الرئيسية / شخصيات أسلامية / مراحل حياة الامام علي بن الحسين عليهما السلام السجاد

مراحل حياة الامام علي بن الحسين عليهما السلام السجاد

القسم الرابع :تكتيك بداية المرحلة الثالثة لحركة الإمام (ع)

بالمقدار الذي اطلعت فيه على حياة الإمام السجاد (ع) والذي مازلت أذكره أنه لا يوجد مواجهة أو تعريض صريح وقاطع ضد الحكم من قبيل ما نشاهده في حياة بعض الأئمة الآخرين، كالإمام الصادق في عصر بني أمية، أو الإمام موسى بن جعفر (ع).

وسببه واضح، لأن مثل هذا التحرك الشديد في بداية حركة الأئمة (ع) في المرحلة الثالثة من المراحل الأربع للإمامة، والتي تبدأ في حياة الإمام السجاد، سوف يعرّض قافلة أهل البيت (ع) التي تحمل أعباء مسؤولية الرسالة للخطر الذي لا يؤدي إلى تحقيق المقصد. ففي ذلك الوقت لم يكن بستان أهل البيت الذي يتعهد الإمام السجاد (ع) بترتيبه وسقايته استحكمت غصونه وأشجاره.

وكما أشرت في بداية هذا البحث، فقد كان عدد المحبين والموالين لأهل البيت (ع) قليلاً جداً، وفي ذلك العصر لم يكن ممكناً على أولئك الذين سيتحملون مسؤولية التنظيمات الشيعية أن يواجهوا خطر العدو الجائر.

وإذا أردنا أن نمثل، ينبغي أن نشبّه عصر الإمام السجاد (ع) هذا بمرحلة بدء الدعوة الإسلامية في مكة وهي المرحلة السرية. ولعله يمكن تشبيه عصر الإمام الباقر (ع) بالمرحلة الثانية في مكة حين أصبحت الدعوة علنية. ولهذا فإن المواجهة في تلك المرحلة لن تكون سليمة.

ومما لا شك فيه أننا إذا لاحظنا المواجهات الحادة في بعض كلمات الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الثامن (ع) فيما لو صدرت عن الإمام السجاد (ع)، فإن عبد الملك بن مروان الذي كان في أوج قدرته كان يستطيع وبكل سهولة أن يطوي بساط تعاليم أهل البيت (ع) ليبدأ العمل من جديد، وهذا ليس عملاً عقلائياً. لكن على كل حال، يمكن أن نشاهد في ثنايا كلمات الإمام زين العابدين (ع) والتي ترجع على وجه الاحتمال إلى أواخر حياته الشريفة، إشارات أو مظاهر لتعرّضه ومواجهته لنظام الحكم.

4

أمثلة من مواجهة الإمام (ع)

كانت تلك المواجهات تظهر بعدة أشكال. وأحد أشكالها هو ما لاحظناه في تعامل الإمام السجاد (ع) مع محمد بن شهاب الزهري. والشكل الآخر يظهر من خلال بيان موقف ومكانة الخلفاء الأمويين على ضوء التعاليم والإشارات الدينية العادية. ويوجد حديث عن الإمام الصادق (ع) يقول فيه: “إن بني أمية أطلقوا للناس الإيمان ولم يطلقوا الشرك حتى إذا حملوهم عليه لم يعرفوه”.

فبنو أمية كانوا يسمحون للعلماء وأهل الدين، ومن جملتهم الأئمة عليهم السلام، بالتحدث حول الصلاة والحج والزكاة والصيام والعبادات، وكذلك حول التوحيد والنبوة والأحكام الإلهية. لكنهم لم يسمحوا بالبحث في مفهوم الشرك ومصاديقه وأمثلته في المجتمع، تلك التعاليم المرتبطة بالشرك لو درّست للناس، لفهموا مباشرة من هم المشركون، وأن ما يحملهم عليه بنو أمية ليس إلاّ الشرك، ولعلموا فوراً أن عبد الملك والخلفاء الباقين من بني أمية هم طواغيت يبارزون الله، وأن إطاعتهم تعد شركاً بالله. ولهذا لم يكونوا ليسمحوا للناس بتعلّم هذه المفاهيم.

نحن عندما نبحث في الدين الإسلامي حول التوحيد، فإن قسماً مهماً من هذا البحث يرتبط بمعرفة الشرك. ما هو الصنم، ومن هو المشرك؟

وللمرحوم العلامة المجلسي (ره) في بحار الأنوار، الجزء 48، نص رائع يقول فيه: (إن آيات الشرك ظاهرها في الأصنام الظاهرة وباطنها في خلفاء الجور الذين أشركوا مع أئمة الحق ونصبوا مكانهم).

فأئمة الحق هم خلفاء الله، وهم ينطقون عن الله، ولأن خلفاء الجور قد نصبوا أنفسهم مكانهم وادّعوا الإمامة، فقد أصبحوا أصناماً وطواغيت، وكل من يطيعهم فهو في الحقيقة مشرك بالله.

4

وللعلامة بعد هذه شرح قيّم؛ فهو يبيّن أن الآيات القرآنية ليست مختصة بعصر الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، بل هي سارية وجارية في كل العصور والأزمان، يقول (ره):

(فهو يجري في أقوام تركوا طاعة أئمة الحق واتّبعوا أئمة الجور لعدولهم عن الأدلة العقلية والنقلية واتّباعهم الأهواء، وعدولهم عن النصوص الجلية).

ومن هنا نرى أن الأئمة (ع) إذا أرادوا أن يبيّنوا حقيقة الشرك فإنهم بذلك يقومون بما يشبه المواجهة مع نظام الحكم، وهذا ما يظهر في كلمات الإمام السجاد (ع).

ونموذج آخر من تلك الأمثلة في المواجهة ما نشاهده في المكاتبات والرسائل بين الإمام السجاد (ع) وعبد الملك (الخليفة الأموي المتجبّر)، أشير إلى اثنين منهما هنا:

4

1ــ في إحدى المرات يكتب عبد الملك رسالة إلى الإمام السجاد (ع) يلومه فيها على زواجه من إحدى جواريه. وكان للإمام جارية أعتقها ثم تزوّجها. فشمت منه عبد الملك. وكان عمل الإمام عملاً إنسانياً وإسلامياً صرفاً. ولكن دافع عبد الملك من تلك الرسالة هو التعرض للإمام، وإفهامه بأنه مطلع على مسائله الخاصة، موجّهاً له بذلك تهديداً ضمنياً. فأجابه الإمام عليه السلام برسالة بدأها بتوجيه أمر الزواج وأن العظام يفعلون مثل هذا الأمر، وأن رسول الله (ص) قد قام به: “فلا لؤم على امرئ مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية”. وهو يريد أن يذكره بسوابق أجداده في الجاهلية (من كفرهم وعنادهم)..

عندما وصلت الرسالة إلى عبد الملك، كان ابنه سليمان حاضراً. وعندما قرأها سمعه، وسمع ذمّ الإمام وأحسّ به مثل أبيه، فالتفت إليه قائلاً: يا أمير المؤمنين! أترى كيف يتفاخر عليك علي بن الحسين؟ يريد بذلك أن يحرض والده على رد فعل قاس. ولكن عبد الملك كان أعقل من ولده، فقال له: لا تقل شيئاً يا ولدي! فهذا لسان بني هاشم الذي يفلق الصخر. (أي أن استدلالهم قوي وقاس).

2ــ النموذج الثاني: المراسلة الأخرى التي تمت بين الإمام وعبد الملك، ومجرياتها:

علم عبد الملك أن سيف رسول الله (ص) موجود عند الإمام. وكان هذا أمراً ملفتاً وباعثاً على التفاخر. وكذلك فإن وجوده يعد خطراً على الخليفة. لأنه يجلب أنظار الناس إليه، فكتب إليه يطلب منه تسليم السيف، ووعده بإنجاز ما يريد.

وردّ عليه الإمام، فأعاد عبد الملك مرة ثانية تهديده بوقف حصة الإمام من بيت المال إن لم يرسل السيف. فأجابه الإمام:

“أما بعد، فإن الله تعالى وعد عباده المتقين بنجاتهم من المحن {ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}، وقال: {إن الله لا يحب كل خوّان كفور}. فانظر أيّنا ينطبق عليه الكلام”.

وهذه لهجة قاسية جداً أمام الخليفة، لأن تلك الرسالة إذا وقعت بيد أي إنسان فسوف يعلم أولاً: أن الإمام لا يعد نفسه خواناً.

ثانياً: لا يتصور أحد هذا الأمر بحق هذا الإنسان الجليل الذي تربى في بيت آل الرسول وهذا يعني: أنك أنت الخليفة خوّان وكفور. وإلى هذا الحد كان الإمام شديداً مقابل التهديد.

كانت هذه نماذج من مواجهة الإمام للحكم، وإذا أردنا أن نضيف نموذجاً آخر ينبغي أن ننظر إلى الأشعار التي نقلت عن الإمام السجاد أو عن أصحابه ومحبّيه، فهي تمثل نوعاً آخر من المواجهة.

