هل طلب الحريري المفاجئ بتأجيل الاستشارات النيابية جاء بإملاءات أمريكية؟ ولماذا حذر الرئيس السيسي من “سورية ثانية” وشيكة في لبنان قبل 24 ساعة فقط؟ وهل ستتحقق نبوءته؟*
عبد الباري عطوان
قبل 24 ساعة تقريبا من طلب السيد سعد الحريري من الرئيس ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الوزراء الجديد لبضعة أيام، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من تدهور الأوضاع في لبنان، ولمح الى احتمال اندلاع الحرب الاهلية اذا تطورت الأوضاع، وقال في كلمة امام منتدى شباب العالم “ان الجيوش الوطنية هي المسؤولة عن الاستقرار والامن في بلادها”، وكأنه يدعو الجيش اللبناني الى النزول الى الشوارع واستعادة سيادة الدولة كما فعل الجيش المصري، لانه “جيش وطني غير متحزب”.
السيد الحريري برر طلبه التأجيل تفاديا لمشكلات دستورية ووطنية جديدة، ولكن بعض العارفين بخفايا الأمور قالوا انه تعرض لضغوط خارجية وداخلية للإقدام على هذه الخطوة، خارجيا، من الولايات المتحدة التي لا تريد الاستقرار في لبنان، واستمرار الحراك حتى نزع سلاح “حزب الله” وداخليا، لان اكبر كتلتين مسيحيتين في لبنان، أي القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، والتيار الحر بقيادة جبران باسيل، قررا الامتناع عن المشاركة في التسمية، ولكن مصدر مقرب من التيار الحر اكد انه، أي التيار، كان بصدد أيداع اصواته النيابية في عهدة الرئيس عون ليفعل بها ما يشاء.
***
معضلة الرئيس الحريري الرئيسية تتمثل في عدم قدرته على تشكيل حكومة بدون “حزب الله” ومشاركته، تلبية للمطالب الامريكية والسعودية، ولهذا اصر على التمسك بشرطيه، أي تشكيل حكومة “تكنوقراط” من غير السياسيين والحزبيين، والثاني، الحصول على صلاحيات استثنائية كاملة في ادارتها في محاولة للالتفاف على هذه المشاركة، مضافا الى ذلك خلافه الشخصي والتاريخي مع جبران باسيل ورفضه أي وجود له في الحكومة، وما يزيد من تعقيد موقف الرئيس الحريري ان الحراك الشعبي يعارض عودته الى الحكم باعتباره احد ابرز وجوه منظومة الفساد في البلاد، ومسؤوليته المباشرة عن وصول البلاد الى الوضع الحالي.
الازمة السياسية تتفاقم، وتجر البلاد الى حالة من الفوضى، والشعب اللبناني يقف على حافة المجاعة، ان لم يكن قد غرق فيها، وجاء الفساد والحصارات هما البداية للوصول الى هذا الهدف، فاللبناني بات يقف في طوابير طويلة لساعات امام البنوك للحصول على مئة دولار من رصيده لإطعام اطفاله، والارتفاع في أسعار الغذاء والدواء وصل مستويات جنونية، ومعاناة الطبقة الفقيرة المسحوقة فاقت كل مستويات الذروة، وبشكل غير مسبوق.
الامريكان الذين استولوا على النفط السوري، يريدون السيطرة عبر شركاتهم على الغاز اللبناني، واقتطاع جزء كبير من احتياطاته لتسليمها الى دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا يريدون لبنان ضعيفا يتزعمه رئيس وزراء سني من رجالهم يبصم على جميع مطالبهم، ويرضخ للشروط الإسرائيلية كاملة المتعلقة بترسيم الحدود البحرية.
الرئيس السيسي عندما يحذر من احتمالات تحول لبنان الى “سورية أخرى” لا يمكن ان يفعل ذلك لولا وجود معلومات مؤكدة لديه، فنادرا ما يتحدث هذه الأيام عن شؤون عربية او دولية، وهو المقرب من واشنطن.
المبعوث الأمريكي ديفيد هيل سيصل الى لبنان يوم الخميس، أي يوم بدء الاستشارات النيابية، ولا بد انه يحمل التعليمات، وتوزيع الأدوار لرجالات أمريكا واحزابها، تطبيقا لمقولة رئيسه مايك بومبيو، وزير الخارجية، وقبله جيفري فيلتمان، السفير السابق في بيروت، بأنه لا استقرار في لبنان في ظل وجود “حزب الله” وسلاحه.
مصادر لبنانية مقربة من الرئيس عون اكدت ان لا تأجيل آخر للمشاورات، فإما ان يقبل الرئيس الحريري بالانخراط فيها، او الذهاب الى الخيارات الأخرى، وتسمية شخصية أخرى تحظى بكل الدعم ويجد كل الدعم من حلفائه خاصة في كتله المقاومة، لان الكيل طفح، ولا بد من إيجاد مخرج سريع من هذه الازمة قبل فوات الاوان.
***
السيد حسن “نصر الله” الأمين العام لحزب الله، كان في قمة المرونة في خطابه الأخير يوم الجمعة الماضي، واكد على حكومة الشراكة وبرئاسة الرئيس الحريري، او أي رئيس وزراء آخر يسميه، واستبعد حكومة “اللون الواحد” على الجانبين، ولكن اذا “حوصر” فانه لن يقف وحزبه مكتوف الايدي، ويملك القدرة الفائقة للحسم، فمن يرغب بالحرب الاهلية لا يملك القدرة، ومن يملك القدرة يريد تجنبها بكل الوسائل، مثلما قال لنا احد المقربين منه، وهذا قمة الحكمة.
ما لا يدركه الامريكان وحلفاؤهم الإسرائيليون ان لبنان اليوم ليس لبنان عام 1982، وليس لبنان عام 2006 أيضا، كتلة المقاومة اقوى من أي وقت مضى سياسيا وعسكريا، وهم أي الامريكان والإسرائيليين اكثر ضعفا من أي وقت مضى في الوقت نفسه.
المخرج الوحيد من حالة الفوضى والفراغ السياسي التي يمكن ان تتطور الى الأسوأ الذي لا يريده الشرفاء والبسطاء في لبنان هو “التوافق” و”الشراكة”، والتمسك بالوحدة الوطنية ومؤسسات الدولة، ولكن اذا اختار البعض غير ذلك، رضوخا للإملاءات الامريكية، فانهم سيكونون ومعهم لبنان، ابرز الخاسرين.. والأيام بيننا