دعبل مع المأمون
الطوسي في آماليه عن يحيى بن أكثم قال : طلب المأمون دعبلا بعد وفاة الرضا عليهم
السلام وأعطاه الأمان . فبينما أنا جالس عند المأمون إذ دخل عليه دعبل فلما قرب
من مجلس المأمون قال له : أنشدني قصيدتك الرائية ( 1 ) الكبيرة . فأنكر دعبل معرفتها وان
يكون قال قصيدة بهذه الصفة . فقال له المأمون : أنشدها ولك الأمان فأنشد ( تأسفت
جارتي ) وهذه القصيدة موجودة في هذا الديوان ص 105 .
دعبل مع المعتصم
يذكران المعتصم كان يبغض دعبلا لأنه هجاه وانه فيما بعد مدحه فقال المعتصم : أحسنت
اسالنى ما أحببت ! فطلب مائة بدرة فاستخف به المعتصم وقال : نعم على ان تمهلنى
مائة سنة وتضمن لي اجلى معها وكأنه استكثر هذا الطلب فأجاب بهذا الجواب وكان
ينبغي له ان لا يقول له إسألنى ما أحببت إذا كان لا يوطن نفسه على اعطاء الكثير . وانه
ارسل اليه أبياتا مؤلمة مع خصى احتال عليه . وفى تاريخ دمشق انه لم يلبث ان كتب
اليه أبياتا من ثم يهجوه بها . وقد ذكرها الاصفهاني في أغانيه ( 2 )
في الأغاني ج 20 ص 199 : دخل دعبل بن على على عبد الله بن طاهر فأنشده ببغداد :
* جئت بلا حرمة ولا سبب
إليك الا بحرمة الأدب
* فاقض ذمامى فاننى رجل
غير ملح عليك في الطلب
قال فانتعل عبد الله ودخل إلى الحرم ووجه اليه بصرة الف درهم وكتب اليه :
* أعجلتنا فاتاك عاجل برنا
ولو انتظرت كثيره لم يقلل
* فخذ القليل وكن كأنك لم تسل
ونكون نحن كأننا لم نفعل
وفى تاريخ دمشق قال أحمد بن أبى دؤاد : خرج دعبل إلى خراسان فنادم عبد الله بن طاهر
فاعجب به فكان كل يوم ينادمه فيه يأمر له بعشرة آلاف درهم . وكان ينادمه في الشهر
خمسة عشر يوما . وكان ابن طاهر يصله في كل شهر بمائة وخمسين الف درهم . فلما كثرت صلاته
عليه توارى عنه دعبل يوم منادمته فطلبه فلم يقدر عليه فشق ذلك على طاهر . فلما
كان من الغد كتب اليه دعبل :
* هجرتك لم اهجرك من كفر نعمته
وهل ترتجى فيك الزيادة بالكفر
* ولكنني لما أتيتك زائرا
فأفرطت في برى عجزت عن الشكر
* فان زدت في برى تزيدت جفوة
ولم نتلق حتى القيامة والحشر
دعبل والمطلب بن عبد الله بن مالك
في الأغاني ( 1 ) أخبرني محمد بن المرزبان قال : حدثني إبراهيم بن محمد الوراق عن
الحسين بن أبى السرى عن عبد الله بن أبى الشيص قال : حدثني دعبل قال :
حججت أنال واخى رزين واخذنا كتبا إلى المطلب ( 2 ) بن عبد الله بن
مالك وهو بمصر يتولاها فصرنا من مكة إلى مصر فصحبنا رجل يعرف بأحمد بن فلان
السراج نسي عبد الله بن أبى الشيص اسم أبيه فما زال يحدثنا ويؤانسنا طول
طريقنا ويتولى خدمتنا كما يتولاها الرفقاء والاتباع .
ورأيناه حسن الأدب وكان شاعرا ولم نعلم وكتمنا نفسه وقد علم ما قصدنا له
فعرضنا عليه ان يقول في المطلب قصيدة ننحله إياها فقال : ان شئتم . وارانا بذلك
سرورا وتقبلا له فعلمنا قصيدة وقلنا له : تنشدها المطلب فإنك تنتفع بها .
فقال : ووردنا مصر به فدخلنا إلى المطلب وأوصلنا اليه كتبا كانت معنا و
أنشدناه . فسر بموضعنا ووصفنا له احمد السراج هذا وذكرنا له امره فاذن له
فدخل عليه ونحن نظن انه سينشد القصيدة التي نحلناه إياها فلما مثل بين يديه
عيل عنها وانشده :
* أفردته برجاء أن تشاركه
في الوسائل أو ألقاه في الكتب
وقال : وأشار إلى كتبيس التي أو صلتها إليه وهى بين يديه فكان ذلك أشد من
كل شئ مر بي منه على ثم أنشده :
* رحلت عنى إلى البيت الحرام على
ما كان من وصب فيها ومن نصب
إلى آخر ما قال راجع الأغاني .
