الباحث مصطفى قطبي : أعراب المال والنّفط تآمروا في جدة ليؤكّدوا عداءهم لإيران وشعب إيران وتأزيم الأوضاع العربية
اعتبر الباحث و الخبير المغربي “مصطفى قطبي” ان منظمة المؤتمر الإسلامي انحرفت عن أهدافها التي أنشئت من أجلها عبر ما صدر منها الخميس في جدة ، التي سعى المجتمعون فيها ، لصب جام حقدهم وتحريضهم على إيران ، وهو ما كانأهمّ في نظرهم من التحريض على مواجهة العدو الصهيوني الذي اغتصب القدس ومازال يعبث بالمقدسات ، في الوقت الذي يقفون وقفة العاجز أمام إرهاب الدولة الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ، متسائلا : ماذا تفعل منظمة المؤتمر الإسلامي حيال الهجمة الفظيعة ضد المسلمين والإسلام والعالم الإسلامي ؟ .
وجاء فی مقال هذا الباحث المغربی والخبیر الستراتیجی الذی خص به وکالة “تسنیم” تحت عنوان : “اجتماع جدة وتآمر أعراب المال والنّفط …” ما یلی :
على غرار نظیرتها ، الجامعة العربیة ، قدمت منظمة المؤتمر الإسلامی خلال مؤتمرها الأخیر المنعقد فی جدة ، دروساً لافتة فی کیفیة إنکار الواقع ، والتعامل بمعاییر مزدوجة مع القضایا التی تهم العالم الإسلامی ، باعتبارها أنشئت لأجله على ما تقوله أدبیاتها ، وینکره تاریخها الطویل ”المرصع” بفشل کامل فی حل أی قضیة من قضایاه .
إنّ من قارن بین الأسس التی قامت علیها هذه المنظمة ، و طبیعة الاجتماع الاستثنائی ، بطلب من النظام السعودی ، وما سمی مؤتمراً (استثنائیاً) ، یصل إلى نتیجة مفادها أنّ هذه المنظمة خرجت عن طبیعتها فی الشکل والمضمون ، حتى أنّ الإسم لم یعد یلیق بها . و قد کان یفهم من (استثنائی) أنّه سیعالج قضایا مهمّة تخصّ الإسلام لحمایته والوقوف فی وجه المسیئین إلیه ، والذین یحاولون تشویه معانیه الروحیّة تحت مسمیات لا تمتّ إلى روح الإسلام ورسالته الإنسانیة السامیة ، لکنّهم اجتمعوا على نقیض هذه المعانی لیؤکّدوا عداءهم لإیران ، و شعب إیران وتأزیم الأوضاع العربیة.
فالبیان الختامی لمنظمة التعاون الإسلامی فی ختام اجتماعها (الاستثنائی) فی جدة الخمیس الماضی ، لبحث اقتحام سفارة المملکة السعودیة فی طهران و قنصلیتها العامة فی مدینة مشهد ، لا یختلف البیان عما سبقه من بیانات صدرت عن المؤتمرات السابقة ، حیث لا یعدو هذا البیان کونه حبراً على ورق و استکمالاً لمؤامرة تحاک ضد إیران ، وبخاصة بعد انتصارها فی إنجاز الاتفاق النووی مع الغرب .
وللأسف المأسوف علیه ، أنّ هذه المنظمة اختطفت کغیرها من المنظمات العربیة والدولیة وباتت مطیة لتنفیذ أجندات أمیرکیة صهیونیة غربیة حیث تجلى ذلک فی کلمات بعض رؤساء الوفود الذین یعملون بأوامر من أسیادهم فی البیت الأبیض والکیان الصهیونی حیث جاءت الکلمات مطابقة لما یخططون له ولاسیما لجهة التآمر على إیران وشعبها متلبسین بشعارات زائفة لا تمت لحقیقة ما یخططون له بصلة .
إن انتهاج منظمة المؤتمر الإسلامی للسیاسات الاستسلامیة و التموضع فی الخانات الرجعیة کان العنوان الأبرز لإستراتیجیة عملها خلال السنوات الماضیة ، إذ کانت على الدوام الحاضر الغائب لجهة التبنی الجاد للحلول والمعالجة الجذریة لجملة من الملفات الساخنة والقضایا المفصلیة التی لا تقبل القسمة على اثنین على مستوى المنطقة وفی مقدمتها القضیة الفلسطینیة ولا شک بأنها نتیجة حتمیة لجسد هزیل انتفت عنه صفة التداعی بالسهر والحمى وقد أثقلت بعض أعضائه بالأمراض والجراح ، تلک المنظمة التی کانت ولا تزال نسخة غیر معدلة عن الجامعة العربیة تتقاسمان الشرذمة فی العناوین والتآمر فی المضامین إلا ما رحم ربی لجهة وجود قلة قلیلة من الدول الأعضاء باتت معروفة للقاصی و الدانی لا تزال منخرطة فی المنظومة الحاملة للعقیدة القومیة ، تحمل الهم العربی وترفض الإملاءات الصهیو ـ أمریکیة.
