الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

20/ إليك ملخص الجلسة الخامسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

مرور على ما سبق

لقد بدأنا الأبحاث ـ أيها الإخوة الأعزّاء ـ بطرح موضوع بدلا من طرح مسألة. فقد كان موضوعنا بالتحديد هو الجهاد الأكبر، أو جهاد النفس أو مخالفة الهوى على أساس مختلف التعابير التي جاءت في الروايات وآيات القرآن. ثم طرحنا في أجواء هذا الموضوع سؤالا مهمّا ثم تحوّل السؤال بالتدريج إلى مسألة وقضية.
سألنا لماذا اعتبر النبي الجهاد جهادا أصغر مع كونه من أفضل الأعمال الصالحة وقد ينتهي إلى الذروة والقمة المتمثلة بالشهادة، وبالرغم من اشتماله على الصعاب والمتاعب، ثم دعا إلى جهاد من نمط آخر وسمّاه الجهاد الأكبر.
هل أن مخالفة النفس ومحاربة الأهواء النفسية جهاد واقعا؟ وهل أنها أكبر من ذلك الجهاد؟ وهل أن ظاهرة الحرب وأيام الدفاع المقدس التي عشناها في بداية الثورة، هي ظاهرة أصغر من الجهاد الأكبر؟ فقد انطلقنا بالبحث من هذا الموضوع.
ثم أردفنا إلى هذا الموضوع بعض المعلومات وأجّلنا إثباتها إلى إشعار آخر. فكانت هذه المعلومات هي أن هناك عبادة سيئة وأساسية في مقابل عبادة الله، وهي عبادة الهوى. وهي النقطة المقابلة لجهاد النفس. فقرأت عليكم بعض الروايات في هذا المجال من قبيل ما روي عن رسول الله(ص) حيث قال: «ما تَحَت ظِلِّ السَّماءِ مِن إلهٍ يُعبَدُ مِن دُونِ الله ِ أعظَمَ عِندَ الله ِ مِن هَوىً مُتَّبَعٍ» [ميزان الحكمة، ج13، ص61] ثم ذكرنا أن الروايات قد اعتبرت مخالفة الهوى نظامَ الدين، فقد روي عن أمير المؤمنين(ع): «نِظَامُ‏ الدِّينِ‏ مُخَالَفَةُ الْهَوَى‏ وَ التَّنَزُّهُ عَنِ الدُّنْيَا»[تصنيف غرر الحكم، ص241]. ما معنى نظام الدين؟ يعني خيط السبحة. فعلمنا أن الجهاد الأكبر ليس أكبر من الحرب والجهاد المسلح وحسب، بل إنه نظام الدين والنقطة المقابلة له هو اتباع الهوى. ثم ذكرنا أن العمل الرئيس والأساسي الذي يجب أن نقوم به طيلة حياتنا من أوّلها إلى آخرها ليس سوى جهاد النفس.

لا يكفي العلم بأهمية جهاد النفس

ولكن لا تنحل المشكلة بمجرّد أن قلنا أنّ أهمّ جهادٍ هو جهاد النفس، إذ من أجل أن ندرك هذا الكلام ونقتنع به، لابدّ أن نعي بعمقٍ أنّ جهاد النفس محور عبادتنا وحياتنا.
أنا أعتقد أن تسعة وتسعين في المئة من الناس الذين سمعوا بالجهاد الأكبر ومخالفة النفس لم يفهموا معناه جيدا. كما أني أسوأ حالا من جميعهم ولا سيما على مستوى العمل. ولكني أرى أن هذا الموضوع لم يأخذ موقعه المحوري في أذهان الناس ورؤاهم، فليست هناك رؤية صحيحة تجاه هذا الموضوع. وقد قلت في مقدمة المحاضرة السابقة إننا نهدف عبر هذه السلسلة إلى تغيير الرؤى تجاه هذا الموضوع. فمن أجل إدراك هذه الحقيقة بعمق، ووجدان محورية جهاد النفس في الحياة والدين، ومن أجل أن يصبح هذا الجهاد همّنا الرئيس في الحياة، لابدّ من كلام ونقاش وبحث مفصل، إذ لا تنحل المشكلة بكلمتين.
ثم بعد ما اتضحت لنا هذه الحقيقة واستوعبناها بكل وجودنا، حينئذ ننتقل إلى كيفية هذا الجهاد، وما هي الرغبات التي لابد من محاربتها وكم يجب أن نخالف أهواءنا. فهذه أبحاث تأتي في المرحلة الثانية. أما الآن فلابدّ أن نسعى لاتضاح أصل هذه الحقيقة. فإن اتضحت سوف تسخّر ذهننا وإدراكنا بشكل كامل. وسوف تكون حاضرة في ذهننا دائما، وتبشّر بمراقبة مستمرة مؤثرة وموفقة. إنكم لستم أشخاصا سيئين، فلماذا تفرّطون بطاقاتكم؟ ولماذا تسمحون لقواكم أن تضعف وتتضاءل فتعجزون عن المراقبة؟ لأنكم تزعمون أن يجب عليكم أن تراقبوا أنفسكم في مئة قضية. ولكن القضية ليست كذلك. فلابدّ لكم من مراقبة قضية واحدة. أما دمج مئة موضوع في موضوع واحد بحاجة إلى فهم عمغŒق جدا.
لابدّ أن تدرك هذه الحقيقة بكل وجودك يا أخي العزيز! وهي أنّك لا تحتاج إلى مواجهة الحرص والحسرة الباطلة، ولا تحتاج إلى الاحتكاك بموضوع الصدق والصبر وكثير من المواضيع الأخرى. كما لست بحاجة إلى الاحتكاك بالتكبّر والتواضع. فأنت بغنى عن الاحتكاك بكثير من المواضيع، إذ قضيتك قضية واحدة فصبّ همّتك كلّها في معالجة هذه القضيّة. وسوف نخوض في هذا الموضوع إن شاء الله.

لا مفرّ للمؤمن وغير المؤمن من جهاد النفس

لماذا جهاد النفس؟ لا أريد أن أكرّر ما ذكرته في الليالي السابقة، بل أحاول أن أجيب عن هذا السؤال بإشارة وبطريقة أخرى؟ أولا، لا يخفى عليكم أيها الإخوة أن جهاد النفس عمل عسير. ومن جانب آخر لستم وحيدين في مخالفة هواكم، بل قد اجتمع الله ووجودكم والكون بأجمعه على مخالفة هواكم، سواء أكنتم مؤمنين أم كافرين. هذا معنى كونكم غير وحيدين.
يقول الله سبحانه وتعالى: (لَقَد خَلَقْنا الإنسانَ في كَبَد) لا «لقد خلقنا المؤمن في كبد». فلا سبيل لأحد إلى حذف الكبد والعناء من حياته. وقد سبق أن ذكرنا معنى الكبد والعناء وهو تلك الأحداث التي تقع بما لا تشتهي أنفسنا.
بالرغم من سلوك بعض المساكين الجهلة الذين يفسقون بهدف تخفيف الألم والعناء عن حياتهم وأولئك الذين يفرّون من الدين طلبا للمزيد من الراحة وفرارا من العناء، لا يستطيع أحد أن يخفف من عنائه بترك واجب أو ارتكاب محرّم. ولا يشدّد الالتزام بالدين من عناء الإنسان.

يتبع إن شاء الله…

شاهد أيضاً

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

21/ إن مخالفتك الهوى ليس من وظائفك فقط، بل هي من شؤون دنياك وشؤون ربّك أيضا. ...