اعتبرت المرجعية الدينية العليا العهد الذي اوصى به الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر حينما ولاه على مصر الانموذج الامثل للسياسي الذي يريد ان يكون ناجحا بأدائه، جاء ذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بإمامة السيد احمد الصافي في 22 جمادى الأخرة 1437 هـ الموافق ا نيسان 2016م.
قائلا بعد ان تلى المقدمة التي جاء فيها “قال (عليه السلام) : (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاّك)، هذا النص الشريف من النصوص المهمة لكل رجل سياسة، وهذا العهد ايضاً من العهود المهمة وقد تعرض هذا العهد لشرح كثير وبلغات شتّى وقد شرحه عالم الدين والحقوقي والسياسي وقورن هذا العهد بوصايا الساسة الاخرى فشمخ هذا العهد كثيراً وتربّع على مجموعة مفاهيم لمن اراد ان يجد فيه صلاحه وصلاح العباد..
واضاف ان مالك وما ادراك ما مالك اذ نُسب لعلي (عليه السلام) : (كان لي مالك كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومالك مدرسة وهو تربى عند امير المؤمنين (عليه السلام) وارسله الى مصر وهي بلدة كبيرة واسعة لكن شاءت الاقدار ان لا يتمكن مالك من حكم مصر فقد دُس اليه السم وتوفي وهو لم يحكم مصر.. لكن هذا العهد الذي كتبه امير المؤمنين (عليه السلام) لمالك واقعاً من نفائس الوصايا والكتب التي ان اراد السياسي النبه الناجح ان يكون ناجحاً عليه ان يعتمد عليه ..
واستوقف الصافي لكلمة الامام علي عليه السلام (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم)، قائلا “لاحظوا تعبير الامام (عليه السلام) وهو يوصي والياً كيف يحكم ؟! لم يقل له ارحمهم انما قال (اشعر قلبك الرحمة) وهناك فرق اخواني ان ترحم وان تُشعر قلبك الرحمة، والامام (عليه السلام) يقول : لابد ان تشعر قلبك الرحمة فهذا هو سر نجاحك يا والي يا سياسي، مضيفا لابد ايضا ان تحبهم لأنك ان احببتهم معنى ذلك كما تحب نفسك وكما تحب لنفسك ما يمكن ان تحقق به صلاحها كذلك اذا احببتهم ستفتش عن صلاحهم فلابد ان تُشعر قلبك بالرحمة لتكون اباً حانياً عليهم مشفقاً وان تحبهم كل منهم في اقصى البلاد او اقرب شخص لك ما دام يتعنون بعنوان الرعية ، و(والطف بهم) فحاول ان تتلطف بهم وتأتي اليهم بكل ما يحسن اليهم وييسر امورهم.
وتابع الصافي ثم قال امير المؤمنين (عليه السلام) : (ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق(، موضحا انك (ايها السياسي) في السلطة عندك مخالب عندك شرطة وامن وغير ذلك، فلا تكون عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم أي قوتهم.. فانت تتمكن فعندك شرطة وناس تتزلف اليك..
لكن اياك ان تكون سبعاً ضاريا وتأتي تنهش قوتهم ولحمهم فإن هذا سيسقطك .. انت لست والياً وانما ستكون سبعاً، اما كلمته (فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) فان هذه الرعية ليس بالنتيجة كلهم يؤمنون بعقيدتك وليس المطلوب ان يؤمنوا بعقيدتك.. انت تذهب والياً لأمير المؤمنين (عليه السلام) .. فلابد ان يكون الذي تحكمهم من الرعية ان تُشعرهم هذه الرحمة والمحبة واللطف فانهم صنفان اما اخ لك في الدين فهو يستحق منك هذا الاحترام .. او نظير لك في الخلق فايضاً يستحق منك فانت وهو تشتركان في الانسانية وان ربكم واحد وان (الانسان) هو تحت رعايتك فلابد ان تلتفت يا ايها السياسي او يا مالك السابق او أي مالك يكون تحته رعيّة..
واوضح السيد الصافي انه ورد في وصية الامام علي عليه السلام (يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ)، فالانسان كالبيت هناك ابن صغير وكبير ومريض هذا يخطأ .. فالرعية يا مالك قد يكثر منهم الزلل والتصرفات غير المسؤولة لكنه يجب ان تكون لهم الاب الراعي وان تكون لهم نعم الوالي وتعرض لهم العلل..وقد يتصرفون ويخطأ بعمد لكن لا تكون سبعاً ضارياً ..
وتابع (فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه).
ونوه السيد الصافي ان الانسان اخواني لا يُعطي ما لا يملك اما الشيء الذي يملكه يعطيه .. فانت (ايها السياسي) تستطيع ان تصفح فاصفح وتستطيع ان تعفوا فاعفوا، لان الله تبارك وتعالى يختبرنا واختبارات الله تبارك وتعالى هو يقدرّها في كل ظروفنا الحياتية فنحن نبحث عن انفسنا، ونريد من الله كذا وكذا، فلو انا اذنبت ذنوباً كثيرة قطعاً اريد من الله تعالى ان يصفح والله بيده العفو والصفح فانا سأقف غداً امام الله تعالى واطلب الصفح، والامام (عليه السلام) يقول لا تعوّد نفسك ان تكون سبعاً .. اصفح عنه .. والصفح تربية والعفو تربية .. فأعطهم من عفوهم وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه..
واشار ان الامام علي عليه السلام اراد ان يبين في هذه الكلمة (فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاّك) ان الانسان اذا كان فوق يرى من الذي تحته ولكن قد لا يرى من هو تحت ما يراه الذي فوق، لأنه متسلط ويرى الاشياء والله تبارك وتعالى هيئ لك ان تكون فوقهم فإنك فوقهم وهم ينظرون اليك ووالي الامر عليك فوقك – من الذي ولاّك الأمر فوقك- والله فوق من ولاّك..
وشدد الصافي في خطبته “لاحظوا هذه المسؤولية الجميلة عندما يستشعرها مالك .. يستشعر انه لابد ان يستشعر الرحمة والمحبة واللطف ويبتعد عن المخالب لا يكون سبعاً ضارياً..
ثم يبين الامام (عليه السلام) الرعية تحتك وانت فوقهم فيأملون وانت ايضاً تحت من ولاّك فمن ولاّك فوقك .. والله تعالى فوق من ولاّك ..
واختتم السيد الصافي خطبته ان هذه تشكيلة المختصرة تحدد المسؤولية فتجعل هذا الوالي الذي ارسله امير المؤمنين (عليه السلام) ان يلتفت كيف يسوسُ العباد ..