جملة من المفارقات والتناقضات والنفاق السیاسی کانت حاضرة فی البیان الختامی لقمة المؤتمر الإسلامی . والمفارقة الأبرز أنّ المجتمعین فی جدة، صبوّا جام غضبهم وتحریضهم على إیران ، وکان أهمّ فی نظرهم من التحریض على مواجهة العدو الصهیونی الذی اغتصب القدس ویعبث بالمقدسات … فأین المنظمة الإسلامیة، من ممارسات الکیان الصهیونی الغاصب واللقیط منذ وجوده غیر الشرعی وحتى الوقت الحاضر؟ ألم یروا کیف یتصرّف هذا الکیان العنصری بالأماکن الإسلامیة المقدّسة من دون رادع أخلاقی أو إنسانی؟؟ .
منذ إحراق المسجد الأقصى (20 آب 1969)، مروراً باقتحام الحرم الإبراهیمی وتدنیسه وصولاً إلى الحفریات المستمرّة تحت المسجد الأقصى وتهدیده بالانهیار لنزع هویته العربیة والإسلامیّة ، لا ُیسمع صوت الکثیر من هذه الدول المسمّاة (إسلامیّة) وفی مقدّمتها الممالک والإمارات العربیة المهجّنة بصبغیات (صهیو ـ أمریکیّة) جعلت منها صفات ثابتة وهی تتلقى جرعات داعمة بین الحین والآخر. تلک المشیخات والممالک تجاهر الیوم فی علاقتها مع «الإسرائیلی» و توغل فی بناء العدید من العلاقات التجاریة التی تزود الکیان الصهیونی بعوامل دیمومته وبقائه .
ان منظمة التعاون الإسلامی تقف أمام إرهاب الدولة الصهیونی ضد الشعب الفلسطینی وقفة العاجز ، فلم تستطع التقدم خطوة ولا الرجوع إلى الوراء خطوة. ففی الوقت الذی کان یفترض من هذه المنظمة العتیدة أن تکون طوق نجاة لأولئک الأبریاء الفلسطینیین من الأطفال والنساء والمسنین ، و قوس نصر للمقاومة الفلسطینیة فیما تجترحه من مفاجآت ، لم تقوَ هذه المنظمة على اتخاذ الموقف الذی انتظره منها حتى أشأم المتشائمین من الفلسطینیین والعرب .. منظمة التعاون الإسلامی المنقسمة فی ذاتها وعلى ذاتها فی کافة الشؤون، فی العادات والعبادات وفی الفعل والمصالح أیضاً . وهو أمر یبدو واضحاً فی عملها وشللها. وبکل هدوء أسأل : ماذا تفعل منظمة المؤتمر الإسلامی حیال الهجمة الفظیعة ضد المسلمین والإسلام والعالم الإسلامی؟
ما صدر عن منظمة المؤتمر الإسلامی بجدة، نرى أنها انحرفت عن أهدافها التی أنشئت من أجلها لا تلبی تطلعات الشعوب العربیة والإسلامیة حیث بات المتربصون شراً بهذه الشعوب یعملون لحرفها من داخل المنظمة بما یتناسب مع أهوائهم ومخططات أسیادهم التآمریة على الشعوب العربیة ولاسیما أن بعض هؤلاء قد تبین علاقته الوطیدة مع حکومة العدو «الإسرائیلی» بل إنه مول الحملة الانتخابیة لرئیسها من أجل الحفاظ على منصبه وتطرفه وعدائه للعرب والمسلمین .
ولأجل کل ذلک لابد من تحریر القرار السیاسی العربی الإسلامی من التبعیة للخارج خصوصاً التبعیة للقرار السیاسی الأمیرکی ، ومن التبعیة للقرار السیاسی الأجنبی بصورة عامة، وشن حملة ضد الفکر الوهابی الذی یتبناه بنی سعود، وأن یکون لأصحاب الفکر النیر والمعتدل فی عالمنا الإسلامی القرار السیاسی المستقل و الموحد، الهادف إلى ترسیخ مشروع ثقافة التقارب بین المسلمین وتفعیل هذا المشروع فی سائر البلدان الإسلامیة واجتیاز الحالة المذهبیة ومواجهة الحالة التکفیریة الخطیرة التی تهدد بنیة وجوهر المجتمعات العربیة والإسلامیة وتقودها إلى الانحطاط والزوال.
کلمة أخیرة : إذا بقیت هذه المنظمة منظمة لإجراء المرتبات بالعملة الصعبة لموظفیها فقط، فان علیها وعلى مستلمی هذه ”المرتبات الرفیعة” السلام، إذا لم یتذکروا سمعة العالم الإسلامی التی یجری تشویهها على قدم وساق بلا رادع ولا حتى محتج.