معنى الإمام في اللغة – سلطان الوعظين
9 فبراير,2017
الاسلام والحياة
1,380 زيارة
قلت : إنّ العلماء في المجلس يعرفون إنّ لكلمة الإمام معانٍ عديدة في اللغة ، منها : المقتدى .
فإمام الجماعة هو الذي تقتدي به جماعة المصلّين وتتابعه في أفعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود .
وأئمّة المذاهب الأربعة هم فقهاء بيّنوا لاَتباعهم أحكام الإسلام ومسائل الدين ، وهم اجتهدوا فيها واستنبطوها من القرآن والسنّة الشريفة بالقياس والاستحسانات العقلية ، فلذلك لمّا نطالع كتبهم نرى في آرائهم وأقوالهم ، في الأصول والفروع ، اختلافاً كثيراً .
ويوجد مثل الأئمة الأربعة في كلّ دين ومذهب ، وحتى في مذهب الشيعة ، وهم العلماء الفقهاء الذين يرجع إليهم الناس في أمور دينهم ، ويعملون بأقوالهم ويقلّدونهم في الأحكام الشرعية والمسائل الدينية ، ومقام هؤلاء المراجع عندنا كمقام الأئمة الأربعة عندكم ، وهم في هذا العصر الذي غاب فيها عن الأنظار الإمام المعصوم المنصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله. يستنبطون الأحكام الشرعية ويستخرجون المسائل الدينية على أساس القرآن والسنّة والإجماع والعقل ، فيفتون بها ، وللعوّام أن يتّبعوهم ويقلّدونهم ، وفي اصطلاح مذهبنا نسمّيهم : مراجع الدين ، والواحد منهم : المرجع الديني .
سدّ باب الاِجتهاد عند العامّة:
كان الأئمة الأربعة حسب زعمكم فقهاء أصحاب رأي وفتوى في المسائل الدينية ومستندهم : الكتاب والسنّة والقياس . فهنا سؤال يطرح نفسه وهو :
إنّ الفقهاء وأصحاب الرأي والفتوى عددهم أكثر من أربعة ، وأكثر من أربعين ، وأكثر من أربعمائة ، وأكثر … وكانوا قبل الأئمة الأربعة وبعدهم ، وكثير منهم كانوا معاصرين للاَئمّة الأربعة ، فلماذا انحصرت المذاهب في أربعة ؟ !
ولماذا اعترفتم بأربعة من الفقهاء وفضّلتموهم على غيرهم وجعلتموهم أئمّة ؟ ! من أين جاء هذا الحصر ؟ ! ولماذا هذا الجمود ؟ !
نحن وأنتم نعتقد أنّ الإسلام قد نسخ الأديان التي جاءت قبله ، ولا يأتي دين بعده ، فهو دين الناس إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ( وَمن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه … )(1) .
فكيف يمكن لهذا الدين الحنيف أن يساير الزمن والعلم في الاختراعات والاكتشافات والصناعات المتطوِّرة ، ولكلّ منها مسائل مستحدثة تتطلّب إجابات علمية ؟!
فإذا أغفلنا باب الاجتهاد ولم نسمح للفقهاء أن يبدوا رأيهم ويظهروا نظرهم ـ كما فعلتم أنتم بعد الأئمة الأربعة ـ فمن يجيب على المسائل المستحدثة ؟ !
وكم ظهر بينكم بعد الأئمة الأربعة فقهاء أفقه منهم ، ولكنّكم ما أخذتم بأقوالهم وما عملتم بآرائهم ! فلماذا ترجّحون أولئك الأربعة على غيرهم من الفقهاء والعلماء ، لا سيّما على الأَفقه والأعلم منهم ؟ ! أليس هذا ترجيح بلا مرجّح ، وهو قبيح عند العقلاء ؟ !
انفتاح باب الاِجتهاد عند الشيعة:
ولكن في مذهبنا نعتقد : أنّ في مثل هذا الزمان وبما أنّ الإمام المعصوم غائب عن الأبصار ، فباب الاِجتهاد مفتوح غير مغلق ، والرأي غير محتكر ، بل كلّ صاحب رأي حرّ في إظهار رأيه ، شريطة أن يكون مستنداً إلى الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو العقل ، وعلى العوام أن يرجعوا إليهم في أخذ الأحكام ومسائل الإسلام .
والإمام الثاني عشر ، وهو المهدي المنتظر ، آخر أئمّتنا المعصومين عليهم السلام ، أمر بذلك قبل أن يغيب عن الأبصار … فقال : من كان من الفقهاء حافظاً لدينه ، صائناً لنفسه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ـ أي ربّه ـ فللعوامّ أن يقلّدوه .
لذلك يجب عند الشيعة ، على كلّ من بلغ سنّ الرشد والبلوغ الشرعي ، ولم يكن مجتهداً فقيهاً ، يجب عليه أن يقلّد أحد الفقهاء الأحياء الحاوين لتلك الشرائط التي اشترطها الإمام المعصوم عليه السلام ، ولا يجوز عندنا تقليد الفقيه الميّت ابتداءً ، والعجيب أنّكم تتّهمون الشيعة بأنّهم يعبدون الأموات لزيارتهم القبور ! !
ليت شعري هل زيارة القبور عبادة الأموات ، أم عبادة الأموات هي اعتقادكم بأنّ كلّ من لم يتّبع الأئمة الأربعة في الأحكام ، ولم يلتزم برأي الأشعري أو المعتزلي في أصول الدين ، فهو غير مسلم ، يجوز قتله ونهب ماله وسبي حريمه حتى إذا كان يتبع أهل بيت النبي (ص) وعترته الهادية (ع) ؟!!
مع العلم أنّ أئمّة المذاهب الأربعة ، وأبا الحسن الاَشعري والمعتزلي ، ما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يدركوا صحبته ، فبأيّ دليل تحصرون الإسلام في رأي هؤلاء الستّة ؟ أليس هذا العمل منكم بدعة في الدين ؟ !
الحافظ : لقد ثبت عندنا أنّ الأئمة الأربعة حازوا درجة الاِجتهاد ، وتوصّلوا إلى الفقه وإبداء الرأي في الأحكام ، وهم كانوا على زهد وعدالة وتقوى ، فلزم علينا وعلى جميع المسلمين متابعتهم والأخذ بقولهم ؟
قلت : إن الأمور التي ذكرتها لا تصير سبباً لانحصار الدين في أقوالهم وآرائهم وإلزام المسلمين بالأخذ منهم فقط إلى يوم القيامة ، لاَنّ هذه الصفات متوفّرة في علماء وفقهاء آخرين منكم أيضاً .
ولو قلتم بانحصار هذه الصفات في الأئمة الأربعة فقد أسأتم الظنّ في سائر علمائكم الأعلام ، بل أهنتموهم وهتكتم حرمتهم ولا سيّما أصحاب الصحاح منهم ! !
ثمّ إنّ إلزام المسلمين وإجبارهم على أيّ شيء يجب أن يكون مستنداً إلى نصّ من القرآن الحكيم أو حديث النبي الكريم صلى الله عليه وآله ، وأنتم تجبرون المسلمين وتلزمونهم على أخذ أحكام دينهم من أحد الأئمة الأربعة من غير استناد إلى الله ورسوله ، فعملكم هذا لا يكون إلاّ تحكّماً وزورا .
السياسة تحصر المذاهب في أربعة:
لقد سبق زعمكم أنّ التشيّع مذهب سياسي ، ولا أساس له في الدين ، ونحن أثبتنا وهن هذا الكلام وبطلانه ، بنقل الكثير من الأحاديث النبويّة الشريفة التي يذكر النبي صلى الله عليه وآله فيها شيعة عليّ عليه السلام بالفوز والفلاح ويعدهم الجنّة .
وأثبتنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو مؤسّس مذهب الشيعة ، وهو واضع أساسه ، وهو الذي سمّى موالي الإمام عليّ عليه السلام وأتباعه بالشيعة ، حتى صار هذا الاسم علماً لهم في حياته صلى الله عليه وآله ، واستندنا في كلّ ذلك على الروايات المعتبرة المرويّة في كتبكم ، المقبولة لديكم ، والتي تعتمدون عليها كلّكم .
والآن أقول لكم بصراحة : إن مذاهبكم الأربعة هي مذاهب سياسية ليس لها أساس في الدين ، وهذا ثابت لأهل التقوى واليقين .
فإن كنتم لا تعلمون أساس التزامكم بالمذاهب الأربعة وانحصار الإسلام الحنيف فيها كما تزعمون فراجعوا التاريخ وطالعوه بدقّة وتحقيق حتى تعرفوا إنّما وجدت المذاهب الأربعة بدواعٍ سياسية ، وكان الهدف منها ابتعاد المسلمين عن أهل البيت عليهم السلام وغلق مدرستهم العلمية !
هذا ما كان يبتغيه السلطان الظالم الغاصب الذي تسمّوه : ” الخليفة ” لاَنّ الخلفاء كانوا يرون أهل البيت عليهم السلام منافسين لهم في الحكم والسلطة ، فهم يحكمون الناس بالقوّة والقهر والسوط والسيف ، ولكنّ الناس يميلون إلى أهل البيت عليهم السلام بالرغبة والمحبّة قربة إلى الله تعالى فيطيعونهم ويأخذون بأقوالهم ويتّبعونهم في مسائل الحلال والحرام ، وكلّ أحكام الإسلام .
فأهل البيت عليهم السلام هم أصحاب السلطة الشرعية والحكومة الروحية المهيمنة على النفوس والقلوب عند الناس ، فلأجل القضاء على هذه الحالة ـ التي جعلت الخلفاء في حذر وخوف دائم ، وسلبت منهم النوم والراحة ـ بادروا إلى تأسيس المذاهب الأربعة ، واعترفت السلطات الحكومية والجهات السياسية بها دون غيرها ، وأعطتها الطابع الرسمي ، وحاربت سواها بكلّ قوّة وقسوة .
وأصدرت قرارات رسمية تأمر الناس بالأخذ بقول أحد الأئمة الأربعة ، وأمرت القضاة أن يحكموا على رأي أحدهم ويتركوا أقوال الفقهاء الآخرين ، هكذا انحصر الإسلام بالمذاهب الأربعة ، وإلى هذا اليوم أنتم أيضاً تسيرون على تلك القرارات الظالمة التي ما أنزل الله بها من سلطان ؟ !
والعجيب أنّكم ترفضون كلّ مسلم مؤمن يعمل بالأحكام الدينية على غير رأي الأئمة الأربعة ، حتى إذا كان يعمل برأي الإمام عليّ بن أبي طالب والعترة الهادية عليهم السلام كمذهب الشيعة الأمامية .
فإنّ الشيعة سائرون على منهج أهل البيت والخطّ الذي رسمه النبي صلى الله عليه وآله ، فيأخذون دينهم من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي تربّى في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو باب علمه ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين بمتابعته والأخذ منه ، والأئمّة الأربعة بعد لم يُخلقوا ، فقد جاؤا بعد رسول الله بعهد طويل ، مائة عام أو أكثر ، مع ذلك تزعمون أنّكم على حقّ والشيعة على باطل ! !
أمَا قال النبي صلى الله عليه وآله : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً(2) ؟!
فانظروا وفكّروا .. من المتمسّك بالثقلين ، نحن أم أنتم ؟ !
أما قال النبي صلى الله عليه وآله : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ـ وفي رواية : هلك(3) فمن المتخلّف عنهم ، نحن أم أنتم .
هل الأئمة الأربعة من أهل البيت عليهم السلام ؟ ! أم الإمام علي عليه السلام ، والحسن والحسين عليهما السلام ريحانتا النبي صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة ؟ !
أما قال النبي صلى الله عليه وآله فيهما : فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم(4) ؟!
ثم يقول ابن حجر في ” تنبيه ” له على الحديث : سمّى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم القرآن وعترته .. ثقلين ، لاَنّ الثقل : كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك ، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعيّة ، ولذا حثّ صلى الله عليه [وآله] وسلم على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم .
وقيل سُمِّيا ثقلين : لثقل وجوب رعاية حقوقهما ، ثمّ الذين وقع الحث عليهم منهم ، إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى ورود الحوض ، ويؤيّده الخبر السابق : ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم .
وتَميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء ، لاَنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مرّ بعضها .. إلى آخر ما قاله ابن حجر .
وما لي لا أتعجّب منه ومن أمثاله وما أكثرهم في علمائكم ! فإنّه مع إذعانه وإقراره بأنّ أهل البيت عليهم السلام يجب أن يقدَّموا على مَن سواهم ، ويجب أن تأخذ الأمة منهم أحكام دينها ومسائلها الشرعية ، لكنّه قدّم أبا الحسن الاَشعري عليهم وأخذ منه أصول دينه ، وقدّم الأئمة الأربعة ، وأخذ أحكام الشريعة المقدّسة منهم لا من أهل البيت عليهم السلام ! !
وهذا نابع من العناد والتعصّب واللجاج ، أعاذنا الله تعالى منها .
مطاعن الأئمة الأربعة:
ثمّ أسألك أيّها الحافظ ، إذا كان الواقع كما زعمت أنّ الأئمة الأربعة كانوا على زهد وعدالة وتقوى ، فكيف كفّر بعضهم بعضاً ، ورمى بعضهم الآخر بالفسق ؟ ! !
الحافظ ـ وقد تغيّر لونه ولاح الغضب في وجهه وصاح ـ : لا نسمح لكم أن تتهجّموا على أئمّتنا وعلمائنا إلى هذا الحدّ ، أنا أعلن أنّ كلامك هذا كذب وافتراء على أئمّة المسلمين ، وهو من أباطيل علمائكم ، أمّا علماؤنا فكلّهم أجمعوا على وجوب احترام الأئمة الأربعة وتعظيمهم ، ولم يكتبوا فيهم سوى ما يحكي جلالة شأنهم وعظيم مقامهم .
قلت : يظهر أنّ جنابك لا تطالع حتى كتبكم المعتبرة ، أو تتجاهل عن مثل هذه المواضيع فيها ، وإلاّ فإنّ كبار علمائكم كتبوا في ردّ الأئمة الأربعة ، وفَسَّقَ بعضهم الآخر بل كفّر بعضهم بعضهم الآخر !!
الحافظ : نحن لا نقبل كلامك ، بل هو مجرّد ادّعاء ، ولو كنت صادقاً في ما تزعم فاذكر لنا أسماء العلماء وكتبهم وما كتبوا حتى نعرف ذلك !
قلت : أصحاب أبي حنيفة وابن حزم وغيرهم يطعنون في الإمامين مالك والشافعي .
وأصحاب الشافعي ، مثل : إمام الحرمين ، والإمام الغزالي وغيرهما يطعنون في أبي حنيفة ومالك .
فما تقول أنت أيّها الحافظ ، عن الإمام الشافعي وأبي حامد الغزالي و جار الله الزمخشري ؟ !
الحافظ : إنّهم من كبار علمائنا وفقهائنا ، وكلّهم ثقات عدول يُعتمد عليهم ويُصلّى خلفهم .
قلت : جاء في كتبكم عن الإمام الشافعي أنّه قال : ما وُلد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة .
وقال أيضاً : نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة !
وقال الإمام الغزالي في كتابه ” المنخول في علم الأصول ” : فأمّا أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن ، وشوّش مسلكها ، وغيّر نظامها . و أردف جميع قواعد الشريعة بأصلٍ هَدَم به شرع محمد المصطفى صلى الله عليه وآله ، … ومن فعل شيئاً من هذا مستحلاً كفر ، ومن فعله غير مستحلّ فسق .
ويستمر بالطعن في أبي حنيفة بالتفصيل إلى أن قال : إنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، يلحن في الكلام ولا يعرف اللغة والنحو ولا يعرف الاَحاديث ، ولذا كان يعمل بالقياس في الفقه ، وأوّل من قاس إبليس .
انتهى كلام الغزالي .
وأمّا جار الله الزمخشري صاحب تفسير ” الكشّاف ” وهو يُعدُّ من ثقات علمائكم وأشهر المفسّرين عندكم ، قال في كتابه ” ربيع الاَبرار ” : قال يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر !
وحكي عن يوسف أيضاً : أنّ أبا حنيفة كان يقول : لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذ بكثير من قولي ! !
وقال ابن الجوزي في ” المنتظم ” اتّفق الكلّ على الطعن فيه ـ أي : في أبي حنيفة ـ والطعن من ثلاث جهات :
1 ـ قال بعض : إنّه ضعيف العقيدة ، متزلزل فيها .
2 ـ وقال بعض : إنّه ضعيف في ضبط الرواية وحفظها .
3ـ وقال آخرون : إنّه صاحب رأي وقياس ، وإنّ رأيه غالباً مخالف للأحاديث الصحاح . انتهى كلام ابن الجوزي .
والكلام من هذا النوع كثير في كتبكم حول الاَئمّة الاَربعة ، وأنا لا اُحب أن أخوض هذا البحث ، وما أردت أن أتكلّم بما تكلّمت ، ولكنّك أحرجتني بكلامك حيث قلت : إنّ علماء الشيعة يكذبون على علمائنا وأئمتنا فأردت أن أثبت لك وللحاضرين أن كلام علماء الشيعة مستدلّ وصحيح ولا يصدر إلاّ عن الواقع والحقيقة ، ولكن كلامك أيّها الحافظ عار من الصحة والواقع ، وإذا أردت أن تعرف المطاعن كلّها حول الأئمة الأربعة ، فراجع كتاب ” المنخول في علم الأصول ” للغزالي ، وكتاب ” النكت الشريفة ” للشافعي ، وكتاب ” ربيع الأبرار ” للزمخشري ، وكتاب ” المنتظم ” لابن الجوزي .. حتى تشاهد كيف يطعن بعضهم البعض إلى حدّ التكفير والتفسيق ! !
ولكن لو تراجع كتب الشيعة الإمامية حول الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لرأيت إجماع العلماء والفقهاء والمحدّثين والمؤرخين على تقديسهم وعظم شأنهم وجلال مقامهم وعصمتهم (سلام الله عليهم) .
لأننا نعتقد أنّ الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام كلّهم خريجوا جامعة واحدة ، وهم أخذوا علمهم من منبع ومنهل واحد ، وهو منبع الوحي ومنهل الرسالة ، فلم يفتوا إلاّ على أساس كتاب الله تعالى والسنّة الصحيحة التي ورثوها من جدّهم خاتم النبيّين وسيّد المرسلين صلى الله عليه وآله عن طريق الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليهم السلام ، وحاشا أئمّتنا عليهم السلام أن يفتوا على أساس الرأي والقياس ، ولذا لا تجد أي اختلاف في ما بيّنوه ، لأنّهم كلّهم ينقلون عن ذلك المنبع الصافي الزلال :
” روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري ” .
مقام الإمام عند الشيعة الإمامية:
الإمام في اصطلاح الشيعة يختلف عن الإمام في اصطلاحكم ، فإن الإمام عندكم بمعناه اللغوي وهو : المقتدى ، كإمام الجمعة والجماعة .
ولكن الإمام عندنا ـ كما هو ثابت في علم الكلام ـ هو صاحب الرئاسة العامة الإلهية خلافة عن رسول الله (ص) في أمور الدين والدنيا ، إذ يجب على الأمة كافة اتباعه ، ولذا نعتقد بأن الإمامة من أصول الدين .
الشيخ عبد السلام : الإمامة عند علمائنا لا تعد من أصول الدين ، بل أثبتوا أنها من فروع الدين ، وهم فندوا قول الشيعة بالأدلة القطعية ، فقولكم : إن الإمامة من أصول الدين كلام بلا دليل.
قلت : كثير من علمائكم وافقونا في هذه العقيدة وأثبتوا صحتها ، وردوا كلام القائلين بأن الإمامة من فروع الدين .
منهم : القاضي البيضاوي ، وهو من أشهر مفسريكم ، قال في كتابه ” منهاج الأصول ” : إن الإمامة من أعظم مسائل أصول الدين التي مخالفتها توجب الكفر والبدعة .
ومنهم : العلامة القوشجي ، وهو من أشهر الكلاميين عندكم ، قال في كتابه ” شرح التجريد” في مبحث الإمامة : وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا خلافة عن النبي (ص) .
ومنهم : القاضي روزبهان ، وهو من علمائكم الذي اشتهر بالتعصب ضد الشيعة قال : الإمامة عند الأشاعرة هي : خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة .
ثم إذا كانت الإمامة من فروع الدين لما كان رسول الله (ص) يؤكد على أهميتها بقوله المروي في كتبكم المعتبرة ، مثل : ” الجمع بين الصحيحين ” للحميدي و ” شرح العقائد النسفية” لسعد التفتازاني .
قال (ص) : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية .
من الواضح أن عدم المعرفة بفرع من فروع الدين لا يوجب التزلزل في أصل الدين حتى يخرج صاحبه من الدنيا بالجاهلية قبل الإسلام . ولذا صرح البيضاوي : بأن مخالفة الإمامة توجب الكفر والبدعة .
فالإمامة في معتقدنا ، مرتبة عظيمة هامة ، نازلة منزلة النبوة ، والإمام قائم مقام النبي (ص) ، وبهذا يظهر الفرق بين أئمتنا الاثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام وبين الأئمة عندكم ، فأنتم تطلقون كلمة الإمام على علمائكم ، كالإمام الأعظم ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، والإمام الفخر الرازي ، والإمام الغزالي وغيرهم ، وهو عندكم كإمام الجمعة والجماعة ، والإمام بهذا المعنى يخرج عن الحد والحصر .
ولكن الإمام بالمعنى الذي نقوله نحن فهو في كل زمان واحد لا أكثر ، وهو أفضل أهل زمانه في جميع الصفات الحميدة ، فهو الأعلم والأتقى والأشجع والأورع والمعصوم بفضل الله ولطفه من الخطأ والسهو ، فيكون حجة الله في الأرض ، ولا تخلو الأرض من حجة لله عز وجل ، يعين بالنص ، كما وردت نصوص من النبي الأكرم (ص) في إمامة الاثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام ، وأمر أمته بطاعتهم والأخذ منهم .
والأئمة الاثنا عشر عليهم السلام بعد جدهم خاتم النبيين وسيد الخلق أجمعين يكونون أعلى رتبة وأرفع درجة من جميع الخلق حتى الأنبياء العظام عليهم تحيات وصلوات الملك العلام .
الحافظ : الله أكبر ! قبل هذا كنت تذم الغلاة وتطردهم من مذهب الشيعة ، والآن ثبت أنكم أيضا مغالون في حق أئمتكم إذ تجعلونهم أعلى وأرفع من الأنبياء العظام ، والقرآن يصرح بأن مقام النبوة أعلى المراتب التي يمنحها الله سبحانه لأحد من عباده المكرمين ، فكلامكم مخالف للقرآن الكريم والعقل السليم .
قلت : مهلا … لا تتسرع في ردنا ، ولا تعجل في تخطئة كلامنا ، ولا تقل بأن كلامنا يخالف القرآن الحكيم ، بل لنا دليل على صحة كلامنا واعتقادنا من القرآن الكريم ، واعلم بأننا أبناء الدليل ، حيثما مال نميل .
الحافظ : بينوا دليلكم حتى نعرفه ! فإن كلامكم غريب جدا !
قلت : إن الله سبحانه بعد أن يذكر امتحان أبي الأنبياء إبراهيم الخليل (ع) وابتلاءه في نفسه وأمواله وولده ، وبعد نجاحه وفوزه في كل تلك الامتحانات ، أراد الله تعالى أن يمنحه مقاما أعلى من النبوة والرسالة والخلة والعزم ، لأنه كان آنذاك نبيا رسولا من أولي العزم ، وصاحب الخلة ، فرفعه إلى مقام الإمامة وجعله إمام للناس ، فقال سبحانه : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )(5). فظهر أن الإمامة أعلى مرتبة من النبوة والرسالة والعزم والخلة .
الحافظ : فعلى هذا ، إن الإمام علي ( كرم الله وجهه) يكون مقامه عندكم أعلى من مقام سيدنا محمد (ص) وأي غلو أعظم من هذا ؟!
قلت : ليس كذلك ! وإنما بين النبوة العامة والنبوة الخاصة فرق كبير ، والإمامة أعلى مرتبة من النبوة العامة ودون النبوة الخاصة ، والأخيرة هي درجة خاتم الأنبياء وسيد الخلق أجمعين ، محمد المصطفى ، حبيبنا وحبيب إله العالمين (ص) .
النواب : أرجو المعذرة من التدخل في البحث ، فإني حريص على اكتساب المعلومات وفهم هذه المسائل ، ولذا حينما تخطر مسألة في بالي أطرحها فورا لأني أخاف أن أنساها ، فسؤالي عن الآية الكريمة التي تقول : ( لا نفرق بين أحد منهم )(6) ـ أي : الرسل ـ فالأنبياء كلهم في رتبة واحدة ومقام الجميع عند الله على حد سواء ، فكيف قسمتم النبوة إلى قسمين عامة وخاصة ؟! أرجو التوضيح .
قلت : هذه الآية صحيحة في محلها ، أي لا نفرق بين أحد من الرسل بأنهم مبعوثون من عند الله عز وجل إلى الناس ، وكلهم يدعون إلى الله سبحانه وحده لا شريك له ، وإلى المعاد والقيامة ، ويدعون إلى المعروف والحسنات ، وينهون عن المنكرات والسيئات .
مراتب الأنبياء:
هل إن النبي المبعوث إلى ألف نفر يساوي مقامه مقام النبي الذي أرسل إلى مائة ألف ؟! وهل هذا يساوي مقامه مقام النبي الذي بعثه الله و أرسله إلى الناس كافة ؟!
وكذلك .. هل إن معلم الدورة الابتدائية يساوي مقامه العلمي مقام أستاذ الكلية أو
الجامعة ؟! لا ..
والحال إنه يصح أن نقول لأستاذ الجامعة معلم أيضا ، وكلاهما يعملان في وزارة واحدة وهي : وزارة التربية والتعليم ومسؤوليتها أن يأخذا بيد الطلاب ويصعدا بهم سلم العلم والثقافة ، ولكن أين هذا من ذاك !
وكذلك الأنبياء والرسل متساوون من جهة أنهم مبعوثون ومرسلون من عند الله عز وجل إلى خلقه ، لا نفرق بين أحد منهم .. ولكن من حيث العلم والفضل غير متساوين ، فقد قال تعالى : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات )(7) .
قال الزمخشري في الكشاف في تفسيرها : إن المراد من : ( ورفع بعضهم درجات ) هو نبينا محمد الذي فضله الله على جميع الأنبياء بخصائص كثيرة ، أهمها أنه خاتم النبيين .
النواب : أشكركم على هذا التوضيح التام ، ورفع الشبهة والوهم ، وقد بقي عندي سؤال آخر ، أستأذنكم واسـتأذن الحاضرين لأطرحه : وهو : أرجوكم أن توضحوا معنى : النبوة الخاصة وميزتها ولو باختصار ، والرجاء أن يكون بيانكم على حد فهمنا ومستوانا .
قلت : إن ميزات النبوة الخاصة كثيرة والمجلس لم ينعقد لبيان هذا الموضوع ، فإذا أدخل هذا البحث ضمن بحوثنا اشغلنا عن مبحث الإمامة الذي هو محور النقاش والحوار . ولكن من باب : ” ما لا يدرك كله لا يترك كله ” أبين لكم باختصار :
النبوة الخاصة:
الإنسان الكامل هو صاحب النفس المتكاملة بالتزكية ، لقوله تعالى 🙁 قد أفلح من زكاها )(8) وتزكية النفس إنما تحصل عن طريق التعقل ، والعقل يدعو إلى العلم والعمل ، فهما الجناحان اللذان يحلق بهما الإنسان ويسمو بهما إلى قمة الكمال الممكن .
كما روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال : ” خلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد وصار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان ” .
فكما أن الطائر يرتفع في الفضاء ويحلق في الجو على قدر قوة جناحيه بالنسبة إلى جثته ، كذلك الإنسان يرتفع في سماء المعنوية والكمالات الروحية بمقدار علمه وعمله الصالح المبتني على أساس العقل السليم .
فكل إنسان إذا بلغ مرتبة الكمال فقد بلغ مرتبة النبوة ، وإذا اختاره الله سبحانه وبعثه إلى الناس ، صار نبيا رسولا .
وللنبوة والكمال مراتب ، كما هو ثابت في أبحاث النبوة في كتب الكلامية ، و أعلى تلك المراتب هي المرتبة التي حين وصل إليها حبيب الله محمد (ص) ختمت به النبوة ، وليس فوق الخاتمية مرتبة ممكنة للإنسان ، وأعلى منها مرتبة الرب جل جلاله وعم نواله .
فمقام خاتم النبيين (ص) فوق جميع المراتب المتصورة والمقررة لممكن الوجود ، ودون مرتبة واجب الوجود .
ومرتبة الإمام فوق مراتب النبوة ودون مرتبة الخاتمية بدرجة ، ولما كان الإمام علي عليه السلام واصلا إلى مرتبة النبوة واتحدت نفسه مع نفس خاتم النبيين (ص) حتى صار كنفس واحدة ، منحه الله تعالى مرتبة الإمامة وجعله أفضل من الأنبياء الماضين .
وصلنا إلى هنا فارتفع صوت المؤذن يدعو إلى صلاة العشاء وبعد إقامة الصلاة ، عاد الجميع إلى المجلس وتناولوا الشاي والحلوى .
فقال الحافظ : إنك تصعّب الموضوع أكثر فأكثر ، وقبل أن تجيب على الإشكال الأول ، نجد في كلامك إشكالا آخر !
قلت : الموضوع واضح وسهل ، فلا أدري ما هو الصعب في نظركم ؟! وما هو الإشكال في كلامي ؟! اطرحوه حتى أجيب عنه !!
الحافظ : في كلامكم الأخير أجد بعض الكلمات التي لا تخلو من إشكال :
1ـ قولكم : إن عليا كرم الله وجهه وصل مرتبة النبوة .
2ـ قولكم : إن عليا اتحدت نفسه مع نفس النبي حتى صارا كنفس واحدة .
3ـ قولكم : إن عليا أفضل من جميع الأنبياء غير خاتم النبيين (ص) .
فهذه الجمل غريبة جدا ، ولا أدري ما هو دليلكم عليها ؟!
قلت : ربما يكون كلامي غريبا ومشكلا وصعبا بالنسبة لكم !
لأنكم لا تريدون أن تتعمقوا في الحقائق ولا تريدون أن تدرسوا القضايا هذه دراسة تحقيق وتفهم .
وأما بالنسبة للعلماء المحققين والمنصفين ، فإن كلامي ليس بغريب ولا مشكل ، بل هو واضح ومقبول .
وإليك الجواب عن الإشكالات التي طرحتها .
الولاية بحوث اسلامية حوارات اسلامية 2017-02-09