4

مواجهة الفرزدق ويحيى

للإمام أشعار لم استطع العثور عليها، ولكن مما لا شك أنها موجودة وهي في غاية القوة والتحدي والثورة. ويمكن اعتبار شعر الفرزدق نموذجاً آخر. وقد نقل المؤرخون والمحدثون هذه القصة وخلاصتها:

عندما قدم هشام بن عبدالملك قبل فترة خلافته إلى الحج وأثناء الطواف أراد أن يتقدم لاستلام الحجر الأسود، ولكن العدد الهائل والازدحام الكبير منعه من الوصول، وكلما حاول أن يوصل نفسه مع أنه كان ابن الخليفة ومحاطاً بالمرافقين والحواشي، ولكن الناس كانوا يمرّون من حوله بدون اكتراث فيئس من استلام الحجر وقعد جانباً منتظراً انصراف الناس، وكان أصحابه جالسين حوله. وفي هذه الاثناء يمر رجل يعلوه الوقار والهيبة، سيماه سيماء الزاهدين ووجهه وجه الملكوتيين، يسطع من بين الحجاج كالشمس، فتنحى الناس له جانباً ليمرّ من بينهم ويصل إلى الحجر الأسود، فقبلّه ثم رجع للطواف مجدّداً.

فصعب ذلك على هشام كثيراً، وهو يرى نفسه ابن الخليفة ولا أحد يعطيه أية قيمة، بل يبعدونه بالركل والمطاحنة، ثمّ من جانب آخر يظهر رجل يصل إلى الحجر الاسود بكل هدوء. فسأل غاضباً: من هذا؟ وكان حواشيه يعرفون أنه علي بن الحسين (ع)، ولكن لئلاّ يغضب منهم، لم يقولوا شيئاً، لأنهم يعلمون وجود العداوة ما بين بني أمية وبني هاشم، فلم يريدوا ان يقولوا أن هذا كبير العائلة المعادية لكم، والناس يظهرون له كل هذا الحب والاحترام، لأنهم اعتبروا ذلك نوعاً من الإهانة لهشام.

كان الشاعر الفرزدق من المحبيّن لأهل البيت حاضراً هناك، وقد رأى تجاهلهم من إظهارهم لعدم معرفة علي بن الحسين(ع) فتقدم قائلاً: أيها الأمير، لو تسمح لي بأن أعرفه لك.

فقال هشام: قل. فانطلق لسان الفرزدق بقصيدة من أشهر القصائد الشعرية التي قيلت بحق أهل البيت، وبدأها بهذا البيت:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد خُتموا

وكانت أبيات هذه القصيدة كوقع السيوف على قلب هشام فغضب منه وطرده، وأرسل إليه الإمام علي بن الحسين (ع) مالاً فلم يقبله وقال: “ما قلته إلاّ لله ولا أريد مالاً”.

4

وهكذا نشاهد مثل هذه المواجهات من بين أصحاب الإمام.

ونموذج آخر ما قام به يحيى ابن أم الطويل وهو ليس شعراً.

كان يحيى ابن أم الطويل من الشباب الشديدي الشجاعة والمخلصين لأهل البيت، وكان يذهب دائماً إلى الكوفة ويجمع الناس ويصرخ: فيهم أيها الناس، إنني كافر بكم، ولا أقبل بكم حتى تؤمنوا بالله. وهو يقصد أولئك الذين كانوا يتبعون بني أمية.

4

تعرض بني أمية للإمام السجاد (ع)

كان هذا مختصراً لحياة الإمام السجاد (ع)، وأشير هنا طبعاً إلى نقطة، فعلى رغم أن مرحلة إمامة الإمام السجاد (ع) قد امتدت إلى أكثر من 34 سنة كانت بعيدة عن المواجهة المباشرة للنظام الحاكم إلاّ أنه قد تمّ نشر بساط الإمامة الواسع وتعليم وتربية العديد من الافراد المؤمنين والمخلصين وتوضيح دعوة أهل البيت (ع)، وهذا ما جعل بني أمية يمقتون الإمام ويتعرضون له. وكانوا من قبل قد جروه بالاصفاد والأغلال ــ ولم يكن هذا ما حدث في كربلاء، وإنما في زمن آخر بعدها ــ وقد تعرّضوا له في موارد عديدة، وآذاه أعوانهم حتى وصل بهم الأمر سنة95 للهجرة في زمن الوليد بن عبدالملك إلى أن سمّوه، فسما إلى جوار ربه شهيداً.
 

الصفحة السابقة

أعلى

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...