غير قابلة للنّقض مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة والظروف والمُتدخّلين.
ونقصد بالمنظور الإيماني البُعد الباطني للتاريخ، الذي هو بخلاف المنظور الذهني العلمي الذي يلتزم بتقديس ظاهر النص ويقف على ما تعطيه الشواهد من معاني.
أمثلــة مـن التاريــخ القديــم والحديــث..
فمثلا، تعتبر معركة “واترلو” الشهيرة، من أكبر المعارك التي تعاطى معها المؤرخون كصناعة، وكل التقديرات كانت تقول أن الإمبراطور ‘نابليون’ الذي جهّز أعظم جيش في التاريخ لغزو روسيا ما كان له أن يفشل في حملته لولا تدخّل عامل البرد الشديد الذي أنهك جيشه على أبواب موسكو.. لكن ‘نابليون’ نفسه، كان له تفسير آخر لهزيمته، أدركه بحدسه الباطنيّ عندما رفع رأسه إلى السماء وقال “إن عذاب الله شديد”.. هذا اعتراف من أعظم إمبراطور عرفته أوروبا، بأن التاريخ لا تصنعه القوة البشرية والمادية، بل إرادة الله ومشيئته..
هناك أمثلة لا تعد ولا تحصى من التاريخ البشري القديم لا يسع المجال لذكرها هنا، وقد حرص الخطاب القرآني على ذكر نماذج عديدة منها جرت في الأزمنة الغابرة من باب العبرة والموعظة، دون اهتمام بتفاصيل وكرونولوجيا الأحداث، لأن القرآن ليس كتاب تاريخ، بل كتاب حكمة بالمفهوم الفلسفي للمصطلح..
لكن لنتأمل أمثلة حية من عصرنا الحديث لعلها تكشف عنّا الحجاب لنفهم بالعمق المطلوب هذه الحقيقة الجميلة الرائعة..
فمثلا، من كان يقول أن مجموعة من “المغامرين” في حزب الله، على قلة عديدهم وضعف إمكاناتهم وإمكانياتهم يستطيعون هزيمة أقوى جيش في المنطقة عام 2006، وهو الجيش الذي هزم جيوش العرب مجتمعة في كل الجولات التي عرفها تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي؟..
كل المعلومات والمعطيات والمؤشرات والدراسات العلمية والتحليلات الموضوعية كانت تقول، بل وتُؤكد حينها بما لا يدع مجالا للشك، أن الغلبة ستكون لـ”إسرائيل” المدعومة أمريكيا وأطلسيا وعربيا، هذا أمر لا جدال فيه من الناحية العقلية والمنطقية.. لكن سماحة السيد كان يرى العكس تماما، لدرجة أنه وعد الأمة بنصر مُظفّر عظيم، ما أذهل العالم.. فهل كان مجنونا أم كان يعلم الغيب؟..
لا أبدا، ما كان صاحبكم بمجنون، ولم يدّعي سماحته أنه يعلم الغيب الذي لا يطلعه الله على أحد من عباده، ولم يكن مغامرا كما اتّهمه ‘آل سعود’ الأغبياء، بل كان يصدر عن يقين، لأنه أشار بلطف إلى الحقيقة الرائعة التي نتحدث عنها في سياق هذا المقال، عندما أعلن بعد الانتصار أن الأمر يتعلق بـ”نصر إلهي”، وبهذا المعنى، يكون سماحة السيد قد أعطى للحادثة التاريخية تفسيرا مفاهيميا ينطلق من حقيقة قرآنية تقوم على ثابتة مُسبقة تقول “وما النصر إلا من عند الله”، وأن شروط هذا النصر تقوم على ثلاثية “العهد والوعد والدعاء” قبل الإعداد المادي الذي يقول “وأعدّوا لهم ما استطعتم”، وهو الشعار الذي رفعته جماعة “الإخوان” فأوصلها إلى الهاوية، لماذا؟..
