الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

21/ إن مخالفتك الهوى ليس من وظائفك فقط، بل هي من شؤون دنياك وشؤون ربّك أيضا. فلن يسمح الله سبحانه لك بحياة بلا عناء ومنغّصات. هذا هو الواقع شئت أم أبيت. لماذا؟ سنتحدث عن العلة لاحقا كما تحدثنا قليلا عن سبب هذا الشيء سابقا. أما الآن فلنشاهد الواقع ونرى هذه الحقيقة في العالم وهي أن لا مفرّ من العناء والكبد لإي إنسان مهما كان دينه وعمله.

 


هل تتصورون أن تحمّل العناء مختصّ بمن يريد أن يسلك الطريق إلى الله؟ كلا! فقد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى من القرآن الكريم: (يا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّك كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ)[الانشقاق:6]. أنا قد طرحت هذا الموضوع في مكان آخر بلا أن تكون لي الفرصة الكافية للخوض فيه بالتفصيل. فجاءني بعض المستمعين الكرام وقال لي: إن كلامك مرّ جدا! فأرجو من الإخوة أن يمعنوا النظر في مضامين الأبحاث ليروا هل الكلام مرّ واقعا؟! أليس هذه الخطاب الصريح مستوحى من أسلوب القرآن إذ يقول: (يا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّك كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ)؟ فماذا يريد أن يفهّمنا القرآن؟ ولماذا يتحدث بهذا القدر من التأكيد؟ إنه يخاطب الإنسان مهما كان دينه ومذهبه ومهما كان التزامه وتديّنه. يقول له إنك في طريق ومسار ينتهي إلى لقاء الله، فهذا هو مصيرك المحتوم الذي لابدّ منه. ثم لا يخلو سيرك إلى الله مهما كان مضمونه ونوعيته، من السعي والكدّ والكدح الشديد.

 


يقول: (كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً) فهل أنا الذي أبالغ في التأكيد؟! لماذا يعطي الله سبحانه للناس هذه المعرفة بكل صراحة؟ لأن من شأن هذه المعرفة أن تسهّل على الناس مصاعب الدين. فإنها تحكي عن حقيقة راقية جدا وتقول لك عش كيف شئت، فهل تزعم أنك تستطيع أن تعيش بلا أن تجاهد نفسك؟ بل إنك سوف تجاهد نفسك بلا شكّ. وتلذّذْ في الدنيا وتهرّبْ مهما شئت من مخالفة الهوى، فهل تتصور أنك سوف تنجح في هذا الهروب؟ كلا! فإنك سوف تخالف هواك بلا ريب.

 


وأنا أتصور أن ليس هناك بشارة تدفع الإنسان إلى مخالفة هواه أكثر من هذه الحقيقة الرائعة التي تعبّر عنها هذه الآية المباركة: (يا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّك كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ). هل تنزعج من السيطرة على نفسك وتريد أن تطلق عنانها؟ لا بأس، كن كيف شئت ولكنك سوف تضطر إلى السيطرة على نفسك بلا شك.

 


في الأمس كنّا نقول لا مفرّ ولا مخلص من الألم والعناء، وليس لك إلا أن تختار أحد أنواع المعاناة والآلام. أما في هذه الليلة أقول شيئا آخر ـ أيها الأحبّة ـ وهو أنه هل تريد أن لا تجاهد نفسك مضافا إلى العناء الذي تفرضه عليك الحياة؟ فلا سبيل إلى ذلك إذ سوف تجاهد نفسك أكيدا. إذ في حركتك إلى الله تعالى سوف تسعى سعيا مصحوبا بالعناء والألم وهذا هو الكدح، أي سوف تجاهد نفسك، وإن كان بلا ثمر وطائل ونتيجة.
إن رؤية الله سبحانه وتعالى في القرآن رؤية دقيقة وخاصة جدا تختلف عن رؤانا بكثير. فقد قال سبحانه: (أُولئِكَ الَّذينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُم‏)[الكهف/105] فلعلك تقول: أفهل كانوا يعملون شيئا حتى تحبط أعمالهم؟ نعم! إذ كل الناس يعملون ولكن الله يقبل أعمال الصالحين فقط وإلّا فالكفار والفاسقون يعملون ويكدّون ويكابدون ويجاهدون أنفسهم ويتحملون العناء والتعب والسَهَر وكلّ شيء.

 


أنظروا إلى من حولكم بتمعّن. من الذي لا يجاهد هوى نفسه؟ أي إنسان وفي أي بلد وفي أي ثقافة؟! إن جميع الناس يجاهدون أهواءهم ويكفون عن الكثير من مشتهياتهم وكلّهم مؤدّبون بمجموعة من الآداب والأصول وكلهم يتحملون العناء والألم في حياتهم، ولكن ما أكثر الناس الذين يجاهدون أنفسهم ويتحملون المشقّات والصعاب والآلام والمحن والأحزان من أجل غايات تافهة لا قيمة لها فلا ينضجون ولا يرشدون ولا يترقّون، أما أنت فاجعل جهادك الذي لا مناص منه جهادا صحيحا قيّما.

 


كلّما فررت من جهاد النفس وركنت إلى أهوائك سجّل الموقف، لترى أنك سوف تضطر إلى مجاهدة نفسك في نفس الموضوع ولكن بلا نتيجة وبغير صواب. إنها قاعدة لا يسمح الله لأحد بالفرار منها.

إن فهم هذه القاعدة يقضي على حالة العجب

لا أريد أن أخوّفك بذكر هذه الحقائق أبدا. ولكن أريد أن تخرج بهذه النتيجة من خلال هذا الكلام، وهو أن تناجي ربك وتقول له: إلهي أنا لم أفعل أيّ شيء بمجيئي إليك ومناجاتك في جوف الليل وتحمل العناء في سبيلك. أنا لم أفعل أي شيء ولم أضحّ بشيء. ماذا فعلتَ في جنب الله؟ هل عانيت وسهرت مثلا؟ كان لابدّ لك من المعاناة والسهر، فلو كنت لم تعان ولم تسهر مع الله، لعانيت وسهرت في محل آخر بلا نفع ولا رشد، بيد أنك عانيت وسهرت هنا فأجرت ورشدت. إذن العناء مشترك والسهر مشترك فلا تمنّ على الله ولا تحسب أنك شيء ولا تتوهم أنك قد ضحيت بشيء.

 


هل تعلمون يتحسّرون أهل النار؟ إنهم يتحسرون لأنهم قد عانوا وقاسوا بقدر المؤمنين، ولم تكن حياتهم الفاسقة في الدنيا حياة بلا عناء وألم وحزن. فيشعرون أنهم عاشوا في الحياة الدنيا بتعب وألم وعناء ثم صار مأواهم النار، أما أنت فعشت في الحياة الدنيا بنفس المقدار من العناء والكدح إن لم يكن أقل منهم، ولكن ذهبت إلى الجنان! ولعلّ هذه الحقيقة هي التي جعلت الأنبياء يبكون ويصرخون حسرة على أممهم، إذ يرون مدى الخسران العظيم الذي يلحق بالإنسان إن لم يلتزم بدين ربّه.

يتبع إن شاء الله…

شاهد أيضاً

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

20/ إليك ملخص الجلسة الخامسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية ...