ربما كان قادة العدوان السعودي على اليمن مشغولين لدرجة لم يتسنَّ لهم الاطلاع على ما اوردته مجلة “ذي ايكونومست” البريطانية المعروفة بمهنيتها العالية من ان اليمن انزلق الى حرب طويلة، وانه كان دائما أرضاً صعبةً على الغزاة الاجانب وأن الجنود الخليجيين تنقُصهم الخبرة المطلوبة لتنفيذ مهمة صعبة في مهاجمة حصون الحوثيين الجبلية والانتصار عليهم، وإذا كان هؤلاء القادة الخليجيون لم يتمرسّوا او لم يركّزوا كما يجب في دروس التكتيك والاستراتيجية خلال الدورات التي خضعوا لها في معاهد الغرب العسكرية، وبالتالي لم يتعلموا ان عملية صنع القرار العسكري للمناورة الكبرى تحتاج بالاساس، بالاضافة الى العديد المطلوب والسلاح المناسب، الى دراسة عقيدة العدو الذي نقاتله ودراسة تاريخه العسكري والمعارك التي خاضها وكيف خاضها وتحتاج أيضا الى دراسة الارض او الطبيعة الجغرافية لبقعة القتال الرئيسية، فكيف يعتبرون انهم سوف ينتصرون في حربهم التي يبدو انها أصبحت مستنقعاً واسعاً نجح الاميركيون في تحضيره لأغلب قوى ووحدات جيوش الدول الأغنى في العالم والأكثر تعطشاً وهوساً بشراء الاسلحة الحديثة والمتطورة؟
إذا اعتبرنا ان الهدف العسكري الاساس للحملة البرية لقوى التحالف في مرحلتها الحالية هو الوصول الى صنعاء العاصمة والسيطرة عليها وطرد أو تدمير قوى الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصار الله وذلك بواسطة تجمّع ضخم من الوحدات السعودية والاماراتية والبحرينية والقطرية مع عناصر من القاعدة بغطاء قبائل يمنية ومع عناصر هادي والاصلاح، فإن اهداف مناورة هذه القوى يمكن تلخيصها على الارض بما يلي:
مرحلة تمهيدية
الخطوة الاولى كانت القيام بنشر منظومة متطورة من الصواريخ المضادة للصواريخ من نوع باتريوت في مواقع متعددة من منطقة مأرب لتلافي وقوع مجزرة شبيهة بالتي أحدثها صاروخ توتشكا صافر، ثم إكمال السيطرة على مأرب العاصمة لتأمين دخول القوى المهاجمة من معبر الوديعة الحدودي مع المملكة عبر منطقة “عبر” باتجاه مأرب التي ستكون نقطة التوزع الاساسية للقوى لتنفيذ مهمات المرحلة الاولى التالية:
مرحلة اولى
– التقدم من مأرب على محور شمال غرب باتجاه صنعاء بعد الوصول الى منطقة الدشوش والى تقاطع طريق “الجوف – حزم” مع طريق “مأرب – صنعاء” لفصل مأرب وصنعاء عن الجوف وصعدة وقطع خطوط إمداد الجيش واللجان الشعبية وانصار الله وتضييق الخناق عليهم والوصول والتمركز في المساجير شمال شرق العاصمة.
– التقدم من مأرب ايضا على محور جنوب غرب باتجاه صنعاء عبر السيطرة على صراوح بعد السيطرة على الجفينة وامتدادا الى بيت الحضرمية جنوب شرق العاصمة والسيطرة عليها لتأمين نقطة ارتكاز أساسية تتلقى وحداتها الصديقة المتقدمة على المحور الجنوبي من تعز امتدادا الى دهمار فصنعاء وتشكيل نقطة تمركز ضاغطة على العاصمة من الجهة الجنوبية.
– التحضير لِعزل العاصمة عن المحافظات التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية وانصار الله في (عمران وحجة والحديدة والتي تؤمن قواعد إمداد ودعم مهمة لوحداتهم في صنعاء وذلك عبر تدمير جسور”مقشلة” و”لاحمة” و”زحام”، التي تربط صنعاء بالحديدة غربا وجسر”شرس” الذي يربط صنعاء بالحجة وعمران شمالا وشمال غرب.
مرحلة ثانية
– محاصرة صنعاء وتضييق الخناق على وحدات الجيش واللجان الشعبية وانصار الله بالتزامن مع تكثيف الغارات الجوية على مراكز التجمعات العسكرية والمدنية الاستراتيجية وعلى اهداف حيوية حددها “التحالف” بقرابة 500 هدف تقريبا لقيادات حوثية ولقيادات في حزب المؤتمر الشعبي في صنعاء وفي صعدة.
– تفعيل المفاوضات تحت ضغط محاصرة صنعاء وعزلها عن الجوف وعن محافظات الشمال واستعمال التقدم الميداني على الارض والحصار الخانق كأوراق ضغط لتوجيه هذه المفاوضات بإتجاه استسلام او شبه استسلام لانصار الله واللجان الشعبية وفرض شروط قاسية للتسوية ليس اقلها مندرجات قرار الامم المتحدة رقم 2216 .
عمليا على الارض، فشلت هذه الخطة حتى الآن منذ بداياتها، فعلى محور شمال غرب من مأرب عَنُفت المواجهات في الدشوش مع الجيش واللجان شعبية ووحدات انصار الله الذين كبّدوا قوة من “التحالف” خسائر كبيرة في الارواح والعتاد في معركة شرسة قالت عنها وكالة الصحافة الفرنسية انها الأعنف منذ بدء الحملة البرية على اليمن، وعلى محور جنوب غرب، تكبّدت وحدات “التحالف” ايضا خسائر كبيرة وفشلت في السيطرة على صراوح التي وسّع الجيش اليمني وانصار الله من تمركزهم الاساسي فيها بعد ان تيقّنوا أهمية هذا المحور بالنسبة لقوى التحالف والذي يعتبر المحور الاقرب من مأرب باتجاه صنعاء، كما وفشل “التحالف” ايضا في التقدم على المحور الجنوبي من “تعز” باتجاه صنعاء بسبب المقاومة الشرسة والسيطرة النارية والميدانية لأنصار الله على نقاط حاكمة واستراتيجية تمسك هذا المحور بالكامل في جبل جرّة ومدينة النور.
واخيراً قد يكون من المفيد العودة الى مضمون ما ذكرنا بداية عما اوردته مجلة “ذي ايكونومست” البريطانية، يضاف الى ما صرح به الناطق الصحفي المتحدث باسم الامم المتحدة “ستيفان دوجارديك” بانه لا يوجد حل عسكري للصراع في اليمن، مع الاشارة الى ان الحرب بالنسبة لانصار الله لم تبدأ بعد وهم ما زالوا يناورون في المواقع التي سيطروا عليها في الوقت الضائع بعد هروب الرئيس عبد ربه منصور هادي وبدء الازمة اليمنية، وهم يتحضرون في الجبال والحصون التي اختبروا القتال فيها اباً عن جدّ، وهي حسب ما يقسم دائماً امام وسائل الاعلام رجالهم وشبابهم وفتيانهم، ستكون مقبرة للغزاة وسوف يلقنون هؤلاء درساً لن ينساه تاريخهم .
شارل أبي نادر – عميد متقاعد