لأن حفظ “عهـد” الله يقتضي الولاء له ولرسوله وللمؤمنين، لا لأمريكا ولا لتركيا الأطلسية ولا لإسرائيل من أجل السلطة والثروة.. و”الوعد” مقرون بحفظ “العهد” والتزام التقوى لنيل الأمان، و”الدعاء” يعني التّوكّل علي الله وحده دون سواه، والاستعانة به في كل وقت وحين مهما كانت المخاطر والتحدّيات، وهذا لعمري يمثل ذروة الامتحان في التجربة الأرضية..
أما “الإعداد” وإن كان تفصيلا مادّيّـا ضروريا، إلا أنه لا يضمن الانتصار، بل من يصنع الانتصار هو روح التضحية والثقة التامة في وعد الله لدرجة الأمان، لأنك ما ضربت إذ ضربت ولكن الله ضرب، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.. وهذا يعني أن من يقاتل هو الله صانع التاريخ، لكن بأيدي المجاهدين المخلصين من عباده، وحين تكون المعركة معركة السماء وينخرط فيها من يحبهم الله ويحبونه من جنده الظاهر منها والمخفيّ، فلا وجود لقوة تُضاهي قوة الله أو إرادة تتجاوز إرادته وتتحدّى مشيئته..
بدليل، أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض كما يؤكد تعالى في قرآنه، والله القوي العزيز ذو فضل على العالمين، لا يحب الفساد ولا ينصر الظالمين، ويَهَبُ النّصر للمتّقين الذين يصونون عهده وعدا حقّا منه لهم، والله لا يخلف وعده كي لا يختل ميزان العدل لصالح الظلم والفساد فيسود الظلام.. هذا هو السّر بالمختصر المفيد..
سماحــة السيــد.. الوعـــد والمصــداق..
والسؤال الذي يجب أن يطرح على ضوء هذه الحقيقة القرآنية المدهشة هو: لماذا كُلّما وعد سماحة السيد حسن نصر الله رجاله وجمهوره ومحبيه بالنصر إلا وصدقها الوعد وتحقق لدرجة أصبح من يحبه ومن يكرهه بما في ذلك “إسرائيل” يعترفون جميعا بأنه رجل صادق، ووعده صادق، وما يقوله يتحقّق ويجد الناس له مصداق واضح على الأرض، ولم يثبت ولو لمرة واحدة أنه وعد فأخلف وعده؟..
حدث هذا في مناسبات عديدة ومواجهات كثيرة، لعل أبرزها موضوع “إسرائيل”، وموضوع سورية، وموضوع اليمن، وأخطرها تمثل في وعده بإفشال أمريكا وحلفائها وأدواتها في المنطقة، وإسقاط مشروعهم لإقامة شرق أوسط صهيوني كبير بديلا عن الشرق الأوسط العربي والإسلامي القديم.. فسقط المشروع وأصبحت أمريكا تبحث عن حلول تحفظ بها ماء وجهها، لتُبقي على الحد الأدنى من مصالحها في المنطقة بعد تراجعها المُذلّ الذي أصبح حديث الساعة في إعلام الشرق والغرب سواء..
وتماما كما وعد سماحة السيد، صمدت سورية ولم تسقط بالرغم من أنها تعرضت لحرب كونية وضعت لها ميزانيات ضخمة، وجيوش بمئات الآلاف من التكفيريين والمرتزقة الذين هم أخطر من الجيوش النظامية، وتحالفت أكثر من 80 دولة بما فيها دول الجوار لإسقاط النظام في دمشق.. والجميع في عواصم الغرب والشرق، حكام ومسؤولين وخبراء ومحللين وكتاب وإعلاميين (إلا من رحم الله)، كانوا يُبشّرون بقرب سقوط سورية..
لكن النتيجة جاءت عكس كل التوقّعات، فبعد خمس سنوات من القتل والخراب والدمار، صمدت سورية واستعادت القيادة والجيش والشعب بدعم من المقاومة والحليف الروسي السيطرة على الأرض، فتبدّلت الموازين وانقلبت المعادلات وفقد المتآمرون على سورية زمام المبادرة حين سحقت أدواتهم في الميدان، واعترفت أمريكا بفشلها من خلال مسارعتها لعقد صفقة مع الروسي للحل السياسي في سورية، لتنقذ ماء وجهها وتحجز لها مكانا كشريك في الانتصار على الإرهاب، الأمر الذي أثار جنون ‘آل سعود’ وفجّر في صدورهم الشعور بالحقد والكراهيّة، والإحساس بالذل والمنبوذيّة، خصوصا بعد أن أدركوا أن أسيادهم في واشنطن طردوهم من حمايتهم وراحوا يبحثون عن تأمين مصالحهم مع أعدائهم التقليديين في المنطقة..
