الوقت ـ لم نر في يوم من الايام، أن اي قرار صارما وقويا قد صدر من قبل الجامعة العربية دفاعا عن الشعوب العربية، خاصة الشعب الفلسطيني، بالرغم من أنه يواجه الإبادة الجماعية منذ مايقارب الـ70 عاما، بدء من جرائم مجموعات “الهاغانا” وصولا الی آخر الحروب التي شنها “بنيامين نتانياهو” علی هذا الشعب. لكن وفي ظل مثل هذا الخنوع المقيت وانبطاحها التام أمام جرائم العدو الإسرائيلي، فقد أصبحا فجأة ودون أي مقدمة أمام تحمّساً منقطع النظير من قبل الجامعة العربية، لكن عليكم أن لا تخطئوا وتتصوروا أن هذا الحماس ضد الكيان الإسرائيلي، بل علی العكس من ذلك تماما، فانه ضد من يقاتل العدو الإسرائيلي منذ حوالي ثلاثة عقود. نعم انه ضد حزب الله، حيث إتهمته الجامعة العربية بانه منظمة “إرهابية”!، وجاء هذا الإتهام لحزب الله بالتزامن مع إتهام قوات “الحشد الشعبي” العراقي بنفس الإتهام من قبل بعض الدول العربية، وجاء هذا الإتهام للحشد الشعبي أيضا بالرغم من أن الحشد يقدّم يوميا تضحيات جسيمه من خلال معاركه ضد تنظيم داعش الإرهابي. ولمعرفة التفاصيل الكامنة وراء هذه المواقف المتناقضة من قبل العرب ضد حركات المقاومة، أجرينا حوارا مع أستاذ العلوم السياسية والكاتب والمحلل السياسي العراقي، الدكتور “سعيد دحدوح”، قال فيه ما یأتي في التالي:
الوقت: لماذا إنزعجت السعودية من مواقف السيد “إبراهيم الجعفري” الذي دافع خلالها عن الحشد الشعبي العراقي وحزب الله أمام تهمة الإرهاب، خلال إجتماع الجامعة العربية الأخير؟
دحدوح: بالتاكيد لايمكن أن يتحمّل الكيان السعودي كلمات مثل التي أدلی بها “إبراهيم الجعفري”، فقد إعتاد هذا الكيان علی أن يسمع كلمات الطاعة من قبل الدول العربية التي إستطاع أن يشتريها عبر المال السعودي. لأن المال السعودي غير موجّه الی البناء والشعب والی التنمية داخل المملكة العربية السعودية، وإنما يستخدم الی شراء الذمم. ويمكن الإشارة هنا الی وسام الشرف الذي منح لمحمد إبن نايف من قبل فرنسا والضجة التي حصلت حول هذه القضية.
اليوم فقد غاب الدور العربي الحقيقي في الجامعة العربية من خلال عدم تواجد دول بارزة مثل سوريا والعراق ومصر والجزائر وغيرها من الدول التي كانت لها مواقف معروفة، وإنحصر دور الجامعة العربية حيال القضايا الاقليمية والدولية بيد دول خليجية مثل السعودية. ما تمر به حالیا سوريا والعراق وليبيا وكذلك مصر من أزمات، ترك الملعلب الی دول الخليجیة التي تشتري ذمم هذه الدولة أو تلك الدولة. العلاقات السودانية الإيرانية كانت علاقات وثيقة لكن إستطاعت السعودية بعد وصول “سلمان” أن تشتري هذه الدولة لكي تغير مواقفها من مواقف مساندة للقضايا المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتصبح معادية للمقاومة. وبسبب هذا الدور الذي باتت تلعبه السعودية في الجامعة العربية فقد كان يشعر وفدها في الإجتماع الأخير، كانه يستطيع أن يحرك جميع الخيوط الموجودة في الجامعة العربية كيف مايشاء، لا أن يسمع كلاما يتهم المملكة العربية السعودية بشكل مباشر بالارهاب من قبل “الجعفري” ويدافع عن حزب الله والحشد الشعبي، ولهذا أنزعج الوفد السعودي.
السعودية تريد أن تكون دول الجامعة العربية منصاعة لأوامر الملك “سلمان” والمال السعودي. ولهذا نقول أن قرار الجامعة العربية ضد حزب الله لا قيمة له أمام زخم الملايين من الجماهير العربية والإسلامية التي تساند حزب الله وتقف خلف السيد “حسن نصرالله”.
الوقت: لماذا تناست الجامعة العربية الإجتياح التركي للأراضي العراقية ولم تتخذ أي إجراءات عملية لإنهاء هذا الإجتياح من باب أن العراق يعتبر أحد أعضاء الجامعة العربية؟
دحدوح: العراق فقط استطاع أن يحصل عن شجب الجامعة العربية للتدخل التركي داخل أراضيه باعتباره الموقف المساند الوحيد، لكن لم تقدم هذه الجامعة أكثر من ذلك للعراق. تركيا هي جزء من المشروع الذي يستهدف المقاومة. هنالك مشروعين في المنطقة، المشروع الاول، هو المشروع السلفي والثاني المشروع العثماني. المشروع السلفي مدعوم من قبل السعودية والعثماني مدعوم من قبل تركيا. وبالرغم من إختلاف المواقف بين تركيا والسعودية حول الاحداث المصرية، فقد نجد أن كلا الدولتين قد التقتا في الساحة السورية والعراقية والساحة اللبنانية. وبدأنا نری أن العلاقات في الآونة الاخيرة بين بعض دول الجامعة العربية مع الكيان الصهيوني بدأت تطفوا علی السطح ولهذا فلا يمكن أن نتوقع دعما عمليا من هذه الدول لمساندة العراق ضد تركيا باعتبارها حليفة لهذا الكيان.