قال : فصاح المطلب : لبيك لبيك ! ثم قام إليه فأخذه بيده وأجلسه معه وقال : يا
غلمان البدر فأحضرت ثم قال : الخلع فنشرت ثم قال : الدواب فقيدت فأمر
له من ذلك بما ملأ عينه وأعيننا وصدورنا وحسدناه عليه وكان حسدنا له بما
اتفق له من القبول وجودة الشعر وغيظنا بكتمه إيانا نفسه واحتياله علينا أكثر
وأعظم فخرج بما أمر له به وخرجنا صفرا فمكثنا أياما . ثم ولى دعبل بن على على
أسوان وكان دعبل قد هجا المطلب غيظا منه فقال :
* تعلق مصر بك المخزيات
وتبصق في وجهك الموصل
* وعاديت قوما فما ضرهم
وشرفت قوما فلم ينبلوا
* شعارك عند الحروب النجاء
وصاحبك الآخور الأفشل
* فأنت إذا ما التقوا آخر
وأنت إذا انهزموا أول
قال : وكانت القصيدة التي مدح بها دعبل المطلب قصيدته المشهورة التي يقول فيها :
* أبعد مصر وبعد مطلب
ترجو الغنى إن ذا من العجب
* إن كاثرونا جئنا بأسرته
أو واحدونا جئنا بمطلب
قال وبلغ المطلب هجاؤه إياه بعد أن ولاه فعزله عن أسوان فانفذ اليه الكتاب
العزل مع مولى له وقال : انتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة فإذا علاه فأوصل
الكتاب اليه وامنعه من الخطبة وأنزل عن المنبر واصعد مكانه . فلما ان علا
المنبر وتنحنح ليخطب ناوله الكتاب فقال له دعبل : دعني ان اخطب فإذا نزلت
قرأته . قال لا قد امرني ان أمنعك من الخطبة حتى تقرأه فقراه وانزله عن
المنبر معزولا .
دعبل والمخزومى
يقول أبو الفرج في الأغاني ( 1 ) : كان سبب مناقصته ابا سعد المخزومي وما خرج
اليه الامر بينهما قال دعبل قصيدته التي هجا فيها قبائل نزار فحمى لذلك أبو
سعد فهجاهم فاجابه أبو سعد ولج الهجاء بينهما .
وروى انه نزل بقوم من بنى مخزوم فلم يضيفوه فهجاهم فاجابه أبو سعد ولج
الهجاء بينهما .
أخبرني عمى والحسن بن على الخفان قالا : حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال :
حدثني محمد بن الأشعث قال : حدثني دعبل انه ورزينا العروضي نزلا بقوم من بنى
مخزوم فلم يقروهما ولا أحسنوا ضيافتهما فقال دعبل : فقلت فيهم :
* عصابة من بنى مخزوم بت بهم
بحيث لا تطمع المساحة في الطين
* ثم قلت لرزين : اجز فقال :
في مضغ من خبزهم عوض
بنى النفاق وأبناء الملاعين
قال ابن الأشعث : فكان هذا أول الأسباب في مهاجاته لأبي سعد : ( 1 ) .
أيضا في الأغاني ( 2 ) عن إسماعيل بن إبراهيم بنن أبى ضمرة الخزاعي : سالت دعبلا ان
اقرا عليه قصيدته التي يناقض بها الكميت :
* افيقى من ملامك يا ظعينا
كفاك اللوم مر الأربعينا
فقال لي : فيها اخبار وغريب فليكن معك رجل يقرأها على وأنت معه . فأخذت
صديقا لي يقال له على من شيبان ربيعة فقال : تأتيني برجل اسمعه ما يكره في قومه
فقلت له : انه يحتمل ويحب ان يسمع ما له وما عليه . فقال : في مثل هذا أريحية
فائتني به ! فقرأنا عليه القصيدة حتى انتهينا إلى قوله :
* من اى ثنية جاءت قريش
وكانوا معشرا متنبطينا
فقال دعبل : معاذ الله ان يكون هذا البيت لي ثم قال : انتقم الله منه ! – يعنى ابا
سعد المخزومي – دسه والله في هذا الشعر وجرد البيت بحد سكين كان معه . ثم قال :
انا أحدثكم عنه بحديث ظريف : جاءني يوما ببغداد أشد ما كان بيني وبينه من
الهجاء وبين يدي صحيفة ودواة إذا دخل الغلام وقال : أبو سعد المخزومي بالباب .
قلت : كذبت ! قال : بلى والله ! وهو به عارف وأمرته برفع الواة والجلد و
اذنت له في دخول وجعلت أقول في نفسي : الحمد لله الذي أصلح ما بيني وبينه
من هتك الاعراض وذكر القبيح وكان الابتداء منه . فقمت اليه وسلمت عليه وهو
ضاحك مسرور وانا
كذلك ثم قلت : أصبحت والله حاسدا لك ! قال : على ماذا قلت : بسبقك إياي إلى
الفضل ! قال : انا اليوم في دعوة عندك . قلت : قل ما أحببت فطرح ثيابه ورد دابته
فتغدينا ثم طلب منى ان ينشدنا غلامي هجائى فيه فقلت له : قد اصطلحنا فما
حاجتك إلى هذا فقال : سألتك بالله الا فعلت ! فليس يشق على ولو كرهته لما
سألته . فأنشد الغلام فيه هجاء قبيحا ثم ودعني وانصرف وأمرت غلماني فخرجوا
معه إلى الباب فعاد أحدهم وبيده قرطاس وقال : دفعها إلى أبو سعد وأمرني ان
ادفعها إليك فإذا فيها :
* لدعبل منه يمن بها
فلست حتى الممات أنساها
* أدخلنا داره فأطعمنا
ودس بامرته فنكناها
هجاء دعبل