اعتبر المفكر المغربي ادريس هاني ان خطاب جمال الدين الأفغاني للعقل العربي نهضوي تقدمي وملهم للعرب ومحرك لحركات التقدم ومؤسس للخطاب النقدي تلاه محمد عبده ومحمد رشيد رضا، لافتاً إلى الأثر الكبير الذي خلفه هذا المفكر متجاوزاً الحدود الجغرافية والمذهبية.
وأفادت وكالة مهر للأنباء إن كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران اقامت ندوة فكرية تحت عنوان “العلماء المسلمين ومنطق التغيرات الحضارية” شارك فيها المفكر ادريس هاني من المغرب حيث قدم شرحاً موجزاً عن عدد من مفكري العالم الاسلامي منذ مطلع القرن العشرين مناقشاً منطلقاتهم الفكرية وتفاعلهم مع الحداثة والتاريخ ودراساتهم حول الوعي المعرفي الجديد.
وبدأ ادريس هاني بتوضيحات عن شخصية السيد جمال الدين اسد آبادي او كما يسمي نفسه هو السيد جمال الدين الافغاني الذي تلمذت في مدرسته شخصيات مثل محمد عبده و رشيد رضا، معتبراً السيد جمال الدين شخصية مميزة ونادرة نشأت في بيئة هندية وفارسية وتعرف على مفهوم الحداثة اثر دخول الاستعمار في منطقتهم.
وتطرق المفكر المغربي إلى خطاب جمال الدين الأفغاني للعقل العربي منوهاً إلى مخاطبته حسب ما يتطلبه المجال العربي ، ونوه هنا ادريس هاني للمفكرين العرب الذي ثمنوا الأفغاني ومنهم عبدالله العروي الذي خصص جمال الدين الافغاني في اطروحته معتبراً إياه متفوقا جداً حتى على تلامذته.
وأوضح هاني إنه يريد من هذا الكلام الرد على خطاب يترسخ يوما بعد يوم يستهدف العموم والجماهير مثلما يستهدف النخب المثقفة حيث اصبح المجال العربي يعيش حالة من الوحدة والتراث في الموقف بين العامة والخاصة حول ان ايران في تاريخ علاقتها بالعرب لم يأتي منها الا الشر ذاكراً إن الباحث المصري محمد عمارة المعروف بدراساته حول خطابات النهضة والاصلاح في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في المنطقة العربية، كتب كتاباً قبل سنوات تحت عنوان “السيد جمال الدين الافغاني المفترى عليه”.
وانتقد المفكر المغربي هذا الكتاب قائلاً من يقرأ العنوان يعتقد ان محمد عمارة بصدد الدفاع عن السيد جمال الدين الافغاني ولكن حين تقرأ تكتشف بأن كل هذا الجهد الجهيد الذي قام به محمد عمارة كمحقق كان يستهدف الى أمرين: الامر الاول ان يثبت ان السيد جمال الدين هو افغاني وليس ايرانيا وفي المرحلة الثانية يريد أن يثبت بأنه سني وليس شيعيا.
ووصف هاني ادريس كتاب عمارة المصري بالنص المتوتر و الملتبس فهو مليء بالهنات والثغرات، والجدير بالذكر إن هذا عمارة دون كتابه رد على كتاب آخر لمواطنه لويس عوض تحت عنوان “ماذا يفعل الايراني الغامض” في مصر ويقصد به السيد جمال الدين الأفغاني.
ورأى ادريس هاني إن البعض في مصر يريد ان يخلو ايران من اي شيء ملفت او مهم او ايجابي ينطلق منها او من الشيعة بمعنى انه يريد ان يحتفظ لايران والشيعة فقط الاشياء التي يقال انها غير جيدة وبما انهم لا يستطيعون ان يطيحوا بالسيد جمال الدين الافغاني ولا بسمعته فقرروا ان يسرقوه من ايران ومن التشيع.
ونوه هاني ادريس إلى إن هذا الأمر خطير فالكاتب محمد عمارة نفسه عاد لينشر بعد سنوات مقالاً في احدى الجرائد المصرية “ماذا بقي للشيعة بعد جهاد السنة؟” تتمحور حول النهضة العربية والشخصيات المؤثرة فيها لاسيما السيد جمال الدين الافغاني بمعنى أنه ليس للشيعة فيها شيء.
واعتبر ادريس هاني أنه من باب مشروع الوحدة ومشروع الإخاء لابد أن نثبت إيرانية جمال الدين وتشيعه حتى ن”ؤكد إنه قد جاء خير كثير من هذا الصقع الجغرافي ومن هذا المذهب لرجل ألهم العرب السنة كيف ينهضوا وكيف يتحرروا من الاستعمار وكيف يبنون نهضتهم”.
وارتأى ادريس هاني ان السيد جمال الدين وهو الملهم بالفعل لنهضة الشرق وهو فيلسوف كما اعترف إرنست رينان الذي حاوره من فرنسا إن هذا الرجل بالفعل رجل عبقري وهو ملهم بالفعل وحين ما كان يحوره حسب مايقول كأنه كان يحاور ابن سينا.
