الصداقة هي من العلاقات السامية في المجتمع حتى ليقال: “رُبَّ أَخٍ لَكَ لَم تَلِدْهُ أمُّك”. ولكن في المجتمع الإسلامي هناك نقاشات تفرض معايير شرعية ما بين الشاب والفتاة. فهل تسمح هذه المعايير أن يكون هناك صداقة بين الشاب والفتاة، وخصوصاً بين الناشئة، وأن يكون التواصل بينهما بطرق مباشرة كما في الجامعة والثانوية، أو بطرق غير مباشرة كالدردشة على برامج أجهزة التليفونات الحديثة كالواتس آب أو على مواقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك أو التويتر)؟
كيف يجب أن تترتب هذه العلاقة؟ وما هو الإطار المناسب لها؟ ما هي أهمية الفصل بين الجنسين في المدارس الإسلامية؟ وهل لهذه الخاصيّة أثر في بناء شخصيّة جيل مؤمن ومهذّب؟ عند أهل الخبرة والاختصاص تكمن التفاصيل.
*وجوب الفصل بين الجنسين
إحدى المعلّمات في مدرسة المهدي عجل الله فرجه الشريف “الحاجة فاطمة”، تخبرنا عن تجربتها بقولها: “لقد سبق وعلّمت في مدارس مختلطة من قبل، وكنت أواجه الكثير من الصعوبات في عمليّة ضبط الصف، فأكثر التلامذة يختارون مقاعد لهم كما يشاؤون صبياناً وبناتٍ، يثيرون الشغب ويضيعون الوقت، فلا تخلو الحصّة من همس أو إشارات وحركات.
وقد لاحظتُ أن الصبي مهما يكن عمره لا يركّز نظره في الصفّ إلّا على الفتاة التي يهمه أمرها وهم يتبادلون رسائل عاطفية تفوق أعمارهم. لقد أخبرتني إحدى الطالبات أنها غير قادرة على التركيز على شرح الدرس أو حفظ أي معلومة لهذا السبب.
بعدما انتقلتُ إلى مدرسة إسلامية، تُعنى بالفصل بين الطلّاب والطالبات، لاحظت أنّ عملية التعليم أسهل؛ كما أنّ إمكانية ضبط الصف أبسط، والتلامذة لا يشعرون بمشاكل أو عقد نفسية، لذلك أعتقد أنّ الفصل بين الصبيان والبنات أمرٌ يعزّز شخصيّة الناشئة بشكل مستقيم وصحيح كما يساهم في تخفيف الأعباء عن عمليّة التعليم على التلاميذ وعلى المعلمين على حدّ سواء”.
*لم ننشغل عن دراستنا بشيء
“سامر” من خريجي مدارس المهدي عجل الله فرجه الشريف، سألناه أليس من الأفضل لو كان في صفك صديقات فتيات؟ أجاب: أنا وأصدقائي كنا مرتاحين في المدرسة، ولم ننشغل بما يسمى صداقات مع الجنس الآخر، ففي تلك الفترة كنا مراهقين ومشاعرنا مرهفة، واحتمال الانصياع للغرائز سهل جداً.
ويقول: “لم أنتبه أثناء دراستي لهكذا مسألة ولم أجد فيها أي ضرورة، ولكني أتصور لو كان هناك فتيات في الصف لربما كان الإشكال وارداً، أحمد الله أنني تخطيت هذه المرحلة بالاهتمام بدروسي تحت إشراف المربّين الكرام في المدرسة”.
“سيرين” في الصف التاسع، تلميذة في مدرسة مختلطة تحدّثنا عن رأيها قائلة: “إن الجو الذي يطغى في المدرسة هو القليل من الأدب بين التلامذة والكثير من “طق الحنك” في الصف والملعب، وحتى في الباحة خارج المدرسة حيث يقف كل شاب وفتاة في زاوية للتسلية وتبادل الأحاديث الجانبية.
لا أنكر أنني تأثرتُ في البداية، ولكن عندما أخبرتُ أمي بما يجري في المدرسة حذرتني من الاختلاط مع هذه الأجواء ونصحتني بأن لا أكترث ولا أختلط مع هذه النوعية من الرفاق”.
*”نحن أصدقاء في الدراسة”
تحت هذا العنوان برّر شباب اليوم أسباب علاقاتهم والاختلاط مع الجنس الآخر، وهو غالباً ما يتطور ويصبح جلسات فيها شبهة كالتي في أماكن الدراسة، مدرسة وجامعة أو معهد.
“ندى” طالبة في كلية الهندسة، قالت: “هناك اختصاصات تفرض علينا أن نكون مجموعات مختلطة من شابات وشبان، ندرس ونتدرّب مع بعضنا بعضاً وأحياناً نحتاج لبعض الشبان في توفير بعض الأوراق والكورات واللوازم المطلوبة لتجاربنا ولأبحاثنا، فنصير مع الوقت زملاء في الدراسة فقط. لا أجد أي مشكلة إن كان ذلك ضمن حدود نحترمها، وفي إطار الأخلاق والضوابط الشرعية.
أما “لين” وهي طالبة في صف الأول ثانوي، فقد قالت: “الصداقة مع الشاب أفضل من الصداقة مع الفتاة، فبحسب تجربتي لا يوجد أثر للمشاحنات الكلامية وللاختلاف بالرأي أو حتى بعض المشاكل المشابهة التي قد تكنّها الفتاة اتجاه صديقتها”. بينما ليلى التي رفضت الموضوع بشكل كلّي، تهزأ من فكرة “زملاء في الدراسة”. ضحكت وقالت: “ماذا يعني أن الفتاة صديقة للشاب وما هي نظرته لها؟ مع أنني أعيش في بيئة لا تراعي الفصل بين الطرفين، إلّا أنني أشعر بالراحة أكثر مع صديقاتي، فنحن ندرس معاً ونتنزّه معاً، وهناك أمور وقواسم مشتركة بين الفتيات لا يمكن أن نتعاطى بها مع الشباب. لا مشكلة في نظري إن كان هناك اضطرار للتعاطي مع زملاء الدراسة أو العمل معهم ولكن بحدود”.
*صـــداقــــات علــى الفايســـبوك والواتس آب
ومع ظهور ما يسمى بـ “الواتس آب” و”الفايسبوك”، ظهر مبررٌ جديد لهذا الجيل وهو ما لا يُقنع “رُقيَّة”، خريجة من كلية الإعلام، وتوضح: “إن كل هذه الأساليب لا تخلو من الشبهة وشخصيّاً لا يروق لي أن أقضي وقتي أدردش مع شاب حتى ولو كان أحد زملاء الدراسة”.
وهذا الرأي كان خلاف ما تراه صديقتها “سنا” التي قالت: “ما المشكلة إن فتحت صفحة صديق لي على “الفايسبوك” وتحدثت معه؟ أليس أفضل من أن أقف معه في المعهد أمام الناس وخصوصاً أنه قادر أن يساعدني في مواد مهمة في دراستي؟”.
كريم يتجاوز القول إلى الفعل، يقول: “أنا أنهى نفسي وغيري عن هكذا علاقات أو تصرفات فهي تؤدي إلى هدر الوقت، وتؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فهي تبدأ بصداقة “ضمن الحدود” بين شخصين يعتبران نفسيهما منضبطين وتنتهي بتبادل الصور والخبريات وبحديث يجر إلى آخر”.
*أيها الأهل: ما هو رأيكم؟
تخبرنا ندى وهي أم لفتاة وشاب: “أنا ضد فكرة أن يكون لابنتي صديق شاب فنحن في زمن لا نؤمّن فيه على أحد، كذلك ابني أخاف عليه من الأجواء الفاسدة في المجتمع، خاصة أن ولديّ مراهقان فلا مانع من أن يتعرفا إلى الناس عبر الإنترنت وغيره ولكن تحت رقابتي، مع أن المدرسة مختلطة لكنني أثق بالتربية فيها جيداً”.
أبو عادل يحاول قدر الإمكان أن يتقرب من ابنه الذي يدرس في المعهد، لينصحه ويربيه دينياً وتربوياً، ويوجّهه بشكل دائم إلى اهتمامات كالرياضة (كرة القدم) والعبادة (التردّد إلى المسجد). أما عن الانفتاح الذي يتكلم عنه شباب اليوم، فتقول سمر: “هذا كله ادعاءات لا تمت لعاداتنا بصلة، وأيّ انفتاح هذا الذي يتبنى عناوين هي مجرد بدع غربية لإفساد مجتمعاتنا؟ لقد وضعت أولادي في مدارس إسلامية منذ الصّغر وهم اليوم في الجامعة يتعاطون مع كل رفاقهم بأدب وأخلاق، هناك فارق ما بين زميلة في الدراسة والعمل وما بين صديقة خارج هذين الإطارين”.
