يعتمد اقتصاد اقليم كردستان العراق على النفط بشكل رئيسي، حيث شهد بين عامي 2003 و2014 طفرةً بالواردات النفطية آنذاك، بعد أن كان سعر برميل النفط يقارب الـ 120 دولارا.
وتميز اقتصاد السوق في تلك الفترة بالأرباح القدرية وهي الأرباح التي يتم كسبها من دون وجود جهد مبذول أو إنتاج فعلي ملموس، كما تميز اقتصاد السوق باعتماده على المضاربة في سوق العقارات. الا أنه وبعد بدء العدوان السعودي على اليمن وهبوط أسعار النفط الى أدنى مستوياته عالمياً، ما يقارب 27 دولاراً للبرميل الواحد، ولأن الاعتماد الكلي لاقتصاد الاقليم ينحصر على إنتاج النفط فإن هبوط الأسعار وانحدارها السريع أدى إلى انخفاض سعره خلال ستة أشهر فقط بحدود 60%. وهناك تقارير وتحليلات تشير إلى احتمالية هبوط سعر النفط إلى 20 دولارًا تقريبًا، وسيؤدي هذا إلى أن يعاني الاقليم وضعًا حرجًا للغاية. وإذا ما استمر الوضع الحالي لمدة طويلة فسيكون اقليم كردستان قريبًا جدًا من حد الإفلاس.
ومن المؤشرات على أنّ الوضع الاقتصادي في الاقليم قد وصل الى حافة الهاوية وتعدى الخطوط الحمر، شهد الاقليم في الأيام الماضية وللمرة الأولى، مواقف موحّدة ضد حكومة الاقليم من الناس والمجتمع تمثّلت في التظاهرات الحاشدة من قبل الموظفين في القطاع العام والتي شهدتها في آن معاً السليمانية وأربيل، احتجاجاً على سوء الخدمات وسياسات التهميش والتمييز التي تمارسها حكومة الإقليم وعدم دفع الرواتب منذ شهر سبتمبر الماضي أي منذ أكثر من خمسة أشهر، وحمل المتظاهرون المسؤولية لعائلة الحزبين الحاكمين الذين يسرقون عائدات وخيرات الاقليم الكردي.
وبرز على الساحة أخيراً عدم قدرة حكومة كردستان على دفع رواتب الموظفين، مما أدى الى اعتصام المعلمين والسائقين في مدينة السليمانية وفي الوقت نفسه هددت نقابة الأطباء في اربيل بتنفيذ اعتصام أيضاً ان لم تقم الحكومة بدفع رواتب الأطباء والموظفين في المؤسسات الرسمية والمستشفيات.
أولى الاعتصامات كانت للمعلمين، الذين أضربوا عن المجيء الى أماكن عملهم لمدة أسبوعين، وذلك لعدم استلام رواتبهم من شهر سبتمبر الماضي، من بعدهم بدأ اعتصام شرطة المرور وقال محمد صديق، المتحدث باسم شرطة المرور في السليمانية: “أدعو الى التظاهر في مختلف المناطق لحل المشاكل القانونية.”
ويؤكد رجال أعمال ومستثمرون، أن الوضع الاقتصادي في اقليم كردستان وخصوصاً في مدينتي السليمانية و أربيل مزرٍ جداً، وقالوا إنّ هناك حالةً من الجمود الاقتصادي المترافق مع القلق والتململ من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتدنّي القوة الشرائية، واتّساع رقعة الفقر والبطالة (40 في المئة بين الشباب)، وتراجع أجور الموظفين تدريجاً. يضاف إلى هذا الواقع الذي يطغى عليه مناخٌ من التشاؤم من المستقبل لدى طبقة رجال الأعمال والمستثمرين المحليين، خصوصاً في قطاعي السياحة والتجارة، بعد توقّف الكثير من المشاريع في المدن، الخوف من التجاذبات السياسية والمصلحية الحاصلة في شكل حاد بين القوتين الكبريين اللتين تحكمان الإقليم وتحظيان بغالبية الامتيازات، أي الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني.
ويخشى محلّلون أكراد من استمرار هذا الوضع المتردّي لأشهر إضافية، وهو أمر بات شبه مؤكد بعد التبدّل الحاصل في موقف تركيا حيال الأكراد، حتى ولو كان الأمر يتعلّق علناً بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله أوجلان، الموجودين في محيطي كل من أربيل والسليمانية، إضافة إلى استمرار انخفاض أسعار النفط وتمنّع الدول عن شراء بترول الإقليم أو استقبال السفن التي تحمله في موانئها، وزيادة الأعباء التي يرتّبها النازحون العراقيون على موازنة الإقليم، وتشدّد الحكومة المركزية في بغداد لناحية التعاطي مع مطالب حكومة كردستان. فالعودة الى الحديث عن وحدة الإقليم وسلامته أصبحت مدار بحث جدي بين الأطراف، بخاصة بعد تصاعد الخلافات إلى العلن بين الحزبين حول ملفّي الأمن والاقتصاد، والاتهامات المتبادلة بالتجاوزات والاختلاسات وسوء الإدارة، ومن جهة أخرى دخول “حركة التغيير المعارضة” المنشقّة عن حزب طالباني والتي تطالب بإعلان السليمانية إقليماً مستقلاً.
بات شبه مؤكد أن اقتصاد كردستان العراق يشهد نهاية الطفرة التي طالما استفاد الحكم هناك من خيراتها، وليس شعب الإقليم الذي بقي يشكو من الفقر والبطالة وسوء الخدمات. ومن العوامل الأخرى التي لعبت دوراً في هروب المستثمرين، غياب الشفافية على مستوى القوانين ونسب الرشاوى العالية المفروضة من النافذين، إلى حدّ لجوء الشركات العاملة في مجالي النفط والسياحة الى التحكيم الدولي لتحصيل حقوقها، وكان آخرها الدعوة التي ربحتها شركة “دانة” الإماراتية للطاقة ضد وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم.