إذا وصل الزائر إلى خندق الكوفة يقف ويقول :الله أكبر ، الله أكبر أهل الكبرياء والمجد والعظمة ، الله أكبر أهل التكبير والتقديس والتسبيح والآلاء ، الله أكبر مما أخاف وأحذر ، الله أكبر عمادي وعليه أتوكل ، الله أكبر رجائي وإليه أنيب .. إلى آخره .
وإذا وصل إلى الباب الأول من الروضة المقدسة فليقل بعد حمد الله تعالى :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له … إلى آخره .
وإذا وصل إلى الباب الثاني فليقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له … إلى آخره .
وإذا أراد أن يدخل الروضة المقدسة يستأذن الله تعالى ورسوله (ص) والأئمة والملائكة .
وبعد ذلك يستلم القبر الشريف فيسلم على النبي وعلى أمير المؤمنين وعلى آدم ونوح … إلى آخره .
والعبارة التي هي محل الشاهد للشيخ عبد السلام ولنا هي : ثم صل ثلاث صلوات ثنائية ، ركعتان هدية لأمير المؤمنين (ع) ، وركعتان هدية لآدم أبي البشر ، وركعتان هدية لنوح شيخ الأنبياء ، لأنهما مدفونان عند قبر أبي الحسن أمير المؤمنين (ع) .
” صلاة الزيارة والدعاء بعدهما “
هل صلاة الهدية شرك ؟!
ألم ترد روايات في صلاة الهدية للوالدين وغيرهما من المؤمنين (ع) قربة إلى الله تعالى هل هذا شرك ؟!
فقد جرت العادة عند الناس وكذلك المؤمنين ، أن كل من يذهب لزيارة أحبابه يأخذ معه هدية ، ونجد في أكثر كتب الأخبار والأحاديث فضلا في استحباب وثواب هدية المؤمن لأخيه المؤمن وقبولها منه .
والزائر لما يصل إلى قبر من يحبه ويعلم أن الصلاة أحب شيء إلى مزوره ، فيصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى ويهدي ثوابها إلى المزور .
والمعترضون لو كانوا يواصلون مطالعتهم و يقرءوا الدعاء بعد صلاة الزيارة لعرفوا خطأهم وتيقنوا أن عمل الشيعة عند الزيارة ليس بشرك ، بل هو التوحيد وكمال العبادة لله عز وجل .
واعلموا أن الشيعة إنما يزورون الإمام علي والأئمة من ولده (ع) ، لأنهم عباد الله الصالحون وأوصياء رسوله الصادقون .
وأما عبارة الرواية فهي كما يلي ، على خلاف ما قاله الشيخ عبد السلام : ” بأن يقف بجانب القبر يصلي ” بل العبارة :
” أن يقف مستقبل القبلة مما يلي رأس الإمام (ع) ” فيصبح القبر على يسار المصلي ، فيقول : اللهم إني صليت هاتين الركعتين هدية مني إلى سيدي ومولاي ، وليك وأخي رسولك ، أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله ، اللهم فصل على محمد وآل محمد وتقبلها مني واجزني على ذلك جزاء المحسنين ، اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت ، وحدك لا شريك لك ، لأنه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود إلا لك ، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت .
بالله عليكم أيها الحاضرون ! أنصفوا ، أي عمل من هذه الأعمال يستوجب الشرك بالله تعالى ؟!
الشيخ عبدالسلام : عجبا ألا تجد هذه العبارة تقول : ثم قبل العتبة وادخل الحرم .
ألم يكن هذا العمل سجودا لصاحب القبر ؟!
والسجود لغير الله شرك .
” تقبيل قبور الأئمة (ع) وعتبة روضاتهم المقدسة “:
قلت : إن جنابك تغالط في البحث ، إذ تفسر تقبيل العتبة بالسجود ، ثم تحمل ذلك الشرك بالله سبحانه !! وإذا كنتم في حضورنا تفسرون كلامنا هكذا ، فلابد في غيابنا وخاصة أمام أتباعكم من العوام والجاهلين ، تثبتون كفرنا !!
وأما الجواب : فإن الوارد في هذا الكتاب وغيره من كتب الزيارات يقول : إن الزائر تأدبا يقبل العتبة … ليت شعري بأي دليل تفسرون القبلة بالسجود ؟!
وأين ورد نهي عن تقبيل قبور الأنبياء وأوصيائهم وغيرهم من أولياء الله الصالحين ، وتقبيل أعتابهم المقدسة ؟! في القرآن الكريم ؟! أم في الحديث الشريف ؟!
ثم بأي دليل تعدون هذا العمل شركا بالله العظيم ؟!
والعجيب أن عوامكم يصنعون بقبر أبي حنيفة والشيخ عبد القادر أكثر مما تصنعه الشيعة بقبور أئمة أهل البيت (ع) .
وإني أشهد الله العلي العظيم فقد ذهبت يوما إلى قبر أبي حنيفة في بغداد ، في محلة الأعظمية ، فرأيت جماعة من أهل السنة الهنود ، سقطوا على الأرض كالساجدين وقبلوا التراب !!
وحيث إني لم أنظر إليهم بعين الحقد والعداء ، ولم يكن عندي دليل على أن عملهم كفر وشرك ، لم أنقل هذا الموضوع في أي مجلس ، ولم أنتقد عملهم ، بل تلقيته أمرا عاديا .
لأني أعلم أنهم ما وقعوا على الأرض بنية السجود لصاحب القبر ، وهذا أمر بديهي .
فاعلم يا شيخ ! وليعلم الحاضرون ! إن أي زائر شيعي عالم أو جاهل حاشا أن يسجد لغير الله تعالى ، وإن كلامكم على الشيعة : بأنهم يسجدون لأئمتهم ، كذب وافتراء علينا !!
وعلى فرض أن الزائر يجعل جبهته على التراب أمام القبر ، ولكن لما لم يقصد السجود لصاحب القبر وإنما يريد بذلك احترامه وإظهار محبته له ، لم يكن فيه بأس وإشكال .
الشيخ عبدالسلام : كيف يعقل أن يهوي إنسان إلى الأرض ويجعل جبهته على التراب ومع ذلك لا يكون عمله سجودا ؟!
قلت : لأن الأعمال بالنيات ، فإذا فعل أحد ذلك ولم ينوي السجود فلا نحسب عمله سجودا(49) كما فعل إخوان يوسف الصديق له ، ولم يمنعهم يوسف ولا أبوهم يعقوب من ذلك ، والله سبحانه يخبر بعملهم ويحكيه ولا يقبحه ، فيقول : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقّا )(50).
وكم من موضع من الذكر الحكيم يخبر الله عز وجل فيه عن سجود الملائكة لآدم بأمر منه سبحانه .
فحسب كلامكم ، فإن إخوة يوسف الصديق والملائكة كلهم مشركون ، إلا إبليس لأنه لم
يسجد !! والحال لم يكن كذلك ، وإنما جعل الله سبحانه اللعن على إبليس وأخرجه من الجنة .
وأما جوابي لجناب الحافظ ، وإن كان الوقت لا يتسع له ، ولكن أبينه باختصار :
بقاء الروح بعد الموت:
إن شبهتكم حول الشيعة بأنهم لماذا يطلبون حوائجهم عند قبور الأموات ؟!
إنما هو كلام الماديين والطبيعيين ، فإنهم لا يعتقدون بالحياة بعد الموت ، والله سبحانه يحكي قولهم في القرآن إذ قالوا : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين )(51).
وأما الاعتقاد بالحياة بعد الموت ، وأن الجسم يبلي بالموت ولكن الروح باقية ، فهو من ضروريات دين الإسلام ، وبالأخص حياة الشهداء ، فقد صرح بها القرآن الكريم بقوله : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ..)(52) إلى آخره …
فهل يمكن للميت الفرح والسرور والارتزاق ؟! لا!
