أن يقوم النظام السعودي الحاكم بقمع شعبه والإعتداء عليه كما حدث بالأمس في العوامية والذي أوقع شهداء وجرحى بينهم نساء وأطفال فهو ليس بالأمر الجديد، وان تصل العوامية تعزيزات عسكرية ضخمة لمحاصرة واقتحام البيوت ومحاصرة المساجد كما حدث بخصوص “مسجد الجبل” فهو ما يعتبر من ركائز وأسس النظام التي تأسس عليها، فليس الأمر مقتصراً على الداخل فقط بل إن روحية آل سعود الحاكمة يراد لها أن تُشاع في العراق واليمن وسوريا وسائر بلدان المنطقة. فقمع الصحافة والإعلام والتصفيات الجسدية هو أمر مشترك في سياسة آل سعود حيال الداخل والخارج، فآخر اجراءات قمع الصحافة استعفاء مدير قناة العربية لعرضه فيلماً وثائقياً ومن قبلها تهديد لقنوات لبنانية لعرضها خطبة قائد المقاومة، ولهذا لا تعتبر الجماعات الإرهابية التي انتشرت مؤخراً بالشيء الجديد، فنظام آل سعود وبعض الأنظمة العربية الحاكمة برعاية أجنبية هي شبيهة لهذه الجماعات ولكن بقالب الدولة. فما هي العوامل المشتركة في سياسة آل سعود القمعية في الخارج والداخل.
أولاً: العامل المشترك والدافع الأول يكمن في مايراد من وظيفة لهذا النظام، فما لا شك فيه أن النظام السعودي كما كثير من الأنظمة التي سبقت كصدام حسين والذي لم يكن يتمتع بأدنى تأييد شعبي سوى الرضا الغربي والدعم له، في المقابل فإن الغرب يريد لهذه الأنظمة البقاء لأن خلاف هذه الأنظمة يعني الإرادة الشعبية في إدارة البلاد والتي لا تتناغم مع مطامع الغرب ومنافعهم، ولهذا نرى حاجة هذه الأنظمة ومنها السعودي إلى قمع أي ارادة شعبية تحررية في الداخل تطيح بالنظام الإستبدادي، ولذلك نرى أيضاً مواجهة هذه الأنظمة لأي بلد آخر يحترم أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان تخوفاً من أن ينتشر هذا الفكر الديمقراطي ويطال نظامها، ومن هنا يمكن تفسير ما يجري في العدوان السعودي على الشعب اليمني مثلاً أو عداوة هذا النظام للشعب الإيراني وحكومته، أو مخططات التصدي التي يرسمها آل سعود بالتعاون مع الغرب بوجه محور المقاومة في سوريا ولبنان وفلسطين.
هذا المسلك من السياسة السعودية هو ما يتناغم مع ما يطلبه الغرب منها حفاظاً على مصالحه ومنافعه، وهو ينسجم أيضاً مع الأسس التي قام عليها النظام ونشأ من قهر واستعباد واستغلال لأطياف المجتمع على حساب الطبقة العائلية الحاكمة، ولهذا نرى تناقضاً في دعوة هذا النظام مثلاً للرئيس السوري بشار الأسد نحو الديمقراطية في الوقت الذي نرى فيه النظام يقمع شعبه.
ثانياً: العامل الثاني وراء سياسة الإستبداد في الداخل والخارج يعود إلى ركائز المنشأ، فالنظام السعودي وجِدَ في ظروف من الضعف الذي ألمّ بعالمنا العربي وحالة من الضياع وضعف الإمكانات وافتقار المجتمع آنذاك إلى الرؤية السياسية التي تُمكّنهُ من التعاطي مع الوقائع والمستجدات والأحداث السياسية بخلفياتها وأهدافها، ولذلك جاء سايكس بيكو فقسّم عالمنا العربي، وتمكّن آل سعود من الإمساك بمقاليد الحكم منذ وقتها إلى يومنا هذا دون رقيب ولا حسيب، واحتلّت فلسطين، أما اليوم فمجريات الأمور تغيرت، فالإمكانات أصبحت متوفرة، والرؤية السياسية صارت واضحة، وحركات الشعوب اتجهت بأكملها لمواجهة المخاطر ومؤامرات الغرب الإستعماري، وتشكّل محور الممانعة والمقاومة الذي أحدث يقظة شعبيّة عارمة وتمكّن من تحرير لبنان والوقوف بوجه الإعتداءات الإسرائيلية فيما بعد وأحدث توازناً في المعادلة بوجه المحتل الإسرائيلي في فلسطين، وأفشل مخططات امريكا والغرب في العراق.
هذا التغيير الحاصل بات يهدد ركائز المنشأ لهذه الأنظمة الحاكمة المستبدّة وهو ما يفسّر اعمال القمع التي يقوم بها النظام السعودي الحاكم ومثيلاته في المنطقة سواء داخلياً وخارجياً. ولهذا تستخدم هذه الأنظمة وعلى رأسها آل سعود عناوين خادعة ومضللة في سياستها العدائية اتجاه شعوب وحكومات المنطقة بإسم الدين والفتوى وطاعة ولي الأمر وعدم قلقلة الحاكم وحكمه.
ثالثاً: العامل الثالث والمشترك في سياسة الإستبداد السعودي في الداخل والخارج والتي تطال جانباً منه هو ما قد يكون في السياسة الغربية الأمريكية في المنطقة والباحثة عن أسواق لتسويق السلاح، ولأن تسويق السلاح يحتاج إلى خلق الإضطرابات والحروب وقمع الشعوب، يأتي الدور السعودي الأبرز في تسويق السياسة الأمريكية بإعتبار ما تملكه من أموال مخزون النفط الهائل وأموال موسم الحج والعمرة.
رابعاً: من العوامل المشتركة ايضاً السياسة الأمريكية الغربية مؤخراً اتجاه المنطقة والقاضية بإعادة تقسيم البلدان وتهيئة الأرضية في بعضها الآخر تمهيداً لتقسيمها مستقبلاً كالسعودية، هذه السياسة الأمريكية الغربية اقتضت على ما يبدو في ضمن مسلسلها توريط السعودية في أكثر من ملف شائك كاليمن وسوريا والعراق وغيرها الكثير وما نتج عنه من هبوط في أسعار النفط الذي ترتب عليه إحداث نقمة شعبية عارمة اتجاه السياسة المتبعة إلى جانب سياسة الإستبداد.