الوقت: لقد شهدنا زيارة للسيد “فؤاد معصوم” وكذلك السيد “إبراهيم الجعفري” الی مصر خلال الايام الماضية والتقی “معصوم” بالرئيس “عبدالفتاح السيسي”، وعلی ما يبدو فانه هنالك مساعي من قبل بغداد لتنمية علاقاتها مع القاهرة، كيـــف تصف لنا مستقبل العلاقات المصرية العراقية؟
دحدوح: في الحقيقة توجد قضيتان أدت الی تغيب الدور المصري في العالم العربي خلال العقود الماضية. الاولی، معاهدة كمب ديفيد ومعاهدة الصلح التي عقدت مع الكيان الصهيوني في 1978، هذه أحد الأسباب التي قلصت الدور المصري منذ 1979 ولحد الآن. والقضية الثانية التي أدت الی تقليص الدول المصري في العالم العربي، تعود الی تأثير المال السعودي علی الحكام الحالیين في جمهورية مصر العربية، بالرغم من محاولة إنتهاج الاستقلالیة من قبل الساسة الحالیين في مصر. لكن في جميع الاحوال فان هاتين القضيتين تقيدان السياسة المصرية. وفي مثل هذه التعقيدات الشائكة التي تعاني منها مصر، فان العراق يحاول أن يجد منفذا للاقتراب من جمهورية مصر العربية والدول العربية والإسلامية الاخری وتصب هذه الزيارات في هذا السياق.
الوقت: ما هي الأسباب الكامنة وراء الهجوم الشرس والمفاجيء من قبل الدول العربية في هذه الفترة ضد حزب الله والحشد الشعبي؟
دحدوح: من أجل معرفة عداء السعودية تجاه الشعب العراقي تاريخيا يجب علینا أن نتذكر الاحداث التي مر بها العراق خلال الانتفاضة الشعبانية في 1991، عندما نجحت الإنتفاضة أن تسيطر علی 14 محافظة من أصل 18 محافظة عراقية، عندها فقد ذهب المسؤولون السعوديون الی أمريكا وطالبوهم لكي لا يتم اسقاط نظام “صدام حسين”. حيث قالوا اننا لا نريد دولة شيعية ثانية في المنطقة مجاورة للسعودية، كفانا إيران!. حينها فقد تغييرت المعادلة من دول تقاتل النظام الصدامي الی دول داعمة الی هذا النظام. هذه الدول تعاني حقيقة من حرج كبير نتيجة الإنتصارات التي حققها حزب الله في لبنان وفي سوريا. هذه الدول هي تخطط منذ سنة 2002 عندما إنعقد مؤتمر القمة العربية في بيروت وطرح الملك السعودي، “عبدالله” مشروع مبادرة السلام مع الكيان الإسرائلي. فقد بدء الحرب ضد حزب الله من قبل هذه الدول منذ ذلك التاريخ. حزب الله وقف وأفشل هذا المشروع من خلال إنتصاره في 2006. اليوم تأتي قوة جديدة في العراق (الحشد الشعبي) مجاورة للمملكة العربية السعودية والی دول الخليجیة، ولهذا يصبح من الطبيعي أن السعودية، تستنفر جميع إمكانيات الجامعة العربية لمواجهة حزب الله والحشد الشعبي والحكومة العراقية التي تعلن دعمها لهما.
الوقت: بالرغم من جميع هذه المواقف المشينة التي صدرت عن دول الجامعة العربية خاصة السعودية تجاه حزب الله، لماذ لم نری أي موقف داعم من قبلها للشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الإسرائيلي؟
دحدوح: هذه الجامعة قد أكل وشرب علیها الدهر. هي تأسست قبل قيام الإمم المتحدة وتأسست كذلك قبل الإتحاد الاوروبي الذي بدء بمعاهدة بسيطة هي معاهدة الفحم والفولاذ في 1951. الاتحاد الاوروبي من معاهدة إقتصادية بسيطة تحوّل وأصبح إتحادا أوروبيا قويا، بالرغم من الإختلافات اللغوية والمذهبية والسياسية والحروب العالمية الاولی والثانية التي حصلت بين الدول الأوروبية. لكن هذه الجامعة لم تفلح لحد هذه اللحظة أن تزيل حتی الحدود بين الدول العربية. الجامعة العربية فشلت طيلة الاعوام الماضية وأصبح المال السعودي والقطري يلعب بها كيف ما يشاء، خاصة بعد تجميد عضوية سوريا في هذه الجامعة. ويمكن القول أن الجامعة العربية ليس فقط لم تعمل علی دعم الفلسطينيين فحسب، بل أنها أصبحت خطرا علی القضية الفلسطينيية أيضا، لكن في مقابل ذلك ستظل أنظار الشعوب العربية باتجاه فلسطين والمقدسات الإسلامية ومن يدافع عنها خاصة حزب الله.