ولذلك فإن الآية الكريمة تصرح بأنهم : ( أحياء عند ربهم يرزقون ) فكما أنهم يفرحون ويرزقون ، فهم يسمعون الكلام ويجيبون ، ولكن حجاب المادة على مسامعنا مانع من إحساسنا بكلامهم واستماع جوابهم .
وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارة جده سيد الشهداء الحسين عليه السلام قوله : يا أبا عبدالله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حي عند ربك ترزق ، فأسأل ربك وربي في قضاء حوائجي .
وجاء في الخطبة 86 من نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام إذ يعرّف فيها أهل البيت عليهم السلام ويصفهم ، فيقول :
أيها الناس ! خذوها من خاتم النبيين : إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلى منا وليس ببال .
قال ابن أبي الحديد والميثمي والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ، قالوا في شرح هذه الكلمات ما ملخصه :
” إن أهل بيت النبي (ص) لم يكونوا في الحقيقة أمواتا كسائر الناس “(53) فنقف عند قبور أهل البيت عليهم السلام والعترة الهادية ، ولا نحسبهم أمواتا بل هم أحياء عند ربهم ، ونحن نتكلم معهم كما تتكلمون أنتم مع من حولكم من الأحياء ، فنحن لا نعبد الأموات كما تزعمون وتفترون علينا ، بل نعبد الله سبحانه الذي يحفظ أجساد الصالحين من البلى ، ويبقي أرواح العالمين بعد ارتحالهم من الدنيا (54) .
وأنتم ألا تحسبون عليا عليه السلام ، وابنه الحسين والذين استشهدوا بين يديه ، وكذلك أصحاب النبي (ص) الذين قتلوا في بدر وحنين وغيرهما من غزواته ، شهداء ؟!
وهل إنكم لا تعتقدون أن هؤلاء الصفوة ضحوا بأنفسهم في سبيل الله وثاروا على ظلم بني أمية وكفر يزيد ، وأنهم أنقذوا الدين الحنيف من براثن آل أبي سفيان ، ورووا بدمائهم شجرة التوحيد والنبوة ؟؟
فكما إن أصحاب رسول الله (ص) خاضوا المعارك وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الدين وكافحوا معارضي النبوة ومخالفي الرسالة لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الحق ، كذلك الإمام علي عليه السلام وابنه الحسين وأصحابهما فقد جاهدوا في سبيل الله تعالى لإبقاء دينه وإنقاذ الإسلام حتى قتلوا واستشهدوا في سبيل الله .
وكل من عنده أدنى اطلاع عن تاريخ الإسلام بعد النبي (ص) يعلم بأن آل أبي سفيان وخاصة يزيد بن معاوية وأعوانه كادوا يقضون على الإسلام ويحرفوه عن مواضعه الإلهية بأعمالهم الإلحادية ، وإن خطر هؤلاء المنافقين كان أشد على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين .
والتاريخ يشهد أن لولا نهضة الإمام الحسين سبط رسول الله (ص) وجهاد أصحابه الكرام مستميتين ، لتمكن يزيد بن معاوية أن يحقق هدف سلفه المنافقين الفجرة ، وهو تشويه الإسلام وتغييره على الكفر والجاهلية الأولى .
فالحسين السبط وأنصاره وأصحابه الكرام عليهم السلام وإن سالت دماؤهم واستشهدوا ، إلا أنهم فضحوا يزيد وحزبه وسلفه الفاسقين ، وكشفوا عنهم الستار وعرفوهم للمسلمين .
دفاع الشيخ عبد السلام عن معاوية ويزيد:
الشيخ : إني أتعجب منك إذ تصرح بكفر يزيد وهو خليفة المسلمين المنصوب من قبل معاوية ، وهو خال المؤمنين وخليفتهم ، وقد جعله عمر الفاروق والخليفة المظلوم عثمان واليا على بلاد الشام في طيلة أيام خلافتهما .
ولما رأى المسلمون أهليته وكفاءته للحكم بايعوه للخلافة ، وهو جعل ابنه يزيد ولي العهد ليكون خليفته من بعده ، ورضي به المسلمون فبايعوه بالخلافة !