*استقامة في التربية
يتخذ المتخصصون مواقف متعددة من مسألة اختلاط الجنسين، ولكن بالمجمل يتفقون على رأي واحد وهو لزوم الفصل بينهما لما فيه من نجاح وتأثير فعالين على سير التربية بطريقة مستقيمة. ففي تحليل للحاجة سوسن رمال “مشرفة تربوية ومبلّغة دينية”، أخبرتنا عن تجربتها قائلة: “تعاطيت بدقة مع هذا الموضوع وبعد المراقبة وجدت أن لكل مرحلة أكاديمية تفاصيلها، ويمكن تصنيفها ضمن:
1 – مرحلة الروضات: وهي مرحلة عفوية وبريئة جداً، لا يُلاحظ أي ردود فعل سلبية جراء اختلاط الجنسين، ولكنهم يفضلون أن يلعب كل واحد مع أبناء جنسه، وسمعتهم يردّدون بعض الجمل “ما بدنا بنات يلعبوا معنا، العبوا لحالكن”.
2 – المرحلة الابتدائية: (ما بين ست وعشر سنوات) وهي مرحلة عمرية خطيرة، فمن بين كل عشرين تلميذاً خمسة عشر واحداً منهم يعبتر أنه يحب، وعندما تسألهم: “هل تحب فلاناً أو فلانة كأخيك أو كأختك يجيب: لا بدي أتزوجو أو أتزوجها عندما أكبر”.
3 – المرحلة المتوسطة: وقد أجريتُ بحثاً استقرائياً مدروساً عن حالات الانسجام بين الطرفين، في هذه المرحلة، ولهذا فإن دور الأهل يجب أن يسبق هذه المرحلة بإرشاد أبنائهم وتثقيفهم، وإلا قد يضيع الناشئ ويكتشف غريزته بطرق غير سويّة خصوصاً مع انتشار الثقافة الغربية المعادية للمبادئ الإسلامية. يقول الإمام علي عليه السلام: “إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقِي فيها من شيء قبلته”.
4 – المرحلة الثانوية: في هذه المرحلة من العمر يمكن القول: إن الفتاة صارت بعمر الزواج، وهي تصبح أكثر خجلاً، فيما الشباب يكونون أكثر جرأة. ومن الخطير أن الفتاة في هذا العمر تصدق كل ما يقوله لها الشاب، لذا يجب التركيز على الحلال والحرام بين الطرفين. وتؤكد الأخصائية على فكرة تعتبرها جوهرية في سلامة سير العملية التربوية، وهي: “الفصل بين الجنسين لأنه مريح أكثر لأجواء التلميذ النفسيّة والدراسية، وتجنّبه المشاكل”.
*الأهم التواصل لحمايتهم
أما الاختلاط غير المباشر كالتواصل على التلفونات والوسائل الحديثة، التي معظمها لا تتم مراقبته من قبل الأهل، فهي أخطر من الاختلاط المباشر، لما فيها من الإثارة الكلامية واستقطاب المشاعر والتي تؤدي إلى عدم إدراك النتائج السلبية. وتختم رمال بالقول: إن إيجاد متنفس للطرفين هو بأن يكون هناك تواصل محترم بينهم في الشأن التعليمي والدراسي، ولا مانع من التحدث بشؤون العمل والعلم ضمن الضوابط نفسها.
إن مهمة التواصل مع جيل هذا اليوم هي أمر لازم لحمايتهم من الظروف المحيطة من حولهم، ولكن يتجلّى سؤال، هو الأهم وهو برسم الأهل والمدرسة: هل هؤلاء الأهل لديهم المؤهّلات الكافية لتوعية أبنائهم؟ وهل هذه المدارس التي تعنى بتأهيل التلميذ أكاديمياً، تبذل مجهوداً لتوعيته أخلاقياً؟
ومن هنا ندرك حكمة التشريع الإسلامي الذي جعل الكثير من الضوابط التي تحدّ من الاختلاط ليأمن المجتمع المسلم من المفاسد المترتبة عليه.