والذين يتحدثون اليوم عن الخسائر في الأرواح والخراب الذي طال البنى التحتية في سورية، لا يفهمون أن التاريخ هو الماضي الحاضر دائما والمعلوم دائما لمن يفهمه بشكل صحيح، ولا يدركون حكمة الله في خلقه، ويُفكّرون بمنطق بعيد كل البعد عن الحقيقة وطبيعة الصراع وسؤال الوجود والمصير..
وأولى بمثل هؤلاء الكتاب البؤساء، أن يكتبوا حول أسعار المواد وشؤون البطن وغلاء الخبز وقلة الخضر وخطر الجليد على العنب… كما يقول ساخرا المؤرخ الفرنسي ‘جول ميشلِه’ الذي يؤمن بنظرية ابن خلدون التي تقول، أن التاريخ “في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق”، وهذا يعني، أن “التاريخ ليس مجرد أحداث لكنه يستند إلى فرضية مسبقة بقول، بأن ثمة قوانين محكمة تُسيّر هذا النظام من الأحداث وتتحكم في نتائجها على الشكل نراه يحصل على أرض الواقع، والسر يكمن في معرفة هذه القوانين التي نسميها سنن إلهية.
صمد العراق أيضا، وفشلت كل محاولات زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان.. وكما وعد سماحته، فشل أيضا ‘آل سعود’ في إخضاع اليمن وتركيع شعبه برغم كل الحقد والشر والجبروت الذي مارسوه في حق هذا الشعب المؤمن الفقير..
وفشل ‘آل سعود’ في تحالفاتهم المشبوهة للتعويض عن فقدان المظلة الأمنية الأمريكية، لدرجة أنهم ارتموا كالعميان في الحضن الإسرائيلي عساهم يجدون فيه الحنان والأمان والخلاص مما هم فيه من كرب عظيم، فاكتشفوا أنهم لا يختلفون في شيئ عن اليهود، وأنهم يتقاسمون وإياهم نفس هاجس الوجود والمصير، ونفس الخوف من الرعب من إيران ومحور المقاومة.. وقد يكون السبب في هذا التطابق حد التناغم في الرؤية مرده أنهم واليهود ينحدرون من نفس الجين الوراثي، والعرق دساس كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله..
واليوم ها نحن نرى انهيار حلف ‘آل السعود’ الإستراتيجي الذي أعلنوا عن قيامه مع تركيا الأطلسية لمواجهة إيران تحديدا، بسبب توجّس أردوغان من خطورة ما كانت تحضر له مملكة الشر والظلام من حرب طائفية بعد إعدام العالم الربّاني والمعارض السّياسي الشهيد نمر باقر النمر.. وتحوّل إلى رمز لظلم ‘آل سعود’ بشهادة العالم أجمع، وهو ما لم يكن يتوقعه حكام المهلكة حتى في أسوأ كوابيسهم.
والسؤال الذي يجب أن يطرح بالمناسبة أيضا هو: – إذا كانت إيران “مجوسية”، وحزب الله حزب “شيطاني رافضي”، والنظام في سورية “كافر نصيري”، والنظام في “السعودية” نظام إسلامي عادل يطبق شرع الله.. فلماذا نصر الله جنده في حلف المقاومة وهزم ‘آل سعود’ وأسيادهم وأدواتهم برغم ما أوتو من مال وقوة ودعم دولي غير مسبوق في تاريخ الحروب بالمنطقة؟..
هذا هو السؤال الذي لا زلنا ننتظر الإجابة عليه من قبل حاخامات الوهابية وكهنة الأزهر، عساهم يقنعون أمة محمد المسلمة بعكس ما نقول..
ولأنهم إذا لم يفعلوا، ولن يفعلوا حتى لو استعانوا بنبوءات التلمود، فليحجزوا مكانا لهم إلى جانب أسيادهم ‘آل سعود’ في القطار السريع الذي سيحملهم قريبا إلى جحيم الهاوية حيث مزبلة التاريخ..
