كربلاء في قلوبنا
قبل ثمانية أشهر من شهادته أتى بنا إسماعيل من قم إلى طهران، وسكنّا هناك في شارع “شريعتي” بينما أنا رحتُ أتابع تحصيل العلوم.
قبل أسبوعٍ من شهادته، اتصل قائلًا: “إنّ موعد العمليات يقترب شيئًا فشيئًا، ومن المحتمل أن لا أراكم إلّا بعد شهرين أو ثلاثة. أنا قلق جدًّا عليكم, ولكن لن أستطيع المجيء. تعالوا أنتم إلى الأهواز ليتسنّى لي رؤيتكم”.
قلت له: “اصبر! ويمضي الشهران”.
قال: “لا, فأنا قلق جدًّا”.
اضطربت كثيرًا, ظننت أنّه يعاني من وعكة صحيّة. في نهاية الأمر اتّفقنا على أن آتي أنا إلى الأهواز.
وهناك عندما رأيته كان متعبًا كثيرًا. أخبرني بأنّه سيذهب هذه المرّة مع رفاقه إلى الخطوط الأماميّة المتقدِّمة جدًّا. مع أنّه كان على
الخط الأمامي دائمًا ولكن في هذه المرّة تعمّد أن يقول لي ذلك.
سألته: “هل سيكون النصر حليفكم، ويرى بعضُنا بعضًا فيما بعد؟”.
أجاب: “لا أعلم الغيب، ما أعلمه أنّنا سننتصر. وأنتِ فكِّري بأن يكون الملتقى في الجنّة”.
ثمّ أردف قائلًا: “قدومك علامة خير، عمليّاتنا تتقدَّم”.
بعدها لم أنبس ببنت شفة. فقد فهمت من إصراره الشديد على المجيء أنّ هذا بمثابة خبرٍ لي. كانت الليلة الأخيرة للقائنا في بيت أختي في الأهواز.
سأله زوج أختي: “على أيّ نحو تسير العمليّات؟”.
أجابه إسماعيل: “إذا استمرَّ بواسلنا على هذا النحو من الاندفاع والتقدُّم بشوق، حتمًا سننتصر، ولكن الانتصار ليس كما تتصوَّرون أن نحتلّ العراق, النصر هو في الحفاظ على قيمنا ومعتقداتنا”.
في تلك الليلة أتى ولدي إبراهيم ومعه خريطة – كان إسماعيل قد اصطحبه الصيف الماضي إلى الجبهة عشرين يومًا – سأل والده قائلًا: “بابا، أنت تقول لا يوجد طريق إلى كربلاء ( حاليًا)، قل لي أين هي كربلاء؟”.
أجابه إسماعيل بحنكته: “ها نحن جالسون هنا، تبعد عنا عدّة سنتيمترات إلى الأمام!!”. وأشار إلى موقعها على الخريطة.
قال إبراهيم: “لا يا بابا!! ليس كذلك، أنا لم أقصد. ليس على الخريطة، قل لي ما هي المسافة الحقيقية على الأرض؟؟”.
أجابه إسماعيل: “كربلاء في قلوبنا ولا يمكن الوصول إليها
ببساطة، ينبغي أن نجاهد”.
قال لي إسماعيل في تلك الليلة: “واأسفاه، أن نموت هنا على الفراش أو تحت القصف”، ثمّ تابع: “أنا أنتظر أن تكوني بعد شهادتي نموذجًا وقدوة في المجتمع الذي أنتِ فيه، مع هذا الصبر الذي تتحلّين به. كنتِ إلى الآن زوجة شهيد وعشتِ كزوجة شهيد, وأنا لم أخدمك بشيء”.
في الصباح، استيقظ إسماعيل قبل الجميع. صلّى صلاته، مسح بيده على رؤوس الأولاد الذين كانوا لا يزالون نائمين ثمّ ودّعنا وذهب.
عندما استقلّ السيّارة، لوّح بيده وبقي ملتفتًا نحوي إلى أن توارى عن الأنظار.
فكّرت بكلامه في الليلة الأخيرة، أحسستُ بسكينة غير عاديّة. وكان هذا آخر الكلام… .