فأنت حينما تعلن كفر يزيد وسلفه ، فقد أهنت جميع المسلمين الذين بايعوه بالخلافة ، وأهنت خال المؤمنين ، بل أهنت الخليفتين الراشدين اللذين عينا معاوية واليا وممثلا عنهما في بلاد الشام !!
ولا نجد في التاريخ عملا ارتكبه يزيد فيكون سبب كفره وارتداده ، فهو كان مؤمنا مصليا وعاملا بالإسلام ، إلا أن عامله على العراق ، قتل سبط النبي وريحانته وسبي حريمه وعياله وأرسلهم إلى يزيد في الشام !! فلما وصلوا إلى مجلس يزيد حزن واعتذر من أهل البيت واستغفر الله من أعمال الظالمين .
وإن الإمام الغزالي والدميري أثبتا براءة الخليفة يزيد من دم الحسين بن علي وأصحابه ، فما تقولون ؟!
ولو فرضنا أن وقائع عاشوراء الأليمة وفجائع كربلاء كانت بأمر من يزيد بن معاوية ، فإنه تاب بعد ذلك واستغفر الله سبحانه ، والله غفور رحيم !!
ردنا على كلام الشيخ:
قلت : ما كنت أظن أن التعصب يبلغ بك إلى حد الدفاع عن يزيد العنيد !
وأما قولك : إن الخليفتين نصبا معاوية واليا وهو عين ولده يزيد خليفة على المسلمين فتجب طاعته عليهم ! فهو كلام مردود عند العقلاء ولا سيما في هذا العصر عصر الديمقراطية .
ثم إن هذا الكلام لا يبرر موقف معاوية وعمل يزيد ، بل هو يؤيد كلامنا ويدل على صحة معتقدنا بأنه يلزم أن يكون الخليفة معصوما ومنصوبا من عند الله سبحانه ، حتى لا تبتلى الأمة برجل كيزيد ونظرائه .
وأما قولك : إن الإمام الغزالي أو الدميري وأمثالهما دافعوا عن يزيد وبرأوا ساحته عن فضائح الأعمال الشنيعة والجرائم القبيحة ، لا سيما قتل سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام !
فأقول : أولئك أيضا أعمتهم العصبية مثلكم ، وقد قيل : إن حب الشيء يعمي ويصم ، وإلا فأي إنسان منصف ، وأي عاقل عادل يبرئ ذمة يزيد العنيد من دم السبط الشهيد وأصحابه الأماجد ؟!
وأي عالم متدين ملتزم بالحق تسوغ نفسه ويسمح له دينه وعلمه أن يدافع عن مثل يزيد العنيد ؟!
وأما قولك : إن قتل الحسين ريحانة رسول الله (ص) ما كان بأمره ، وأنه اعتذر من أهل البيت وتاب واستغفر عن فعل عامله ، فلو كان كذلك فلماذا لم يحاكم ابن زياد ولم يعاقب قتلة الحسين عليه السلام ؟!
ولماذا لم يعزل أولئك المجرمين عن مناصبهم وهم شرطته وجلاوزته وأعوان حكومته ؟!
ثم من أين تقولون إنه تاب واستغفر ؟! وكيف تجزمون وتحتمون بأن الله سبحانه وتعالى قبل توبته وغفر له ؟!
صحيح ، إن الله عز وجل غفور رحيم ، ولكن للتوبة شروط :
أولها : رد حقوق الناس ، فهل رد يزيد حقوق أهل البيت والعترة الطاهرة .
ثم إن فضائح يزيد وقبائحه لم تنحصر في قتل السبط الشهيد وسبي نسائه ونهب أمواله وحرق خيامه .. إلى آخره ، بل إنكاره ضروريات الدين ، ومخالفته القرآن الكريم ، وتظاهره بالفسق والمعاصي ، كل واحد منها دليل على كفره وإلحاده .
النواب : أرجوك أن تبين لنا دلائلكم على كفر يزيد حتى نعرف الحقيقة ونتبع الحق .