وأورد المفكر المغربي إن ارنست رينان كان يحاول أن يخرج الأفغاني عن نقده للعقل العربي بأن يقول له “إنك تتكلم هذا الكلام يا سيد جمال لأنك تأتي من منطقة فارسية أو منطقة أخرى”، لكن السيد جمال الدين مدح العرب ضد إرنست رينان وبالتالي الغرب، فكان رجلاً غايةً في الجدية وقال كلاماً عن العرب لم يقولوه العرب عن أنفسهم.
وطرح هاني تساؤلاً، “لماذا انهار مشروع الأفغاني وهو مشروع التقدم والذي سيظهر كسؤال وعنوان لكتاب “شكيب أرسلان” فيما بعد “لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟” لافتاً إلى إن السؤال المحوري والجوهري لخطاب عصر النهضة العربية واصل العمل فیه محمد عبده وقلص نوعاً ما من خطاب مناهضة الاستعمار والاستبداد وتوجه نحو التربية واهتم بالتعليم إلى غير ذلك ثم جاء محمد رشيد رضا وهو إيضاً مشمول في مشروع الجامعة الإسلامية.
وشرح هاني ادريس حول المفكر محمد رشيد رضا الذي عاشر مرحلة انهيار الخلافة العثمانية وكان لهذا الانهيار وقع كبير في نفسه، فانعكس على خطابه وتراجع خطابه عن خطاب النهضة وبدأ يفكر تفكيراً في إمور تصحيح العقائد وتزامن ذلك مع ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية وكان أول من كتب نصاً يمتدح هذه الدعوة هو محمد رشيد رضا. حيث امتدح الوهابية.
وأشار الباحث هاني أدريس إلى تغير خطاب النهضة الذي بدأ الانكسار من الجامعة الاسلامية وخطاب النهضة والتقدم إلى خطاب تصحيح العقيدة من شوائب الشرك الكفر وأنهار المشروع من أفكار جمال الدين الأفغاني إلى خطاب شبيه بالخطاب السلفي الذي ابتدأ في عهد محمد رشيد رضا.
وأضاف المفكر المغربي إن تلميذ محمد رشيد رضا هو حسن البنا الذي وجد في سياق معين من الاستعمار البريطاني أراد أن ينزل خطاب الجامعة الاسلامية إلى خطاب الجمهور بدل أن يصبح خطاباً نخبوياً خاصاً لافتاً إلى إن كتابات جمال الدين الأفغاني هي كتابات نخبوية عميقة متخصصة لا يمكن للجمهور أن يفهمها ولا حتى خطاب محمد عبده ولا حتى خطاب محمد رشيد رضا صاحب المنار، لكن حسن البنا سيعمل على إنزال محتوى هذا الفكر إلى الجماهير.
ورأى انه لأن نتمكن أن نتحدث للجماهير عن الجامعة الإسلامية، فصار تحول من الجامعة الإسلامية إلى الجماعة الإسلامية وأسس جماعة داخل المجتمع مبينة على مفهوم الأخوة في إطار التنظيمات والجماعات وكان هذه بقدر ما هي مهمة في تكوين طليعة معينة، كما وشكلت نكسة لأنها حادت عن مشروع التقدم وخطاب النهضة والخطاب الذي يجمع جميع أطياف المجتمع بما يسمه غرامشي “الكتلة التاريخية” التی من دونها لا يمكن أن تتحقق الثورة أو النهضة وغرامشي هنا يصف واقعاً ويضع له مصطلحاً فكل ثورة نشأت، كما حدث في ايران، كان فيها جميع أطياف المجتمع وليس جماعة فقط، والقائد لم يكن قائد جامعة بل كان قائد أمة هذا هو الفرق وهذا مايسمى بالكتلة التاريخية لكن الجماعة حادوا عن سؤال التقدم، لم يعنيهم التقدم لذلك سوف سيستمر الكلام ليصل إلى نظير خطاب القرن العشرين وتجهيل المجتمع وتكفيره، بمعنى آخر أصبح المشكل هو المجتمع وليس التخلق إلى غير ذلك. وهكذا انهار مشروعجمال الدين الأفغاني ولم يعد هناك خطاب للنهضة وربما كانت هناك صرخة يتيمة لمالك بن نبي.
وأردف ادريس هاني إن مالك بن نبي تحدث عن شروط النهضة ولم يلتفت إلى خطاب الاخوان تحدث عن كل ماهو جامع، حتى تحدث عن كومنولث اسلامي (الرخاء المشترك : common waelth) وفي ذلك الوقت لم يكن لدعوته صدى لإن لم يحرك الجمهور، وقد رفض استقلال باكستان عن الهند باعتبار إن هذا لايفيد في معركة العالم الثالث ضد الاستعمار والامبريالية.
واعتبر انه احبط مالك بن نبي ولذلك فإن أحد أهم كتاباته كتاب يعتبر شبه سيرة ذاتية، كتاب “العفن” وهو تعبير عن إنه بالفعل قرف وفقد الأمل وأنه بالفعل فشل تقريباً كما فشل قبله جمال الدين الأفغاني، لبقى الصوت العالي لتيار الاخوان والجماعة الإسلامية، التي نزلت بسؤال النهضة من سؤال كبير جامع إلى سؤال مجزء إلى إن إنهد في الأخير إلى نزعة سلفية ونزعة تكفيرية ونزعة تصنيفية كما بدى اليوم من الواضح جداً.