الملـك ‘سلمـان’ آخـر ملـوك ‘آل سعـود’..
نقول هذا، لأننا نُصدّق سماحة السيد ونؤمن بوعده الصّادق الذي أطلقه خلال إطلالته الأخيرة، حيث قال فيه: “دماء الشيخ النمر ستلطّخ وجوه وتاريخ آل سعود إلى يوم القيامة، وستلاحقهم في الدنيا والآخرة، وستكتب نهاية نظام آل سعود، وهذا ما تقوله السنن التاريخية”..
وهنا أستسمحكم أيها الأعزاء وأعتذر من ابن خلدون لأقول، وأنا أتأمل كلام سماحة السيد، يُخيّل إليّ وكأنّي أقرأ الفصل الأخير من “المقدمـة” الشهيرة، باب “نهاية عصر القبائل”، حيث كان سيقول ابن خلدون لو قدر له العودة للعيش بيننا اليوم، “واقتضت مشيئة الله أن يكون الملك سلمان بن عبد العزيز آخـر ملـوك ‘آل سعـود’، لأن الله لا يحب الظلم والفساد، وأنه يمهل ولا يهمل، وأن عذاب الله شديد”..
وحين عدت إلى القرآن، وجدت أن كل عبر التاريخ حول هلاك الأمم والشعوب مردها الأساس يعود إلى استفحال الظلم واستشراء الفساد، وأن الله يهلك الحكام حين ترتفع الأصوات مستنكرة بشجاعة هذا الوضع الشاذ، ويهلك الجميع حين يعم الصمت..
لذلك، كان صوت الشهيد نمر النمر صرخة مدوية ترددت أصدائها في أرجاء الأرض وآذان السماء، وفجر دمه الطوفان الذي أغرق العالم أجمع بالعار، فأذن الله بعقاب ‘آل سعود’، تماما كما تنبأ سماحة السيد وأكد ذلك أيضا الإمام الخامنئي حين توعد ‘آل سعود’ اليهود بعقاب إلهي..
وها نحن نقرأ اليوم أخبارا تتحدث عن أن الإدارة الأمريكية تدعم مخططا لتغيير النظام في “السعودية”، يكون للشيعة دور مهم وفعال في حكم مملكة برلمانية ديمقراطية، حسب ما أكد ‘مارتن أنديك، مساعد الوزير ‘جون كيري’ السابق، وفق ما أوردته “بانوراما الشرق الأوسط” اليوم، وسنرى أيضا كل حلفاء “السعودية” ينفضون من حولها ويتوارون عن السمع والأبصار..
وبالتالي، سنكون على موعد قريب مع ربيع ملون دامي في شبه الجزيرة العربية، يعيد رسم معادلات التاريخ والجغرافيا في العالم العربي والإسلامي، وأتوقع شخصيا، أن يكون للإسلام الشيعي العقلاني والسني الأشعري المعتدل مستقبل واعد في المنطقة، ما ينهي جذور الفكر الوهابي التكفيري فيعيد للناس الأمن والاستقرار والازدهار..
وأكاد أجزم بأن هذا هو المشروع الذي ستركز على إقامته واشنطن في المستقبل المنظور، لتصبح إيران وتركيا من غير أردوغان، هما القوتان الإقليميتان الكبيرتان اللتان ستقومان بحفظ التوازن في إطار التعاون والتكامل.. وسيظل العرب خارج المعادلة، إلى أن يفهموا درس التاريخ القديم والحديث، ويغيروا ما بأنفسهم ليغير الله ما بهم.
وهذا هو معنى خطاب أوباما للأمة الذي قال فيه، أن للولايات المتحدة هدفان: الأول، منع إيران من امتلاك قنبلة نووية وهو ما حصل من خلال الإتفاق التاريخي الشهير.. الثاني، تفكيك القنبلة النووية “السعودية” المتمثلة في الفكر الوهابي الذي أنتج “القاعدة” و”داعش” وكل التنظيمات الإرهابية المجرمة..
نقلاً عن موقع بانوراما الشرق الاوسط